الأحد 11/مايو/2025

شاليت والتهدئة والمصالحة

شاليت والتهدئة والمصالحة

صحيفة الخليج الإماراتية

توقفت الحرب العسكرية على غزة وفقاً لوقف نار هش، ولأنه جاء في الأصل من طرف واحد ودونما اتفاق بين المتحاربين لا يزال في حاجة إلى تثبيت، لأن غزة ما تزال تتعرض بين يوم وآخر لغارات الطائرات “الإسرائيلية”. مع ذلك، إذا تجاوزنا هذه “الخروقات” وجدنا أن الحرب السياسية، التي كانت قد بدأت ضد غزة منذ ثلاث سنوات وقبل أن تشكل حركة حماس حكومتها، قد استؤنفت قبل إعلان وقف إطلاق النار، وهي ما يمكن أن تنطوي على خطر أكبر.

لقد قيل الكثير أثناء الحرب لجهة أن غزة قبل الحرب يجب أن تكون غير غزة بعد الحرب، بمعنى أنه يتوجب على الفلسطينيين أن يستثمروا الصمود والنصر الذي تحقق في الحرب، التي دفع الشعب الفلسطيني في غزة ثمنها، في تصويب السياسة الفلسطينية وتثبيت نهج المقاومة، والإقلاع عن قبول الإملاءات الصهيونية والأمريكية. والحقيقة أنه إن لم يكن هذا الاستثمار فإن أسئلة كثيرة ستثور على ألسنة الكثيرين تنطوي على اتهامات أقلها هدر الدم الذي أريق لتحقيق النصر الذي تحقق. لكن الأمور بعد وقف إطلاق النار الهش سارت، ولا تزال تسير، على نحو يتجاهل هذه المقولة وبما يراد له أن يضع كل ما جرى وما نتج عنه بين قوسين، وكأن الحرب لم تقع والنصر لم يتحقق.

فالحصار الذي كان قبل الحرب، والذي كان إحدى أهم مقدماتها، لا يزال مستمراً. والمعابر لا تزال مغلقة، لأن رفع الحصار وفتح المعابر مربوطان بالتهدئة، والتهدئة مشروطة بالمصالحة بين حركتي (فتح) و(حماس)، ولأن التهدئة أصبحت مربوطة بإطلاق سراح الجندي “الإسرائيلي” الأسير جلعاد شاليت. أما إطلاق سراح شاليت فيريد له الجانب “الإسرائيلي” أن يتم بثمن غير الثمن الذي كانت تطالب به (حماس) قبل الحرب والذي ظلت تطالب به بعدها.

لقد شن ائتلاف أولمرت ليفني باراك الحرب على غزة، كما أصبح معروفاً، لتحقيق هدفين: القضاء على فصائل المقاومة في قطاع غزة ليسهل فرض الاتفاقات التي يراد من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، بعد أن أصبح القطاع البؤرة الوحيدة للمقاومة الفلسطينية، واستغلال نتائج الحرب في الانتخابات البرلمانية. لكن حساب السهل لم يطابق حساب البيدر، ولم تعط الحرب الهمجية الصهيونية الائتلاف الفاشل الحصاد الذي حلم به، فالمقاومة في غزة صمدت وما زرعه الائتلاف حصده الثنائي المتطرف بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان. وبعد ظهور نتائج الانتخابات، وكعادة المرابين اليهود، صار في الإمكان وضع شروط جديدة على كل شيء: على التهدئة وعلى رفع الحصار وفتح المعابر وكذلك على التهدئة، ولا يضير إن ارتفعت أصوات تندد بوقف إطلاق النار، وتطالب باستئناف الحرب لاستكمال المهمة التي لم تستكمل.

وإذا كانت ترجيحات المراقبين تعطي بنيامين نتنياهو الفرصة الأكبر لتشكيل الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة، فإن القضاء على المقاومة يظل الهدف الأول لأية حكومة “إسرائيلية” قادمة، سواء كان ذلك بالحرب أو السياسة. ولكن إذا سارت الأمور في الاتجاه الذي تسير فيه، وتم تحقيق بنود البرنامج، القديم أو الجديد، أي إذا تحققت التهدئة ورفع الحصار وفتحت المعابر وتمت المصالحة طبقاً للنوايا والأغراض الأصلية من التهدئة، فلا بد أن نذكر أن أولئك الذين كانوا يطالبون بعدم إنهاء التهدئة وكذلك معظم الأصوات المطالبة والساعية إلى المصالحة يريدون من ورائها العودة إلى نهج المفاوضات ونبذ المقاومة، الأمر الذي يفرض على أنصار نهج المقاومة التمسك بمواقفهم والإصرار على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على الأسس والشروط الوطنية بأسرع وقت ممكن، وبحيث تكون الحكومة التي سيتم تشكيلها، سواء كانت “حكومة وحدة” أو “حكومة توافقية”، حكومة انتقالية لا يزيد عمرها على أشهر معدودة، ولا تزيد مهامها على مهمتين: الإشراف على عمليتين، عملية إعادة الإعمار، وعملية إعادة بناء منظمة التحرير.

إن من الخطأ أن يركن أحد إلى أن الحكومة “الإسرائيلية” القادمة ستقبل بالوضع القائم في قطاع غزة، وأنها لن تلجأ إلى العدوان للقضاء على المقاومة فيها بسبب “احترامها” للتهدئة إذا ما رأت حاجة أو وجدت فرصة لذلك. وفي أحسن الأحوال، فإن حكومة على رأسها بنيامين نتنياهو لن تكون المفاوضات على قائمة أولوياتها، وإذا ما أجبرت على ذلك فلن تكون أقل عبثية من مفاوضات ليفني السابقة، خصوصاً أن خطة نتنياهو المعلنة مختصرة في ما سماه “السلام الاقتصادي”، أي ليس أكثر من “تحسين ظروف حياة الفلسطينيين في الضفة والقطاع”، بينما ستتوسع عمليات الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي. وفي خطة كهذه نفي للمفاوضات ونسيان لفكرة الانسحاب من الأرض، استعداد دائم لاقتناص فرصة لضرب المقاومة. ويفترض في ظروف كهذه أن يصحو أنصار نهج المفاوضات، وأن يقتنعوا بأن التجاوب مع سياسات العدو الصهيوني ليس أكثر من خدمة لمخططاته التي لا مصلحة فيها للشعب الفلسطيني ولا للقضية الفلسطينية، ولا لاسترداد الحقوق.

إذا كانت هناك من فرصة لمصالحة فلسطينية حقيقية تكون في خدمة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، فإنها لن تكون إلا على أساس الموقف الوطني المستند إلى نهج المقاومة والمنطلق من إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وإعادة الاعتبار لميثاقها الوطني، وليس من حاجة إلى التأكيد على أن بناء الجبهة الوطنية الواحدة على الأسس الوطنية هو القادر على توحيد صفوف الشعب وتمكينه من مواجهة ما يحاك ضده من مؤامرات وما ينتظره من تحديات في المرحلة المقبلة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات