نتنياهو .. رب ضارة نافعة

إن من سنن الحياة أن التقدير البشري للأمور لا يكون دائماً صائباً وصحيحاً ، ويرجع ذلك إلى محدودية الرؤية الإنسانية لظواهر الحياة ، وعدم القدرة على الرؤية الشاملة للعلاقة بين الأسباب والنتائج ، فترى تعدد الآراء البشرية في المسألة الواحدة ، أو قل تغير رأي الجهة الواحدة من وقت لآخر ، ومن هنا لا بد للمسلم في خضم صراعه مع أعدائه أن يأوي إلى ركن شديد ألا هو الذي أحاط بكل شيء علماً ، فلا يند عن سيطرته أحد من خلقه ، ولا يكتفي المسلم بجهده البشري المحدود ، وإلا فالهلاك والنهاية
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يقضي عليه اجتهاده
ولذا علمنا الله في كتابه عدم الاكتفاء بالنظر إلى ظواهر الأمور دون سبر أغوارها ، وأنه ليس هناك شر مطلق أو خير مطلق ، بل كل منهما متلبس بالآخر ، وربما يكون الأمر ظاهره الخير ولكنه يخفي شراً مستطيراً ، أو ظاهره الشر ولكن الخير سينطلق من أحشائه مستنيراً، كما قال الله تعالى :” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة،216)، فمعيار النتائج الصحيح ليس هو الحب أو الكره ، بل هو حكم الله عليه أشر هو أم خير؟.
ولذا اعتبر الله حادثة الإفك بحق أم المؤمنين عائشة “رضي الله عنها” خيراً للمسلمين رغم ظاهر الشر الواضح فيه فقال تعالى :” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (النور،11)، وفي قصة الرجل الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام الواردة في سورة الكهف –والتي يقرأها المسلم مرة كل أسبوع- تأكيد على هذه السنة الربانية ، فخرق السفينة وقتل الغلام الصغير وبناء الجدار لقوم رفضوا إطعامهم ، كل ذلك ظاهره الشر ، لكن تفسير الرجل الصالح لأفعاله بعد ذلك أظهر جانب الخير فيها.
وأكثر الفترات المشرقة والمجيدة في حياة الأفراد والشعوب ، كانت تأتي بعد فترات ملتهبة بالمحن والشدة والظلم، فالفجر لا يأتي إلا بعد أشد ساعات الليل حلكة ، وليس بعد الصحراء القاحلة إلا رياض خضراء ، وكلما اشتد الحبل أوشك أن ينقطع.
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وهذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) طرد من وطنه فرجع إليه بعد عشر سنين فاتحاً ، وهذا صقر قريش (عبد الرحمن الداخل الأموي) يهرب من العباسيين إلى أسبانيا ليؤسس لحضارة إسلامية عظيمة في الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي هرب به أهله وهو صغير وقد وضعوه في صندوق حتى لا يسمع العدو صراخه لكنه حرر بيت المقدس من الصليبيين، وسيف الدين قطز بيع في الأسواق مع الرقيق ليهزم بعد ذلك التتار في حطين ، أما شيخنا الشهيد المجاهد أحمد ياسين فقد كان جسمه قاموساً للأمراض والشلل الكامل ، لكنه ربى جيل التحرير وأعاد الحياة من جديد للشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية بثباته وصبره وقيادته للمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ، وهاهي بشائر النصر تتوالى في الظهور من تحرير لغزة إلى فوز في الانتخابات التشريعية والبلدية إلى تشكيل الحكومة ، والحركة اليوم ملئ سمع العالم وبصره.
لا تعجب أخي القارئ من هذه المقدمة الطويلة والأقرب إلى الوعظ منها إلى السياسة ، إذا عرفت أني أريد أن آخذ بيدك لاستشراف المرحلة القادمة بعد تكليف الرئيس الإسرائيلي للمجرم ” نتنياهو ” بتشكيل الحكومة الصهيونية القادمة ، فالكثيرون متشائمون من المستقبل في ظل حكم اليمين الإسرائيلي المتطرف ، الذي لا يؤمن بالأرض مقابل السلام –كأن المعتدلين من الصهاينة يؤمنون بذلك!!، لكنني أرى أن هذا الأمر ينطوي على الكثير من الخير للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية ومن ذلك:
1. انعدام خيار السلام ومراهنات الداعين له من السلطة الفلسطينية وحكومات الاعتدال العربية –كما تسمى- ، وبالمقابل تقوية خيار الجهاد والمقاومة وتفرده في ساحة الصراع مع الصهاينة.
2. ومن شأن ذلك تدعيم الوحدة الفلسطينية الداخلية، وعودة الحوار الوطني الفلسطيني إلى البوصلة الحقيقة التي يجب أن يتجه إليها الجميع وهي بوصلة المقاومة، ولذا أتوقع تشكيلاً لحكومة وحدة وطنية فلسطينية وعودة التحام الجسم الفلسطيني بين الضفة وغزة.
3. هذا التقارب الفلسطيني سيفرض نفسه على تقارب الصف العربي بين ما يسمى بدول الاعتدال ودول الممانعة، سيما في ظل توجهات الحكومة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما لمد جسور التفاهم مع العالم الإسلامي.
4. ستكون حكومة نتنياهو حكومة ضعيفة رغم ظاهر التطرف الواضح لقيادتها والأحزاب اليمينية التي يمكن أن تنضم إليها، فسيغلب عليها الصراعات الداخلية لتحقيق مصالح حزبية ضيقة، إضافة إلى ضعف العلاقات الخارجية حتى مع حلفائها الأمريكان والأوربيين، إلا إذا أبدت مرونة سياسية لصالح السلام في المنطقة.
5. وفي أحسن الأحوال إذا أراد نتنياهو أن يبيض صورته المظلمة ، فهو سيلجأ إما إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع “كاديما” و”حزب العمل”، أو سيقدم تنازلات سياسية ، أو مناورات سياسية في اتجاه السلام مع العرب والفلسطينيين، وكلا الخيارين سيؤدي لسقوطه قبل اكتمال فترته القانونية (4 سنوات) ، وذلك لتضارب برنامجه السياسي مع برامج كاديما والعمل مما سيشل الحكومة ، وفي حال تقديم تنازلات سيغضب الأحزاب المتدينة المتطرفة –شريكته المفترضة- فيؤدي ذلك إلى تفسخ هذا الائتلاف وانهيار الحكومة.
كانت هذه بعض الإرهاصات واستشرافات المستقبل في ظل حكومة نتنياهو القادمة، والتي تؤكد أن وراء ذلك سيكون بإذن الله خير كثير ، إذا ما أحسنا إدارة أمورنا على المستوى الفلسطيني والعربي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يستهدف مجموعات شرطية أثناء ملاحقتها عصابات لصوص بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد وأصيب عدد من عناصر الشرطة الفلسطينية، مساء اليوم الجمعة، إثر استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة...

أجبره الاحتلال على هدم منزله في العيسوية فجعل منه محرابا
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام أجبرت بلدية الاحتلال الإسرائيلي، المقدسي محمود عبد عليان على هدم منزله في حي المدارس بقرية العيسوية بالقدس المحتلة...

المظاهرات تعمّ المدن المغربية للمطالبة برفع الحصار عن غزة
الرباط – المركز الفلسطيني للإعلام طالب آلاف المغاربة، الجمعة، وللأسبوع الـ74 على التوالي برفع الحصار عن غزة وفتح كافة المعابر لدخول المساعدات...

حماس: الاحتلال يسعى لكسر إرادة شعبنا بكل السبل وسط غياب الضمير العالمي
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عبد الرحمن شديد، الجمعة، إن قطاع غزة يواجه اليوم واحدة من أسوأ...

المقاومة تعلن تفجير جرافة وقنبلة برتل لآليات الاحتلال شرق غزة
الخليل- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي " سرايا القدس" عن تفجير جرافة عسكرية إسرائيلية وقنبلة من مخلفات الاحتلال...

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...

ايرلندا تدعو “إسرائيل” لرفع الحصار عن غزة والسماح بدخول المساعدات
دبلن – المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت ايرلندا من استمرار الكارثة الإنسانية في غزة، وأنه لم تدخل أي مساعدات إنسانية أو تجارية منذ أكثر من ثمانية...