الإثنين 12/مايو/2025

مستوطنة من زجاج

مستوطنة من زجاج

صحيفة الخليج الإماراتية

يبدو أن قائد القوات البرية في الجيش الصهيوني لم يسمع بالمثل الانجليزي القائل، إن كان بيتك من زجاج فلا ترم بيوت الناس بالحجر، لهذا يعيّر تركيا بما ارتكبت من مجازر ضد الأرمن، وذلك على سبيل الثأر العاجل من أردوغان الذي امتاز موقفه السياسي خلال العدوان على غزة بالوضوح والحسم، وتسمية الأشياء بأسمائها.

إن أردوغان شخصياً ليس مسؤولاً عن المذابح ضد الأرمن إلا بالقدر الذي يمكن أن تحمل فيه السيدة ميركل جرائم النازية في ألمانيا وخارجها.

إن حليف الأمس هو خصم اليوم، وتلك من طبيعة الأمور ومن صلب التاريخ وحراكه وعدم استقراره على حال، وما يحدث الآن بين تل أبيب وأنقرة هو حرب دبلوماسية تراوح بين البرودة والدفء، لأن تل أبيب لا تعترف بما هو أقل ولو بواحد بالألف من التابع الأمين، الذي يؤيدها حتى لو قالت إن الأرض مستطيلة وإنها لا تدور وإن الشمس تشرق من واشنطن.

الصهيونية لا تتذكر العدالة والانتصاف للشعوب المظلومة إلا عندما يعلن أحد الحلفاء القدامى العصيان على هراوتها، وفزاعتها المعروفة باللاسامية، لهذا ليس لها صدقية أخلاقية إذ غالباً ما يكون الكامن وراء الأكمة غير المعلن، والحق يراد به جملة من الأباطيل وليس باطلاً واحداً فقط.

لقد طاردت وحاصرت الصهيونية والدوائر المرتهنة لها مثقفين وساسة من مختلف أنحاء العالم لأنهم لم يتحولوا إلى ببغاوات يرددون الصدى، حوصر جارودي وحوكم لأنه تجاسر على نقد الجذور الأسطورية للمشروع الصهيوني، وهذا ما واجه الأب بيير والعالم فيريسون والفنان مارلون براندو وآخرين.

إن فلسفة إما أن تكون معي أو ضدي هي من صلب الأسطورة لا التاريخ، لأن هذه الثنائية الحاسمة تعبر عن أيديولوجيا لا تعترف بحق الاختلاف ويبدو أن أردوغان قد أدرج على تلك القائمة السوداء بحيث يبدأ شايلوك نبش الدفاتر القديمة تعبيراً عن إفلاس سياسي.

نحن لا نبرئ تركيا أو سواها من مواقف تاريخية لا يزال السجال يدور حولها. لكن المسألة أبعد من هذا كله، فالدولة الصهيونية مستعدة تماماً للتعاقد مع الشيطان وتبرئته إذا سار وراءها كالظل، بقدر ما هي مستعدة لشيطنة الملائكة إذا شكت للحظة بأنهم ليسوا الكورس الذي يردد النشيد، لقد انتهت صلاحية مثل هذه الأساطير في السياسة والإعلام، ولم يعد العالم رخواً وطيعاً بحيث يقاد من أنفه إلى حتفه ومن كانوا مضبوعين لزمن طويل ارتطمت جباههم بسقف المغارة وكفوا عن مناداة الضبع.. يا أبانا.

لماذا صمتت تل أبيب زمناً طويلاً عن تلك الجرائم، لكنها تندد بها الآن، وبأثر رجعي؟ يبدو أن الثلاجة الصهيونية واسعة بحيث تدخر قضايا مجمدة، وثمة مايكروويف إعلامي يتعهد تسخينها لتقديمها وجبات سريعة لمن صاموا وأفطروا على أقل من بصلة.

إنه عالم متغير، وقد لا تشبه الليلة البارحة رغم أن مراوغة الثعالب مستمرة. لقد وضع العدوان الصهيوني على غزة الدولة اليهودية في مأزق، فهي لم تنتصر إلا على أطروحتها الأسطورية التي أنهى التاريخ صلاحيتها وأبطل مفعولها.

لهذا فهي الآن تتسول عطفاً حتى عن ضحايا لا يخصونها، وفق منطق الاحتكار الذي يريد المبشرون به أن يكونوا ملائكة وشياطين وضحايا وجلادين في وقت واحد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....