الأحد 11/مايو/2025

طرد مراسل «العربية» من غزة والحرية والمهنية

طرد مراسل «العربية» من غزة والحرية والمهنية

صحيفة العرب القطرية

نتفهم من دون شك انحياز البعض لحرية الإعلام ورفضهم طرد مراسل «العربية» من قطاع غزة، وشخصياً كنت أتمنى لو أنه لم يطرد، مع أني لا أعرف إن كان القرار قد اتخذ من الجهات الحكومية، أم أنه محض قرار عسكري ميداني يتصل ببعض تغطيات المراسل التي قيل إنها انطوت على إشكالات أمنية، كما ذكرت بعض أوساط حماس، وهو ما يؤكده بقاء مراسلين آخرين للمحطة ذاتها يعملون من دون أن يسيء إليهم أحد.

لو لم تكن حماس وحكومتها تحت هذا الكم الهائل من التركيز الإعلامي لما كان لحدث من هذا النوع أن يأخذ كل هذه الضجة، وإلا فأين هي الحرية الإعلامية التي تتفرد حماس بانتهاكها، سواءً داخل فلسطين، أم في العالم العربي، أم حتى في الغرب عندما يتعلق الأمر بالقضايا القومية؟!

هل بوسع مراسلي الضفة الغربية أن يتحدثوا عن مسلسل الاعتقالات والتعذيب اليومي في سجون السلطة، على سبيل المثال، وكم دولة عربية تتغنى بالحرية والديمقراطية بينما تمنع كثيراً من الفضائيات من فتح مكتب أو تعيين مراسل، حتى لو كان مرضياً عنه من طرف أجهزة الأمن؟!

هل تلاحظون مثلاً أن فضائية بوزن «الجزيرة» لا تملك مكاتب ولا مراسلين في عدد من الدول العربية من دون أن يتهمها أحد بقمع وسائل الإعلام، بل إن إحداها وافقت ذات مرة على تعيين مراسل ثم منعته من العمل بعد قليل من الوقت، وكان أن مرّ الموقف مرور الكرام؟!

ألم تمنع الدولة العبرية وسائل الإعلام من تغطية الحرب على غزة من جانبها، مع أنها -للأمانة- من الدول التي تتمتع بقدر كبير من الحرية في سياق العمل الإعلامي؟ ألم تمنع بريطانيا أي تغطية إعلامية معادية لحربها على الفوكلاند، فضلاً عن حظرها ظهور قادة الجيش الجمهوري الأيرلندي بوجوههم في الـ«بي. بي. سي»؟ ألم يفرض الأمريكان قيوداً على تغطية الحرب على العراق؟!

لماذا يكون على حماس وحدها أن تدع كل أحد يفعل ما يشاء في قطاع ضيق مدجج بالإشكالات السياسية والأمنية، بينما يتعرض لعدوان يومي من قبل الاحتلال، ولماذا يكون عليها التسامح مع تغطية ذات نفس معادٍ لها، فضلاً عن أن تنطوي على إشكالات أمنية؟!

ليس هذا تبريراً لما جرى، لكنه تفسير للواقعة، ولفت لنظر الكثيرين إلى أن حكومة قطاع غزة لا تعادي حرية الإعلام، بل تصنف في مرتبة جيدة عندما تقارن بالآخرين، بدليل هذا الكم الهائل من الإعلاميين الذين يتحركون في القطاع.

أما ملف فضائية «العربية» ذاتها، فهو يستحق وقفة خاصة، إذ إن صدامه مع الوعي الجمعي للأمة ليس مقبولاً بحال، وحديث المهنية محض تدليس لا أكثر، إذ نعلم أن القصة لا تتعلق فقط بما يبثه المراسلون، وإنما تتجاوزه إلى ما هو أهم ممثلاً في سياسات غرفة الأخبار، وطبيعة الضيوف، إلى غير ذلك من الأشياء التي تفضح التوجه الحقيقي للفضائية وموقعها على الإنترنت.

أثناء الحرب، كان الموقع المذكور يتحدث عن عشرات الآلاف ممن نزلوا إلى الشوارع في العواصم العربية نصرة لغزة، بينما كانت الحقيقة أن ملايين قد نزلوا في ذلك اليوم (كان يوم جمعة)، فأين هي الموضوعية والمهنية بالله عليكم؟!

وسائل الإعلام تعبّر في الغالب عن هموم شعبها وأمتها، تماماً كما تفعل الـ «بي. بي. سي» في بريطانيا و «سي أن أن» في أميركا، فضلاً عمن تتطرف في الموقف كما هو حال «سكاي نيوز» في بريطانيا أو «فوكس نيوز» في أميركا، فأين العربية من ذلك، وأي أمة تلك التي تعبّر عنها؟!

هل تعبر حقاً عن نبض الشارع في الدول التي تنتمي إليها، أم أنها تعبر فقط عن مجموعة من غلاة العلمانيين الذين يديرونها، والذين قد يعبرون بدورهم عن جهات بعينها في هذا السياق أو ذاك؟!

عندما تكتمل دوائر الحرية في هذا العالم، وبشكل خاص في العالم العربي، فـليُـقـم أولئك الكربلائيات على طرد مراسل «العربية»، أما عندما يكون واقعنا هو الذي نعرف، بينما يعيش قطاع غزة حالة خاصة، فعلينا أن نتوقف كثيراً في معالجة الموقف.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات