الأحد 11/مايو/2025

«الايسيسكو».. قالت وفعلت

«الايسيسكو».. قالت وفعلت

صحيفة الحياة اللندنية

اشكاليتنا الحضارية، كما يردد الجميع، أننا نقول ولا نفعل، أو نقول قولاً جميلاً ثم نفعل فعلاً قبيحاً.

لطالما أعلنت الصحافة والتلفاز والدوائر السياسية أن ما تفعله “إسرائيل” من حصار لغزة وحرمان من الغذاء والدواء طوال 18 شهراً هو «إبادة» فتكت بقرابة 300 شيخ وامرأة وطفل فلسطيني. وهذا العدد للمعلومية هو أكبر بكثير من عدد الذين أبيدوا على يد النظام العراقي، فيما عرفت بقضية الدجيل التي حكم بسببها على صدام حسين بالإعدام.

ثم قامت الهمجية الإسرائيلية بعد الإبادة المدنية بالإبادة العسكرية من خلال حربها على غزة، التي ارتكبت أثناءها «جرائم حرب» فتكت بأكثر من 1300 قتيل وآلاف الجرحى.

«إبادة» و«جرائم حرب» إسرائيلية، تؤكد أن «الهولوكوست» ما زال مشتعلاً، فقط تغير المفعول به إلى فاعل.. والضحية إلى جلاد!

لكن هذا «الهولوكوست» الإسرائيلي المستمر منذ عام 1948 وأباد أكثر من مليون فلسطيني حتى اليوم، لا يلقى حتى الآن من يطبّق عليه قوانين واستحقاقات ودموع وابتزازات (الهولوكوست المدلل)!

هل يجب أن يصل عدد الذين أبيدوا على يد الجيش الإسرائيلي إلى ستة ملايين، حتى يحق لنا إنسانياً وصف دولة “إسرائيل” بأنها دولة نازية؟ ويحق لنا قانونياً مقاضاتها ومحاكمة مجرميها الذين نفذوا جرائم حرب، شهد عليها غربيون أكثر من شهادة العرب؟!

كل المنصفين والإنسانيين يقولون إنها جرائم حرب وإبادة، لكن لا أحد يتجاوز الأقوال إلى الأفعال، خصوصاً من لدن من يملكون مفتاح الأفعال.

ومن أجل هذا جاءت مبادرة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) كنقطة مضيئة في هذا الجمود المظلم، عبر تنظيمها «المؤتمر الدولي حول “إسرائيل” وجرائم الحرب والإبادة» بمدينة الرباط، يومي 14 و15 شباط (فبراير) الجاري. لم يكن مؤتمراً خطابياً أو إعلامياً أو وجدانياً.. أو حتى إغاثياً كغاية ما يفعله العرب تجاه ضحايا العدوان، وهو أضعف الإيمان.

مؤتمر «الايسيسكو» كان إجرائياً عملياً، ولذا لم يحفل ضمن مشاركيه بالخطباء المفوهين، بل بنخبة مهنية متميزة من المتخصصين في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية، بجوار شهود العيان من الأطباء العرب والأجانب الذين اقتحموا بكل تضحية وبسالة غزة وزاولوا مهنتهم الإنسانية في مستشفياتها تحت القصف الإسرائيلي.

ولأنه مؤتمر عملي إجرائي جاد، فقد خرج عنه بيان (إعلان الرباط حول “إسرائيل” وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية)، متضمناً بنوداً لا تنتهي بجفاف حبرها، بل تجعله يبدو مؤتمراً دائم الانعقاد مستمر الفعالية والتفاعل.

من أهم بنود إعلان الرباط/ الايسيسكو:

– تكوين فريق عمل من 12 عضواً من المحامين الدوليين والحقوقيين الممثلين للهيئات الدولية والأطباء الشهود على الجرائم الإسرائيلية، لاستكمال إعداد ملف الدعوى ضد المسؤولين الإسرائيليين عن جرائم الحرب والإبادة، ودعم جهود التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية ومتابعتها.

– إنشاء موقع على الانترنت يتضمن مجموع عناصر هذا الملف بما فيها الشهادات الحية والصور المعبرة، مع فتح نافذة لتزويد محتوى الموقع بأي شهادات أخرى، والتعليق عليه.

– تزويد منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة كمنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف وغيرها بنسخة من ملف جرائم الحرب الإسرائيلية.

– دعوة الايسيسكو إلى التنسيق مع الدول الأعضاء من أجل إدراج موضوع «جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين» ضمن مفردات المواد التعليمية في المدارس، وذلك حفاظاً على ذاكرة النضال الفلسطيني والعربي والإسلامي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

والتوصية الأخيرة هي توصية مضادة أو معادلة للتوصية التي أقرتها منظمة اليونسكو في مؤتمرها لعام 2007، بدعوة الدول الأعضاء إلى إدراج موضوع «الهولوكوست» (المحرقة النازية ضد اليهود) ضمن المناهج الدراسية، والتي قوبلت آنذاك بمحاولات عربية وإسلامية وصديقة لتعديلها وجعلها جرائم ضد الإنسانية كافة، وليس حصراً بالجرائم النازية فقط، وضد اليهود فقط!

خرج مؤتمر «الايسيسكو» بإعلان الرباط وهو لا ينوي التوقف عند الجلسة الختامية، بل وضع جدول زمني للقاءات فريق العمل خلال الأسابيع القادمة، لاستكمال ملف الدعوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين. ومن هنا وجب شكر مدير عام «الايسيسكو» د. عبدالعزيز التويجري والفريق المعد للمؤتمر على فكرته الفذّة وعلى الآلية الديناميكية لتفعيل قراراته.

لا نطمح، في الوقت الراهن، إلى محاكمة أولمرت ثم إعدامه كما حوكم ميلوسوفيتش وكاراديتش، لكننا على الأقل سنجعل العالم يسمع ويعلم أن هناك في “إسرائيل” مجرمي حرب مطلوبين للعدالة، وأن هناك دولاً ترفع راية العدالة الدولية وحقوق الإنسان لكنها تتستر وتدافع عن مجرمي حرب!

* كاتب سعودي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات