الإثنين 12/مايو/2025

إسبانيا ومجرمو الحرب الإسرائيليون وتيسير علوني

إسبانيا ومجرمو الحرب الإسرائيليون وتيسير علوني

صحيفة الدستور الأردنية

كعادتهم في فضح من يتعاونون معهم بالطريقة التي يرونها، وفي الوقت الذي يرونه (تذكرون قصة أولمرت عندما أعلن أنه طلب من مساعدي بوش إنزاله من على منصة المحاضرة في فلوريدا من أجل حثه على الاتصال بوزيرة خارجيته ومنعها من التصويت لصالح قرار 1860 بشأن غزة)، كعادتهم في ذلك أعلن الإسرائيليون أنهم تلقوا تأكيدات من الحكومة الإسبانية بأنها ستغير قوانين البلاد كي لا يكون بوسعها محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وذلك على خلفية تقديم سبعة من جنرالات الحرب الصهاينة إلى محكمة إسبانية بتهمة قتل 14 شخصاً في سياق اغتيال القائد الكبير في حركة حماس الشهيد صلاح شحادة في العام 2002، فيما عرف بمجزرة حي الدرج.

لما جرى – إن صحت الرواية الإسرائيلية، وهي صحيحة على ما يبدو – أكثر من دلالة، فهي كقضية خاصة كانت في حاجة إلى تدخل سريع من طرف الصهاينة، مدعومين من الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الأكثر ولاء للدولة العبرية، وعلى رأسها الفرنسية والألمانية، لاسيما أن من بين المتهمين مسؤولين كباراً يتقدمهم بنيامين بن إليعيزر، وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، وزير الدفاع الأسبق، آفي ديختر، رئيس جهاز الشاباك السابق وآخرون.

على أن الذي لا يقل أهمية في هذا السياق هو دلالات القضية في هذا التوقيت بالذات، وحيث تقوم العديد من المنظمات العربية والدولية بإعداد لوائح اتهام ضد قادة وضباط الجيش الإسرائيلي على خلفية المجازر التي ارتكبوها في قطاع غزة خلال المعركة الأخيرة، مع العلم أن مجزرة حي الدرج ليست سوى نموذج من نماذج لا تحصى تكررت خلال الحرب الأخيرة مثل مجزرة مدرسة الفاخورة التابعة للأمم المتحدة، مجزرة عائلة السموني، ومجزرة عائلة الشهيد نزار ريان وسواها، وهي مجازر ارتكبت عن قصد في سياق تركيع المقاومة، إلى جانب الحيلولة دون أية خسائر محتملة في صفوف الجيش، ولم تكن من قبيل الأخطاء كما يزعم قادة العدو، حيث كان الطيران الإسرائيلي يعمل ويتحرك في أجواء مكشوفة وواضحة ومعروفة الإحداثيات بدقة متناهية.

ما يريده الإسرائيليون هو ضرب فكرة المحاكمات من أساسها، وما فرضوه على الحكومة الاشتراكية في إسبانيا سيفرض على نحو أكثر سهولة على عدد من حكومات الدول الأوروبية الأخرى المرشحة لاستضافة تلك المحاكمات، ولا شك أن الولايات المتحدة ستلقي بثقلها من أجل الحيلولة دون وقوع محاكمات من هذا النوع: يمكن أن تفتح باباً واسعاً لفضح الدولة العبرية في ظل ما جرى في قطاع غزة، لاسيما أن كثيراً من الضباط الإسرائيليين يحملون جنسيات أوروبية.

ما يعنينا هنا إلى جانب الصلف الإسرائيلي الذي نعرفه تمام المعرفة، هو هذا الخضوع الأوروبي للكيان الصهيوني، لاسيما أننا نتحدث اليوم عن حكومة اشتراكية وليست يمينية، وهي ذات الحكومة التي تصر على الإبقاء على تيسير علوني رهن الإقامة الجبرية حتى نهاية سنوات سجنه بتهمة بالغة السخف عنوانها حمل مبلغ من المال من رجل في أفغانستان إلى أهله، فضلاً عن إجراء مقابلة صحفية مع أسامة بن لادن.

ما بين تغيير القانون الإسباني من أجل عيون مجرمي الحرب الصهاينة وعدم الإفراج عن تيسير علوني تسقط العدالة الإسبانية، والحكومة الإسبانية في فخ التمييز ضد العرب والمسلمين، الأمر الذي ستكون له تداعياته السلبية على العلاقة معهم.

كلما حاولنا الاقتراب من هذا الغرب، يصر هو على الابتعاد عنا والتقرب أكثر فأكثر من عدونا الذي اغتصب أرضنا وشرد شعبنا وما زال يمعن فيهم قتلاً وسجناً وتعذيباً. ثم يأتي من يسأل عن سر الكراهية القائمة؟ صحيح أن المواقف الشعبية تختلف عن المواقف الرسمية، لكن ذلك لا يبدو كافياً لتحسين الصورة، لاسيما عندما تأتي المصائب من حكومات يفترض أنها أقرب إلى الأبعاد الإنسانية منها إلى الفكر اليميني العنصري.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات