الإثنين 12/مايو/2025

أردوغان نموذج قيادي يحرج «المعتدلين» العرب

أردوغان نموذج قيادي يحرج «المعتدلين» العرب

صحيفة الوطن القطرية

أثارت مواقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة في منتدى دافوس الاقتصادي إعجاب الشعوب العربية والإسلامية التي فاجأها الموقف التركي هذه المرة من “إسرائيل”، حيث انتقد أردوغان بشدة الحرب الإسرائيلية على غزة. جاء موقف أردوغان مفاجئاً، وهو الذي انتقدته التيارات القومية في العالم العربي، نظراً لوجود حساسية متأصلة لدى القوميين العرب تجاه تركيا، البلاد التي حكم منها غير العرب «بلاد العرب» لعدة قرون في ظل السلطنة العثمانية «الخلافة».

بل ولم يسلم أردوغان من انتقاد التيارات الإسلامية أيضاً، التي لاحظت عليه انسياقه في المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة بـ «اعتباره أداة وظيفية» في يد الأعداء، قدمت نموذجاً غربياً لما عرف منذ سنوات بـ «مشروع الإسلام المدني الديمقراطي» الذي كانت ترعاه بيلر شيلر، زوجة الأميركي من أصل أفغاني زلماي خليل زاد.

أردوغان ذو الخلفية الإسلامية التي لا تغفرها له العلمانية التركية، رغم نجاحه الكبير في إدارة الشأن الاقتصادي والسياسي التركي بصورة مبهرة، يبدو أنه من ذلك النوع من الشخصيات القليلة في التاريخ التي لا يلحظ فضلها على الوطن والأمة إلا بعد فترة غير يسيرة نظراً لصعوبة النقلة ومستوى التحول الذي ستصنعه عبقريتها الفذة، ليس على مستوى التنمية والإدارة فقط، وإنما على مستوى الشعور والوعي لدى الجماهير والرأي العام الغارق في وحل «غسيل المخ» و«تزييف الوعي» لمدة عقود، ليس في تركيا وحدها وإنما في العالم الإسلامي كله الذي يرزح اليوم تحت وطأة حكم نخب يكمن في وعيها جزء كبير من الخلل الذي تعيشه الأمة ويعوق فاعليتها في التاريخ والوجود.

أردوغان ربان ماهر بالسباحة ضد التيار

مسارات الحياة الشخصية والسياسية لأردوغان تظهر انسجاماً كبيراً لشخصيته مع المرحلة التاريخية المضطربة التي يعيشها اليوم، مغالباً تحولات السياسة الدولية، محاولاً أن يختط لتركيا مكاناً يتناسب مع تاريخها الإمبراطوري، وينسجم مع تطلعات وقيم الشعب التركي المعروف بأنفته وعزته القومية، التي تكونت عبر العصور من خلال استجابته الفاعلة لتحديات الفتوح والمساهمة في صناعة التحولات التاريخية الكبرى في العالم.

يقول إبراهيم بوعزّي، أحد الذين رصدوا ترجمة أردوغان الشخصية والسياسية، إنه ولد عام 1954، في حي شعبي فقير بالجزء الأوروبي من اسطنبول. كان أبوه عاملاً على ظهر سفينة تعمل في سواحل مدينة «ريزه» على البحر الأسود فـ «علّم ابنه الصبر مكابدة الأمواج العاتية».

تلقّى رجب طيب تعليمه الابتدائي في مدرسة حكومية مع أبناء حارته في اسطنبول، فتعلم هناك اللهجة القاسية التي تظهر في تصريحاته وخطاباته الرسمية، ثم التحق بعد ذلك بـ «معهد الأئمة والخطباء» لينهي المرحلة الثانوية بتفوق، وتعلم هناك الفقه والعقيدة والتجويد فتهذّب أسلوبه في الكلام والتفكير أكثر فأكثر.

انخرط أردوغان في النشاط السياسي ولكنه كان كلما حقق مزيداً من النجاح يكافأ من طرف منافسيه العلمانيين بتلفيق التهم له، فقد انتشل بلدية اسطنبول بعدما تولى إدارتها خلال حقبة فوز حزب الرفاه الإسلامي.

تركيا أردوغان تحول جديد في السياسة الدولية

صعّد رجب طيب أردوغان مؤخراً لهجته الانتقادية للإسرائيليين ودولتهم التي تقيم تركيا معها علاقات حميمية، ولكن أردوغان ذكر “إسرائيل” باليد البيضاء للسلطنة العثمانية التي اعتبر أنها تعاطفت مع اليهود خلال فترة اضطهادهم في أوروبا، في إشارة واضحة إلى أن الموقف التركي الحالي مبدئي ويجد جذوره العريقة في التاريخ الإمبراطوري التركي الذي تقزم على يد القيادات السياسية المتغربة، التي لا تتمتع بالأهلية الكافية لقيادة تحول تاريخي واستراتيجي لإعادة الاعتبار لذلك الدور. ولكن أردوغان رغم ذلك يحاول من خلال موقفه الجديد إيقاد جذوة الشوق لدى الشعب التركي.. عل ذلك يسهم مستقبلاً في التجاوز نحو المكانة اللائقة ببلاد «الفاتح المزكى والخلافة الإسلامية.. عجل الله بظلها الظليل وعزها المكين».

العرب في سجال دافوس الحاضر الغائب

يعبر موقف أردوغان في دافوس عن شخصية الرجل القوية المستندة لمواقف صلبة وشجاعة، تميز بها دائماً عبر تاريخه السياسي والنضالي، فالانخراط في ذلك السجال الحاد مع بيريز، الذي كشف أردوغان كيف يصفق له العرب وغير العرب في منتدى دافوس الاقتصادي الذي يحضره عرب يتقدمهم أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي كان إلى وقت قريب يتمتع بقليل من الحياء على الأقل، لكن من الواضح بعد اليوم أنه حياء من يجامل الرأي العام، فهو يندد بجرائم “إسرائيل” أمام شاشة التلفزيون في العالم العربي، ثم يصفق لها في قاعات مغلقة أمام الساسة والفاعلين الاقتصاديين في العالم، ثم يخرج في بيانات الجامعة شاكياً وباكياً من تضعضع الموقف العربي الذي يظهر «تمزقه» و«اهتراءه» فقط في لحظة واحدة، هي حينما تريد دول الممانعة و«شعاب الأطراف» العربية تداركه.. تدارك ما إن يخرج للإعلام حتى تبدأ كنانة العرب والشقيقة الكبرى تلاحقه باعتباره شقاً للصف العربي وتجاوزاً من طرف الصغار لأدوار الكبار!

أما حينما تعربد “إسرائيل” وتبدأ في غسل العار اللاحق بها جراء القتل والتدمير، فإن وزير خارجية مصر الأسبق، وأمين عام جامعة الدول العربية في الوقت الحالي، يبدأ التصفيق للرئيس الإسرائيلي وهو قادم لتوه من مسرح الجريمة لم يغسل يديه الملطخة بالدماء، فهل يمكن أن يقبل أياً كان بعد كل هذه الإهانات أن يتسول العرب احتراماً لهم ولدمائهم وهذا صنيع «قياداتهم التمثيلية» أعني الجامعة العربية، التي ينبغي أن تكون ذاكرة الأمة وقلبها النابض في المنتديات الإقليمية والدولية.. أم أن العرب تخلوا لهذا العهد عن قيمهم القومية والقيومية على شأنهم العام.. أم أن الجامعة لم تدرك بعد مغزى «إن الله لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم» وهي العبارة التي قالها مبارك في قمة الكويت الأخيرة!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات