عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الانتخابات الإسرائيلية تفرز حكومة حرب جديدة

الانتخابات الإسرائيلية تفرز حكومة حرب جديدة

صحيفة الوطن القطرية

بينما يتعمق الاستقطاب العربي ويتفاقم الانقسام الفلسطيني نتيجة غرق العرب حتى آذانهم في حراك دبلوماسي وسياسي واسع ومكثف لترتيب أوضاعهم استعداداً لاستئناف جولة جديدة من «مفاوضات السلام» وعدتهم بها الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما بعد الانتخابات الإسرائيلية، تشير كل الدلائل إلى أن هذه الانتخابات لم تفرز إلا حكومة حرب على «عرب إسرائيل» أولاً وعلى عرب فلسطين وبخاصة في قطاع غزة ثانياً وعلى العرب بعامة ثالثاً من خلال الزج بهم في مواجهة ساخنة مع إيران لا يخفي كل المرشحين الرئيسيين أنها مسألة وقت فقط اللهم إلا إذا استغلت إدارة أوباما الجديدة في واشنطن لتدارك مواجهة كهذه ما وصفه رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بـ«فرصة ذهبية للولايات المتحدة» لتطبيع العلاقات الأميركية – الإيرانية كما قال في افتتاح الدورة الخامسة والأربعين لمؤتمر ميونيخ السنوي للسياسات الأمنية في السادس من الشهر الجاري.

وأن تتمخض انتخابات الإسرائيلية عن حكومة حرب لا يعني طبعاً أن وزارة إيهود أولمرت السابقة كانت حكومة سلام بل إنها كانت حكومة حرب أيضاً كما ثبت من شنها حربين خلال عامين الأولى على لبنان عام 2006 وحربها الأخيرة على قطاع غزة بينما تواصل الحرب التي بدأتها سابقتها بقيادة رئيس الوزراء الغائب عن الوعي أرييل شارون على الضفة الغربية عام 2002، وليس فقط لأن أولمرت كان خليفة شارون ولأن حكومته كانت امتداداً للائتلاف الحاكم بقيادة حزب شارون نفسه «كاديما»، وهل يوجد أي وصف آخر لحكومة تخوض ثلاث حروب عدوانية خلال أقل من أربع سنوات؟! وفي الحقيقة أن كل الحكومات التي توالت على قيادة دولة المشروع الصهيوني منذ إنشائها كانت حكومات حرب لأن هذا المشروع ما كانت لتقوم له قائمة وما كان ليستمر حتى الآن في فرض أقلية استيطانية مستوردة من الخارج على أكثرية وطنية وغالبية إقليمية ساحقة عددياً إلا بالقوة المسلحة المتفوقة الغاشمة والاحتلال والحروب العدوانية.

ولم تكن «عملية السلام» بكل فصولها وتنوعاتها إلا جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية في محاولة لانتزاع قبول عربي وفلسطيني سياسي بالأمر الواقع يحقق الأهداف السياسية للغزو العسكري والاحتلال الذي أعقبه، ولم تستطع هذه العملية بالرغم من صدق بعض العرب الذين جنحوا للسلام معترفين بالأمر الواقع تغييب هذه الحقيقة التاريخية الساطعة عن الوعي الجمعي العربي فلسطينياً وقومياً، فهذه دولة لا تعيش إلا بالحرب وحدها ولذلك فإن الجيش فيها هو الدولة وهي ما زالت بعد أكثر من ستين عاماً «دولة الجيش» وقادتها السياسيون عسكريون سابقون وشعبها بنسائه ورجاله قوات احتياط حتى يقعدهم السن أو يأخذهم الموت وربما يكون عرب فلسطين هم «المدنيون» الوحيدون فيها علاوة على بعض المتدينين والمعوقين الذين لا يصلحون للجندية والأطفال من اليهود، وقد عبر إيهود باراك وزير «الدفاع» الإسرائيلي الحالي المرشح عن حزب العمل لرئاسة الوزراء عن العقلية الحربية التي تحكم “إسرائيل” عندما عير منافسه أفيغدور ليبرمان زعيم ومؤسس حزب «إسرائيل بيتنا» خلال الحملة الانتخابية بأنه «لم يسبق له أن حمل سلاحاً أو قتل أحداً».

لكن حتى الادعاء الإسرائيلي بالسلام كجزء من الاستراتيجية الحربية ليس هو الموضوع الرئيسي الذي تنافست عليه أربع وثلاثون قائمة حزبية لكسب أصوات ما يقدر بخمسة ملايين ناخب للحصول على أكبر عدد من مقاعد الكنيست المائة والعشرين، فلم تعد الأحزاب الرئيسية وزعماؤها يأبهون حتى بالادعاء بالعمل من أجل السلام بعد أن وجدوا القوة الأميركية الأعظم تحثهم على مواصلة الحرب العدوانية وتحول دون المجتمع الدولي وإصدار قرار من مجلس أمن الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في حربهم على لبنان وقطاع غزة خلال العامين الماضيين، لذلك فإنهم جميعاً كانوا في الدعاية لانتخابات يدقون طبول الحرب، في تناقض صارخ مع الموقف العربي والفلسطيني المتشبث بالسلام حد الانقسام بل الاقتتال دفاعاً عنه وحد محاصرة أي مقاومة باعتبارها إرهاباً وقمع أي دعوة للمقاومة باعتبارها «تحريضاً» على الإرهاب وباعتبار المقاومة والدعوة لها كلتاهما تعطي ذرائع للعدوان الإسرائيلي، وهو موقف لا يرى فيه دعاة الحرب الإسرائيليون بالتأكيد سوى عجز يشجعهم على الاستهتار بالسلام وبدعاته العرب على حد سواء بقدر ما يشجعهم على الإمعان في مخططاتهم الحربية.

وهنا لابد من التوقف عند اللوم العلني الذي كرره الكثير من دعاة السلام العرب خلال الأيام القليلة الماضية، وبخاصة الفلسطينيين منهم، للمقاومين في قطاع غزة بحجة أن مقاومتهم هي المسؤولة عن صعود «اليمين» الإسرائيلي حسب نتائج الانتخابات الإسرائيلية عشية الانتخابات، لينضموا في ذلك إلى ما تكرره الدعاية الإسرائيلية نفسها بأن الانتفاضة الفلسطينية الثانية هي التي أبعدت «معسكر السلام» الذي كان يقوده إيهود باراك عن الحكم وجاءت بآرييل شارون خلفاً له (كآخر حلقة في سلسلة من الأمثلة الأقدم) مثلما ستعيد المقاومة في غزة الآن بنيامين نتنياهو إلى السلطة. لكن أولئك وهؤلاء يتجاهلون حقائق التاريخ القريب، فقاتل اسحق رابين بعد عامين من إبرامه اتفاق أوسلو مع رئيس «دولة فلسطين» الحالي محمود عباس في واشنطن عام 1993 لم يكن مقاوماً فلسطينياً بل كان ابناً نموذجياً للمؤسسة الحربية الإسرائيلية وفشل رفيق رابين والرئيس الحالي لدولة الاحتلال شمعون بيريس في الانتخابات التي أعقبت اغتياله ونجاح نتنياهو فيها عام 1996 كان يمثل بداية انقلاب المؤسسة العسكرية الحاكمة على «عملية السلام» التي بدأها رابين دون أي انتفاضة أو مقاومة فلسطينية يمكن أن تساق كذريعة للانقلاب عليها، لا بل على العكس كان صعود أمثال شارون إلى الحكم في دولة الاحتلال هو الذي فجر الانتفاضة الفلسطينية الثانية (الأقصى) مثلما يهدد نجاح نتنياهو الآن بتجديد العدوان على قطاع غزة وبتفجير انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال في الضفة الغربية.

وفي هذا السياق لنتنياهو الذي حقق فوزاً انتخابياً تجربة مرة مع الأردن من الجدير التوقف عندها لاستذكار العبر. فعشية انتخابات عام 1996 وبعد ظهور نتائجها بفوزه انفرد الأردن بدعوة أشقائه العرب إلى منح نتنياهو فرصة وعدم التسرع في إصدار أحكام مسبقة عليه لأنه متطرف في معارضته لاتفاق أوسلو وعملية السلام المنبثقة عن هذا الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، فبرنامجه السياسي آنذاك المعارض لإقامة دولة فلسطينية ولتفكيك المستوطنات ووقف توسيعها ولتقسيم القدس وإخراجها من السيادة الإسرائيلية هو نفسه برنامجه الحالي مضافاً إليه معارضته لـ «عملية أنابوليس» واستبدالها بعملية «سلام اقتصادي» وتعهده المعلن بـ «إنهاء» ما لم ينهه العدوان على غزة الذي توقف «قبل الأوان» في رأيه وبمنع إيران من مواصلة برنامجها النووي «بكل الوسائل» كما قال.

فإثباتاً لحسن النية من جهة ولمبدأ عدم التدخل في الشؤون الإسرائيلية بالتعامل مع أي قيادة ينتخبها الإسرائيليون من جهة ثانية دعي نتنياهو إلى العاصمة عمان، وخلال أربعة شهور بعدها انتهك الدور الأردني في القدس الشريف المنصوص عليه في المعاهدة الأردنية الإسرائيلية بحفر نفق تحت الحرم، معلناً أن «معركة القدس قد بدأت»، وبدأ في بناء سلسلة من المستعمرات الاستيطانية تغلق الصلة الجغرافية الوحيدة الباقية بين القدس وبين الضفة الغربية، ثم كانت المفاجأة الأخيرة التي تجرأ فيها على انتهاك السيادة الأردنية نفسها عندما بعث القتلة من أجهزة استخباراته لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في قلب العاصمة عمان، وما زالت قصة غضبة الملك الراحل الحسين على خيانة نتنياهو حية في الذاكرة الأردنية والعربية حتى الآن، والمفارقة أن مشعل الذي أنقذته تلك الغضبة من موت محقق سيكون في قيادة المقاومة للحرب التي يعلن نتنياهو أنه يخطط لاستئنافها على القطاع الفلسطيني المحاصر، أما المفارقة الثانية فهي أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما صرح بأنه سيتعامل مع أي قيادة ينتخبها الإسرائيليون يبدو على وشك أن يلدغ من الجحر الذي لدغ منه شقيقه الأردني قبل اثني عشر عاماً.

ويكتب المحللون والمعلقون السياسيون بأن مستقبل «عملية السلام» تقرره نتائج الانتخابات الإسرائيلية وكأنما كانت هناك حقاً عملية جارية للسلام، متجاهلين أن هذه العملية اغتيلت بمقتل رابين أولاً ثم باغتيال شريكه في العملية ياسر عرفات بعد تسع سنوات وبأن محاولة إنعاشها بالمفاوضات في الفترة الفاصلة بين الاغتيالين قد انهارت في كامب ديفيد عام ألفين وبأن محاولة إنقاذها بإدخالها العناية المركزة لمؤتمر أنابوليس في 27 نوفمبر 2007 قد باءت بالفشل وكان إعلان فوز نتنياهو إعلاناً بوفاتها أيضاً، ويبني دعاة السلام العرب والفلسطينيون الآن آمالهم في استئناف المفاوضات على «مقاربة» جديدة لإدارة أوباما الأميركية، مما يعني الدخول مجدداً في دوامة مبادرات جديدة لإحياء عملية التفاوض من أجل السلام لا سقف زمنياً ولا ضمانات ولا مرجعيات واضحة لها، ومن هنا التحذير الهام الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني أثناء استقباله مؤخراً للمبعوث الرئاسي الأميركي للسلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل بأن عملية السلام لا تحتاج إلى مبادرات جديدة وهو التحذير الذي لم يلق ما يستحقه حتى من اهتمام الأطراف العربية المعنية مباشرة باتصالات ميتشل بدليل أن أياً منها لم يتبن هذا الموقف حتى الآن ناهيك عن انهماك الحراك السياسي لمعسكر «الاعتدال» العربي المنخرط في عملية السلام في ترتيب أوضاعه استعداداً للانخراط في دوامة أي مبادرات جديدة تصدر من واشنطن.

في الثاني من الشهر الحالي قالت الواشنطن بوست الأميركية في عنوان تقرير لها عن الانتخابات الإسرائيلية إن القضية الرئيسية في الانتخابات هي: هل انتهت الحرب على غزة قبل الأوان ؟ إن وقف “إسرائيل” لإطلاق النار من جانب واحد في حرب الأسابيع الثلاثة على غزة قبل ثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات فرض مواصلة الحرب كبند أول على جداول أعمال الأحزاب الرئيسية المتنافسة فيها بقدر ما كان شن هذه الحرب أداة رئيسية حاسمة في الحملات الانتخابية لها جميعها للفوز في الانتخابات، ويلفت النظر في هذا السياق إجماعان، أولهما إجماع المتنافسين الرئيسيين في الانتخابات وثانيهما شبه إجماع الرأي العام الإسرائيلي على تأييد العدوان، ثم إجماع الجميع على اجتثاث المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها وأشكالها كهدف سياسي والاختلاف بينهم فقط هو على مستويات الحرب اللازمة لتحقيق هذا الهدف، فـ «عقلية الحرب» هي المسيطرة في إسرائيل وتحولت المنافسة الانتخابية إلى «سباق دموي» كما قال محمد بركة عضو الكنيست ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، فنتنياهو الذي تجند للدفاع عن العدوان كتفاً إلى كتف مع أولمرت وباراك ووزيرة خارجيتهما تسيبي ليفني يقول إنه «لا خيار أمام الحكومة المقبلة غير إنهاء العمل وإزالة قاعدة الإرهاب الإيرانية إلى الأبد» من قطاع غزة، وأولمرت يدعو إلى «هجوم عسكري ضخم بلا ضوابط» وليفني تدعو إلى «استخدام القوة، قوة كبيرة فقط» بينما يتبجح باراك بأدائه العسكري خلال العدوان.

أما السلام بالنسبة لهؤلاء الأربعة الذين يتنافسون على قيادة دولة الاحتلال فإنهم جميعاً يراوغون تاركين الناخبين «عمياً» حول ما «تسعى إسرائيل إليه»، كما كتب رئيس تحرير الجروزالم بوست ديفيد هيروفيتز مؤخراً ليخلص إلى القول إن الإسرائيليين «عمي يقودهم مراوغون». واتفقت مع هيروفيتز صحيفة هآرتس في افتتاحية لها عندما قالت إن نتنياهو وبارا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات