الأحد 11/مايو/2025

غزة واللّمبو

غزة واللّمبو

صحيفة الخليج الإماراتية

اللمبو كما ورد في “الكوميديا الإلهية” لدانتي هو البرزخ بين الجنة والجحيم، ومداخل غزة الآن هي لمبو بامتياز تاريخي، تماماً كما عرفت الجغرافيا العربية في الأعوام الأخيرة ما سمي العالقين الذين لا هم هنا ولا هناك وليسوا عرباً وليسوا عجماً وليسوا بشراً كما أنهم ليسوا حجراً أو نبتاً آدمياً شيطانياً.

إن المحاصرين في غزة الآن ليسوا الماكثين في ثكناتهم وأصابعهم على الزناد، إنهم نساء وأطفال ومرضى وجرحى ومشردون بعد أن وجدوا أنفسهم نائمين في العراء تحت سماء ملغومة بالطائرات.

والمسألة أخيراً ليست أحجية كأحجية أبي الهول، أو لغزاً أسطورياً عجز الإغريق القدماء عن تفكيك رموزه.

ثمة شعب ينزف، وهو محاصر من كل الجهات وحين تأتي إليه الإغاثة باعتباره منكوباً يحول القراصنة الجدد دون وصولها، فما العمل؟ وكيف يمكن لأكثر من ربع مليار عربي ومليار مسلم أن يعبروا عن تعاطفهم مع غزة الأسيرة؟

ما من بساط طائر يمكن أن يمتطيه من يستجيبون للنداء، وصرخات الاستغاثة كما أن الإنسان لا يستطيع أن يكرر تجربة عباس بن فرناس في سماء فلسطين بحيث يزرع على كتفيه جناحين ويصل إلى هناك.

إن المشهد برمته أصبح مثيراً لما هو أبعد من السؤال، إنه مساءلة قومية وإنسانية وأخلاقية لكل أولي الأمر ولكل أولي القهر والزجر في عالمنا المحتل، إذ يبدو أن فلسطين ليست وحدها المحتلة في هذا المحيط القومي وربما كانت بمقياس مضاد للسائد هي وحدها الحرة، لأنها تجابه غزاتها وجهاً لوجه وليس ظهراً لوجه.

ماذا يفعل مليون ونصف المليون إنسان محاصرون في مساحة لا تكفي لربع عددهم في ظروف طبيعية وسوية؟ هل ينادون العالم بكل لغاته إذا كانت العربية الفصحى غير مفهومة في زمن الرطانة؟ أم يتأقلمون مع الأمر الواقع ويزدردون ألسنتهم لكي تكون الضحية خرساء وتلبي أحلام جلاديها؟

ليس أمامنا في هذا اللمبو إلا أن نتساءل وأن نستطرد في البحث وبإلحاح درامي عن إجابة، لكن الجميع صامتون، ولا يسمع المحاصرون غير صدى صوتهم عندما يرتطم بحائط اللامبالاة.

إن ما يجري الآن على بوابات غزة يحرج العالم كله، بل يحاصره في زنزانة لا سبيل إلى الفرار منها، فغزة أثناء العدوان وبعده تواصل اختبارنا جميعاً، وتفتضح منسوب العروبة والأخوة بل الآدمية في دمائنا.

لا يعقل أن ينتظر الناس جرحاهم يحتضرون حتى الموت، ولا يمكن لإنسان لا يزال على قيد إنسانيته أن يصمت وهو يرى الدم يرشح من شاشات التلفزة.

إن غزة تحتاج إلى مستشفى طوارئ وإغاثة عاجلة لا ينفع معها الإرجاء والإبطاء بيروقراطياً أو حتى سياسياً، وما كتبه دانتي عن اللمبو يحتاج الآن إلى تعريب يفيه حقه.

فغزة تعيش بين جحيمين، ونارين وتردد مع الشاعر قوله:

ما أكثر الإخوان حين نعدهم

لكنهم في النائبات قليل..

وهل هناك ما هو أقسى من هذه النائبة؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات