السبت 10/مايو/2025

الرجل الشجاع

الرجل الشجاع

صحيفة الخليج الإماراتية

أردوغان والكرامة توأمان. يحيرك، هل هو رئيس وزراء تركي من فلسطين، أم هو رئيس وزراء فلسطيني من تركيا؟ طوبى للرجل، لقد صوت قبل أيام ضد مؤتمر دافوس العالمي فأسقطه نحو البالوعة. كنا نود لو انتصر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى للكرامة العربية فانسحب مع أردوغان. نعم الانتصار للكرامة لأنه لا يوجد في لغات العالم وتاريخه حديث عن الكرامة أكثر من اللغة العربية.

من له عينان فليرَ، ومن له أذنان فليسمع، في دافوس الأستاذ الكبير أعطى درساً بليغاً لحكام العالم، خاصة للثعلب الصهيوني الكذاب بيريز قاتل الأطفال والنساء والشيوخ العزل.

* أسوأ الكذب

إن أسوأ أنواع الكذب هي الحقيقة الملتوية، لقد نجح الصهاينة إعلامياً في كسب الأوروبيين والأمريكيين عندما طرحوا عليهم السؤال المخادع: “يا أهل كاليفورنيا ماذا تفعلون إذا انهارت عليكم الصواريخ من الحدود المكسيكية؟” الجواب: “سوف ندافع عن أنفسنا بالطبع”.

الكاتب اليوناني الشجاع (تاكي) فضحهم عندما طلب تصحيح السؤال بالشكل التالي: “يا أهل كاليفورنيا إذا جاء من يطردكم من ولايتكم ويرميكم لاجئين على حدود المكسيك، فماذا تفعلون؟ ألا تقاومون بكل الوسائل لاسترداد كاليفورنيا؟”.

ثم استطرد: “أنا أعرف جيداً أن الأمريكيين كانوا سيقاومون بكل أنواع السلاح وأكثرها فتكاً لاسترداد كاليفورنيا، كانوا سيفعلون ذلك بما لا يقاس من الأسلحة البدائية التي يقاوم بها الفلسطينيون أعداءهم الصهاينة دفاعاً عن بلدهم والعمل على طرد الغاصب بالدرجة الأولى”.

هذا هو عين ما فعله أردوغان في مؤتمر دافوس في دفاعه المجيد عن الشعب الفلسطيني.. النظام العربي اتبع النصيحة القديمة “إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب”. هذا ليس صحيحاً في السياسة.. فكما قال (يان كمب): “السكوت ليس دائماً من ذهب، أحياناً هو لون أصفر فقط”.

يتساءل المواطن العربي من المحيط إلى الخليج: لماذا وقفت دول “الاعتدال” ودول “الممانعة” تتفرج على مذبحة غزة من دون مد يد العون في وقته؟

نعرف الجواب: “إذا كان القلب مُصَممَاً فسوف يجد ألف طريقة، أما إذا كان القلب ضعيفاً فسوف يجد ألف عذر”.

المعذرة من ورقة التوت التي لم تستطع ستر عورة أحد.

هل نشكر الرئيس أردوغان لأنه وقف مع الحق العربي بشجاعة غير معهودة؟ للرجل أكثر من دور تاريخي في بلده والخارج نعدد منها أربعة:

(1) الإسلام الليبرالي:

يقود أردوغان وحزبه وجهاً مشرقاً وحضارياً لإسلام ليبرالي يؤمن بالتعددية ويعترف بالرأي الآخر. إسلام ديمقراطي يحترم المرأة وحقوقها ويقر بتداول السلطة سلمياً عبر انتخابات نزيهة. هذا الوجه السمح للإسلام يزيل فكرة الإرهاب عن الإسلام، ويناقض على طول الخط الإسلام المتطرف الذي رأيناه يذبح الأبرياء، ويكفر حتى المسلمين الذين يعارضونهم، كذلك فهو يتجاوز الأحزاب الرجعية والذين يظهرون الدين بشكل متجهم عابس وجلف ويحتقر المرأة ويؤمن بدونيتها ونجاستها.

(2) تعايش الدين والعلمانية:

استناداً إلى الدستور فإن تركيا بلد علماني وذلك منذ تأسيس الدولة الحديثة برئاسة مصطفى أتاتورك وتضمين ذلك في الدستور أن تركيا هي البلد الإسلامي الوحيد الذي يحمل هذه الصفة الحداثية صاحبة برامج التنمية الاقتصادية والنمو الصناعي والتجاري والسياحي الذي يضاهي البلدان الأوروبية ويتفوق عليها.

(3) اخضاع العسكريتاريا التركية للسلطة السياسية:

ينص الدستور التركي على أن الجيش مسؤول عن علمانية الدولة ومنذ وفاة أتاتورك وقيادة الجيش هي التي تحكم بيد حديدية البلد والحياة السياسية، ولقد قام الجيش بأكثر من انقلاب ضد السلطة المدنية وأعدم بعض قادتها، إلا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الآن قد لجم إلى حد كبير تسلط الجيش ويعمل حثيثاً على أن يخضع العسكر للسلطة السياسية.

في جميع الدول المتحضرة العسكري يخضع للسياسي.

(4) الغالب والمغلوب:

في مذبحة غزة وقف النظامان المجرمان (الأمريكي والأوروبي) يؤيدان القاتل ويلومان الضحية. وقف الرجل الرجل في وجه الزيف وهو يعرف جيداً ما سيجره عليه موقفه الشريف من حرب شرسة من أعداء شرسين، وقف مدافعاً عن الحق وهو يعلم جيداً أنه يقف مع الأقلية سياسياً ودولياً مستنداً إلى قاعدة شعبية عالمية خرجت إلى الشوارع بمئات الألوف لتعبر عن غضبها الساطع ضد العدوان.

في المعارك غير المتكافئة، المنتصر يعدد قتلاه، والمهزوم يعدد أحياءه. في غزة عددوا 1300 شهيد و5000 جريح. في تل أبيب عددوا 5.3 مليون يهودي أحياء تلاحقهم كوابيس الصليبيين وهم يركبون البحر.. كم هي صحيحة مقولة وليام بن: “شخص واحد شجاع يصنع أغلبية”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات