انتخابات إسرائيلية معروفة نتائجها

صحيفة الخليج الإماراتية
تأتي الانتخابات “الإسرائيلية” هذه المرة مختلفة تماماً عن الانتخابات السابقة سواء من حيث التوقيت أو من حيث شكل الائتلاف الحكومي الذي قد يترتب عليها. فهي تتم بعد الحرب على غزة والتي كانت أقرب إلى الحرب الشاملة بأهداف سياسية أبعد من مسألة إطلاق الصواريخ، ولذلك فتداعيات هذه الحرب ستقرر مصير وشكل الحكومة “الإسرائيلية” المقبلة. لأن نتائجها ستكون حاكمة إلى حدد كبير في السلوك التصويتي للناخب “الإسرائيلي”، ومن ناحية أخرى ستكون موضع انتقاد من الأحزاب السياسية المعارضة وخصوصاً اليمينية المتشددة بأنها لم تحقق الأهداف المطلوبة منها.
وهذا ما يفسر النبرة القوية باستخدام القوة لإنهاء حماس من غزة كما جاء في تصريحات نتنياهو وبشكل أقوى تصريحات ليبرمان التي تذهب بعيداً في طرد كل الفلسطينيين في داخل فلسطين 48 والتهديد حتى باستخدام القوة النووية ضد غزة بهدف محوها من الوجود. وحتى تصريحات زعماء حزب كاديما والعمل كلها تصب في الاستخدام المفرط للقوة. أياً كانت مصداقية وجدية هذه التصريحات فهي تعكس حقائق سياسية في “إسرائيل” لا يمكن التقليل من شأنها، أولى هذه الحقائق، أن الفواصل المتعارف عليها بين الأحزاب السياسية يمين ويسار ووسط غير موجودة بين الأحزاب “الإسرائيلية” وهذا ما يجعل الناخب “الإسرائيلي” يعطي صوته كل مرة لحزب مختلف.
وثانياً غياب ظاهرة الأحزاب الكبيرة كالعمل والليكود وهي الظاهرة التي سادت حتى نهايات القرن الماضي ما يعني تحولاً بنيوياً في بنية الأحزاب السياسية وله انعكاس سلبي على صورة أي ائتلاف حاكم في “إسرائيل”، ويجعله تحت ابتزاز الأحزاب الصغيرة التي باتت تلعب دوراً مؤثراً في مستقبل أي حكومة، وهذا النظام يساعد عليه النظام الانتخابي في “إسرائيل” ونسبة الحسم التي بموجبها تسمح للأحزاب الصغيرة بالوصول إلى مقاعد الكنيست. وثالثاً ضعف ظاهرة أحزاب الوسط في “إسرائيل” ولذلك تشكل هذه الانتخابات تحدياً لحزب كاديما ومدى قدرته على الاستمرار كحزب قيادي، فكل أعضائه جاؤوا من خلفية الأحزاب الأخرى وخصوصاً اليمينية وهذا ما تسعى إلى إثبات عكسه تسيبي ليفني التي تحاول إعطاء دور متميز له، وتظهر بصورة المرأة الحديدية القوية التي تستطيع أن تحكم بين الجنرالات، ورابعاً وهي الظاهرة الأهم في السياسة “الإسرائيلية” غلبة النزعة اليمينية على الرأي العام في “إسرائيل” وسيادة ظاهرة القوة والعنف وعدم التسامح والكراهية لكل ما هو عربي وخصوصاً بين شريحة الشباب الذين يمثلون قطاعا مهما وقد يحسمون نتائج أية انتخابات، وهذا ما قد يفسر لنا تزايد أهمية ووزن نفوذ حزب مثل “إسرائيل بيتنا”، فالنفوذ هنا لأفكار الحزب وليس لزعيمه أفيغدور ليبرمان وهي الأفكار التي تستحوذ على هذه الشريحة، وهنا تلعب التربية التوراتية والتعليمية دوراً مؤثراً. وهذه الملاحظة هي التي تدفع بأن تكون نتيجة هذه الانتخابات في محصلتها النهائية يمينية. والملاحظة الخامسة استمرار دور الأحزاب الدينية مثل شاس وغيرها، وهي ظاهرة دائمة في السياسة “الإسرائيلية” وهذا يعكس دور الدين في تشكيل السياسة في “إسرائيل”، لكن هذا التأثير لا يصل إلى حد أن يحسم حزب ديني أو مجموعة أحزاب دينية الانتخابات لمصلحته، لكن لا يمكن تصور حكومة من دون مشاركة أحد هذه الأحزاب التي تضفي طابعاً دينياً عليها.
وحيث إن هذه الأحزاب تتمسك بأفكار “إسرائيل الكبرى” والقدس عاصمة موحدة وأبدية فهي تقترب أكثر مع الأحزاب اليمينية وإن كانت كل الأحزاب في “إسرائيل” لا تختلف على هذه الأفكار. وسادساً صعوبة التمييز بين الأحزاب “الإسرائيلية” في برامجها السياسية فهي تقريباً تتفق في كل القضايا السياسية بالنسبة للقدس أو موضوع السلام ومستقبل المفاوضات وهنا لا خلاف بين الناخبين على هذه الأحزاب، ولذلك الأهم بالنسبة لهم مدى انعكاس مفاهيم القوة واليمينية والتشدد والموقف من العرب والفلسطينيين عموماً. وهذا ما يفسر لنا التنافس بين هذه الأحزاب في استخدام القوة ضد الفلسطينيين. والملاحظة السادسة التي تعمل لمصلحة اليمين هي ضعف قوى السلام وتراجع العملية السياسية وعدم الوثوق بها، فهذه القوى لم تنجح حتى الآن في تشكيل قوى سياسية مؤثرة وقد يعزى هذا إلى استمرار مظاهر العنف والتصعيد العسكري.
يمكن أن نضيف ملاحظة أخرى مهمة وهي أنه بالنسبة للناخب “الإسرائيلي” يرى أن ما قدمه حزب كاديما قد استنفد وأن أحزاب اليمين بزعامة الليكود قد تقدم المزيد. هذه الملاحظات لعبت الحرب الأخيرة على غزة دوراً مهماً في بلورتها وتجسيدها بشكل أقوى مما كانت عليه. وعليه فقد تكون هذه الانتخابات هي الوحيدة التي يصعب التنبؤ بنتائجها بشكل حاسم على مستوى الأحزاب، لكن يمكن التنبؤ بفوز أحزاب اليمين في مجموعها.
وليس المهم فوز حزب على آخر لأن الفارق بينهما سيبقى بسيطاً لا يسمح بتشكيل حكومة مريحة.
وستبقى صورة الائتلاف الحاكم تخضع لتأثير الأحزاب الصغيرة والضغوط الخارجية وضعف الأحزاب الكبيرة. وهذا ما على الفلسطينيين فهمه واستيعابه ليعيدوا ترتيب أولوياتهم السياسية ويعيدوا تقييم ومراجعة أدواتهم في إدارة صراعهم.
* أستاذ العلوم السياسية – غزة
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...