الإثنين 12/مايو/2025

معبر مصر: مُتاحات المناورات المرنة

معبر مصر: مُتاحات المناورات المرنة

صحيفة العرب القطرية

كانت طعنة جديدة نجلاء موجعة للوجدان الفلسطيني والعربي أن توقف سلطات مصر السياسية والأمنية عند معبر رفح قائداً سياسياً في حركة «حماس» قادماً من القاهرة بعد جولةٍ من المحادثات المستمرة مع رئيس جهاز المخابرات المصرية العامة، وتفتشه مع إخوانه تفتيشات شخصية، وتصادر من جيوبه أزيد من عشرة ملايين دولار أميركي، ثم تقتاده إلى مدينة العريش لاستكمال التحقيق، ثم لا تفرج عنه إلا بعد اتصالات مكثفة من جانب حركة «حماس» مع السلطات المصرية العليا.

ربما في حروف القانون المنطوقة باللسان المجرد البحت فإن هذه المحاولة لـ «تهريب» هذا المبلغ من الأراضي المصرية إلى أرض قطاع غزة هي مخالفة ظاهرة للقانون المصري، لكن التنقيب في تواريخ وتفصيلات كل حركات التحرير الوطني، وكل حركات المقاومة الشبيهة بالمقاومة الفلسطينية تُرينا أن «التهريب» للأموال وللأسلحة وللذخيرة ولكل ما تحتاجه هذه الحركات هو سُنة من سُنن التحرر الوطني، في مراحل الكفاح الصعبة، وحينما تشتد على هذه الحركات حصارات العدو اللئيم، وتشتدُ عليها الحاجات وتزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر، فهكذا كان الفيتكونغ في فيتنام، وهكذا كان المجاهدون في الجزائر، وهكذا تترى الأمثلة من غير إحصاء كامل، فإلى جوار كلّ أرضٍ تشهد كفاحاً أو جهاداً، هنالك أرض تمد المدد وتحفظ العدد وتنصر أشقاءها وجيرانها بجميع الوسائل القانونية وغير القانونية، فهاهنا ليس من مقام لقانون ولا مساحةَ معتبرة لحروف القانون المنطوق.

في ماضٍ مصري غابر كانت مصر العظيمة تعمدُ إلى تجنيدِ جميع أجهزة مخابراتها المتعددة، كما تجنيد أجهزة إعلامها المختلفة، في سبُل الانتصار اليومي الدؤوب لثورة الجزائر، ولثورة إريتريا، ولثورة الجنوب اليمني، وللثورات والانقلابات التقدمية في العديدِ من البلدان العربية، وحتى غير العربية، وبالطبع تغيرت الآن الظروف وتبدلت الأحوال، ولكن حتى في ظل ظروفٍ كهذه الظروف، وفي وجود أحوال كهذه الأحوال، وحتى مع الإمبريالية الأميركية ومع عتوّ العدو الصهيوني، لا يزالُ في مقدور مصر العظيمة أن تذهب أشواطاً مقبولة على شكلِ مناوراتٍ لوجستية بالغة المكر والدهاء، لنصرة الأهل الفلسطينيين و«تهريب» السلاح والذخائر إليهم، ونقل الأموال إلى حركة مقاومتهم.

أي أن مصر اليومَ مُكبلة بالحديد لسبب ما حققته الإمبريالية الأميركية، ومعها العدو الصهيوني، من تغلغلاتٍ منذ 1979 عميقة جداً في جميع أرجاء الوطن العربي، في عواصمه الكبرى كما في أطرافه وضواحيه إلا أن المخابرات المصرية والسلطات المالية المصرية كان في ميسورها جداً أن تغُض الطرف عن العشرة ملايين دولار، بل أن تمتنع من تلقاء نفسها عن تفتيش وفد حركة «حماس» العائد من القاهرة إلى قطاع غزة، بل إنّ في ميسورها العملي جداً أن تتواطأ مع حركة «حماس» وبقية فصائل المقاومة، وتأتمر معها بالعدو الصهيوني، من طريق تسهيل كفاحها على الجملة وتسهيل اتصالها بامتداداتها العربية الطبيعية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات