آلية تفعيل المنظمة وتحقيق الوحدة الوطنية

صحيفة الخليج الإماراتية
كانت منظمة التحرير الفلسطينية الغائب الأكبر قبل المحرقة الصهيونية، وعلى مدى أيامها، والأيام العشرة التالية لتوقفها. وفجأة غدت صاحبة الحضور المتعاظم في الجدل الفصائلي الفلسطيني بعد إعلان خالد مشعل بأن قوى المقاومة تتداول في بناء مرجعية وطنية تمثل الداخل والخارج، وتضم جميع القوى والتيارات والشخصيات الوطنية، وتحافظ على حق العودة، مبرراً ذلك بمنع قوى المقاومة من دخول المنظمة، وبأنها في حالتها الحالية لا تشكل في رأيه مرجعية، بل هي تعبير عن حالة عجز وأداة لتعميق الانقسام. ولقد عارضت الإعلان الجبهتان الشعبية والديمقراطية، ورد عليه صائب عريقات متهماً حماس بالسعي لوأد مرجعية المنظمة واستبدالها. فيما أعلنت الجهاد الإسلامي رفض إلغاء المنظمة مع تأييد تشكيل قوى المقاومة والتيارات الوطنية مرجعية وطنية. وحتى بقايا المجلس الوطني، التي لم تجتمع منذ سنوات، وجد بعضهم من يجمعهم ليعلنوا إدانة ما اعتبروه انقلاباً على الشرعية.
وللوصول لتقويم موضوعي للجدل المتبادل، ولاستشراف مخرج وطني من الأزمة، أرى الوقوف بإيجاز مع الجدل الذي تواصل فلسطينياً وعربياً حول دور المنظمة ورئاسة لجنتها التنفيذية، منذ نشأتها الأولى. والمعروف أن الرئيس عبدالناصر دعا في مؤتمر القمة الأول أواخر العام 1963 لإقامة كيان يمثل شعب فلسطين. ويومها كلفت القمة أحمد الشقيري، ممثل فلسطين لدى الجامعة العربية، القيام بالاتصالات اللازمة. وحينها كان التشرذم العربي على أشده، وفي الساحة عشرات التجمعات الشبابية الفلسطينية الداعية لاعتماد الكفاح المسلح أداة التحرير والعودة. وقد نظر معظمها لقرار القمة كمحاولة رسمية لضبط الحراك الوطني الفلسطيني. وهي النظرة التي تعززت عند فتح وحزب البعث ومنظمات اليسار في ضوء المجلس الذي شكله الشقيري.
إلا أن “الميثاق القومي” الذي صدر بالقدس في أيار/مايو 1964 عبّر عن نبض الشارع العربي، بالنص على أن فلسطين بحدودها زمن الانتداب ملك الشعب العربي الفلسطيني، وعلى رفض وعد بلفور وقرار التقسيم، واعتبار المنظمة ملتزمة بالتحرير والعودة، وبتكامل النضال الفلسطيني مع عمقه العربي. وقد جاء الميثاق خلواً من النص على السعي لإقامة دولة في ما لم يكن محتلاً من فلسطين، برغم أن الضفة الغربية كانت وديعة لدى الأردن، وقطاع غزة مداراً من قبل مصر من دون أن يكون لها سيادة عليه، فضلاً عن تأكيد أن نشاط المنظمة في الضفة والقطاع لا يعني سيادتها عليهما. وهذا ما أعلنه الشقيري صيف 1966.
وبصعود العمل الفدائي بعد نكسة 1967 اكتسبت الفصائل، وبالذات فتح، اعتباراً عربياً رسمياً وشعبياً، تمثل بالالتفاف الجماهيري حولها، وباصطحاب عبدالناصر لياسر عرفات إلى موسكو باعتباره يقود حركة تحرر وطني في مواجهة استعمار استيطاني عنصري. ولم يلبث أن مكّنه من رئاسة اللجنة التنفيذية للمنظمة سنة 1969. ولقد انعكست التحولات المستجدة باقتسام الفصائل أغلبية مقاعد المجلس الوطني على أساس محاصصة تحكمت فتح في تحديد نسبها. فضلاً عن تولي كوادر فتح وأنصارها، أغلبية مناصب دوائر ومكاتب المنظمة وعضوية مجالس الاتحادات المهنية والنسائية والطلابية التي أقامتها المنظمة أو رعتها، على قاعدة تقديم الولاء على الكفاءة، بحيث لم تعكس الأدوار القيادية ما يمتلكه شعب فلسطين من كفاءات إدارية ومهنية وفكرية مشهود لها في الوطن العربي.
ولا خلاف أن القمة العربية سنة 1974 اعتبرت المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني في صراعه التاريخي للتحرير والعودة. وأنه بدماء شهداء المقاومة وبالدعم الشعبي العربي تحقق للمنظمة حضور عربي ودولي. إلا أنه لم يواكب ذلك تطور كيفي في بنية أجهزتها، ولا في أداء قيادتها التي لم تعمل على تعزيز قدرات شعبها بما يعظم دوره كحاضنة للعمل الفدائي في مواجهة ما استهدفه. وبدلاً من استثمار المال العربي – الذي تدفق عليها باعتبارها ممثلة لشعب فلسطين – في تطوير اقتصاد الأرض المحتلة، وتحسين ظروف مخيمات الشتات، وظف في اكتساب ولاء المحاسيب والأنصار والتحكم في خيارات قيادات الفصائل المنتفعة بالمنظمة، ما تسبب بانشقاقات ونزاعات متوالية.
ولقد توالى الطعن في خيارات قيادة المنظمة واتهامها بالتفريط منذ اعتماد برنامج “النقاط العشر”. واتسع إطار رافضي التنازلات بعد خطاب عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف صيف 1988 معترفاً بقرار مجلس الأمن رقم 242، ومديناً “الإرهاب”. متنازلاً بذلك عن 78% من فلسطين وحق مقاومة الاحتلال. الأمر الذي وسع وعمق إطار المعارضة، وتزايدت بعد توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993، وما كان آلاف المعارضين من مفكري وساسة فلسطين المعروفة أغلبيتهم بمواقفهم والتزامهم بالثوابت ضد المنظمة كمؤسسة، وإنما ضد تسخيرها من قبل فريق أوسلو في تمرير المخططات المعادية للتحرير والعودة.
وحيث ترتب على اتفاق أوسلو سنة 1993 تغول سلطة حكم الذات على المنظمة، وتكريس الانقسام في الصف الفلسطيني، وإفقاد المنظمة الغاية من وجودها، كان منطقياً أن يتراجع النظر إليها كمرجعية وطنية. لا سيما وقد جرى سنة 1996 مسخ الميثاق الوطني بإلغاء وتعديل مواده التي تؤكد الحقوق الوطنية والالتزام بالكفاح لتحقيقها. وعليه تضاعفت المطالبة بتفعيل المنظمة وإعادة بناء أجهزتها كافة، وتنقيح الميثاق مما لحقه، والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية على قاعدة الالتزام بالثوابت التي قامت المنظمة على الالتزام بها. ومع أنه جرى الاتفاق في مارس/آذار 2005 على عقد مؤتمر وطني لإعادة بناء المنظمة بمشاركة القوى الوطنية والإسلامية. إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق.
وما كان الجدل ليحتدم بين الفصائل الفلسطينية لولا إيمانها جميعها بأهمية المنظمة كمؤسسة وطنية جامعة، وضرورة تفعيلها وتمكينها من أن تكون حاضنة للوحدة الوطنية. والسبيل الأمثل لذلك الاتفاق على إجراء انتخابات للمجلس الوطني في الوطن المحتل والشتات. بحيث يكون المؤسسة الوطنية التي تتولى إعادة بناء المنظمة وأجهزتها وتنقيح الميثاق، وإقامة القيادة الجماعية الملتزمة بالثوابت، وتطوير ما أبرزته معركة الصمود في مواجهة المحرقة الصهيونية من امتلاك شعبنا قدرة فذة على تعميق أزمة المشروع الصهيوني والتقدم على الطريق الطويل للتحرير والعودة. والسؤال الأخير: هل الذين انتفضوا انتصاراً للمنظمة، أياً كانت دوافعهم، مستعدون للدخول في حوار ديمقراطي للبحث في آلية انتخاب المجلس الوطني وتصويب المسار. أم أن ممارسة شعب فلسطين لحقة الديمقراطي باتت ممنوعة تحسباً من نتائجها؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

صاروخ يمني فرط صوتي يستهدف مطار بن غوريون ويوقفه عن العمل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، إن القوات الصاروخية استهدفت مطار "بن غوريون" في منطقة...

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...

لازاريني: استخدام إسرائيل سلاح التجويع جريمة حرب موصوفة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، إن استخدام "إسرائيل"...

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...