الأحد 11/مايو/2025

تداعيات الجريمة الإسرائيلية

تداعيات الجريمة الإسرائيلية

صحيفة الخليج الإماراتية

كان يمكن للعلاقات العربية – اليهودية، والإسلامية – اليهودية بصفة عامة أن تبقى ضمن حدود الإرث التاريخي للخلافات الدينية التي شابت علاقات الطرفين في فجر الإسلام (حوالي القرن السادس الميلادي)، كما هو الإطار الذي تأطرت فيه الخلافات المسيحية – اليهودية بعد ظهور وانتشار المسيحية قبل نحو من ألفي سنة، لولا قرار الأوليغارشية اليهودية والرأسماليات الغربية المتواطئة، باغتصاب أرض فلسطين والاستيلاء عليها، وطرد سكانها الفلسطينيين منها وإقامة وطن لليهود على الأرض السليبة، وهو الأمر الذي أحدث جرحاً غائراً في القلب العربي والإسلامي سيظل عالقاً في الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية لسنوات طويلة، حتى ولو أنتجت السياسة الدولية تخريجة من جملة الترتيبات والمقاربات التي يكاد يستنسخ بعضها بعضاً، لتسوية الصراع العربي –”الإسرائيلي” على نحو ما، بالنظر للشرخ العميق الذي أحدثته بشاعة جريمة اختطاف قطعة من الأرض العربية وتعذيب شعبها بشتى أشكال التعذيب على مدى أكثر من نصف قرن في العلاقات بين اليهود والعرب والمسلمين بصفة عامة.

وكدليل على بشاعة الجريمة “الإسرائيلية” المنظمة المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني والمتواصلة فصولاً منذ اختطاف فلسطين بطريقة القرصنة وقيام “إسرائيل” على أرضها المنهوبة في عام 1948، فإنه ورغم استمرار تمتع “إسرائيل” بالحب الجارف والدلال المفرط لدى الأنظمة السياسية الحاكمة في الغرب الرأسمالي، إلا أنه ونتيجة لسمعتها التي تسبقها كدولة تطبق أساليب الاستعمار القديم، ومنها أساليب النازي الألماني ضد سكان الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، فقد كان لابد وأن يجد ذلك “صداه” لدى الرأي العام الغربي والآسيوي أيضاً.

فلقد كشفت دراسة عالمية أجراها “مركز بو للأبحاث” مؤخراً ( Pew Research Center ) استطلعت آراء مواطني عدد من البلدان الأوروبية والآسيوية أن المشاعر المناهضة لليهود قد ازدادت كثيراً مقارنة بعام 2007، وكان ارتفاع هذه النسبة أكثر وضوحاً في كل من إسبانيا وبولندا وروسيا. فلقد بلغت نسبة أولئك الذين لديهم انطباع سيئ عن اليهود 46% في إسبانيا و36% في بولندا و34% في روسيا وهي نسبة مرتفعة بواقع 6 نقاط عما كانت عليه في عام 2007.

وفي القارة الآسيوية فقد سجلت أعلى نسبة مشاعر مناهضة لليهود وسط الصينيين، إذ بلغت 55%، في حين بلغت هذه النسبة 32% في الهند وبنسب متراوحة بين تلك المسجلة في الصين وتلك المسجلة في الهند، تم تسجيلها في كل من اليابان وكوريا الجنوبية.

وفي الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين يتمتع فيهما اليهود بأوضاع امتيازية وتفضيلية نتيجة لعوامل اقتصادية وأوليغارشية وأيديولوجية، فإن النتائج أظهرت أن 77% من الأمريكيين و73% من البريطانيين أعطوا انطباعاً إيجابياً عن اليهود مقابل 7% من الأمريكيين و9% من البريطانيين الذين أظهروا عدم ود لليهود.

أما المسلمون فكان نصيبهم أن واحداً من كل أربعة أمريكيين وواحداً من كل أربعة بريطانيين يحملون انطباعاً سيئاً عنهم.

فهل هذا معقول؟ نعم معقول ومعقول جداً، أو ليس “من زرع حصد” كما يقول مثلنا الشعبي؟

قبل الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 لم يكن أحد ليفكر في تضمين مثل هذه الاستطلاعات الموضوع العربي والإسلامي، أو لنكن دقيقين أكثر، الحالة العربية والإسلامية في بلدان المهجر الغربي. نعم كانت هنالك بالتأكيد مضايقات ومنغصات، نعلمها جميعاً، للجاليات العربية والإسلامية من جانب بعض الأوساط الشعبية والسياسية ذات النزعات اليمينية المتطرفة، ولكنها كانت مضايقات على خلفيات ذات طبيعة مهنية مصلحية، حيث ينظر أبناء تلك البلاد إلى المهاجرين عموماً، وليس للعرب والمسلمين فقط، كمزاحمين لهم في أعمالهم وفي لقمة عيشهم.

ولكن هذا الأمر اختلف بالتأكيد مائة وثمانين درجة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تلاها بعد ذلك من عمليات مشابهة في عدد من البلدان الأوروبية.

وإلى ذلك لننظر إلى ما حدث مؤخراً لمسيحيي العراق من عمليات تطهير ديني في مدينة الموصل وغيرها من المناطق على أيدي الجماعات الاقتصادية التكفيرية التي تصر لسبب ما(!) على تصدير غُلوها وجهالتها حتى إلى المراكز الحضرية العربية، مستغلة حالة العوز الشديد التي تعيشها شرائح واسعة من شباب هذه الأصقاع العربية التي كانت في يوم ما مراكز للتنوير والإشعاع الثقافي في المنطقة العربية بأسرها.

فماذا نتوقع من العالم وهو يرى بأم عينيه مثل هذه الأفعال المشينة، المسيئة لإنسانيتنا وسمعتنا ومصداقيتنا لدى المجتمعات العالمية قاطبة؟

طبعاً لا شك أن هنالك العديد من التحفظات التي يمكن أن يبديها المرء على مثل هذه النوعية من الدراسات الاستطلاعية، خصوصاً منها تلك التي تضع أهدافها واستنتاجاتها قبل إجراء الاستطلاعات، إلا أن من الصعب تجاهلها ودحض كامل وقائعها ومدلولاتها، فليس معقولاً أن نكتفي بنفي ودحض كل ما يقال أو ينشر عنا سواء في الغرب أو الشرق، وإنما علينا أن نتواضع قليلاً ونمعن النظر في النقد الموجه لنا، بغض النظر عن موضوعيته ووجاهته وأغراضه الماورائية.

وعلينا بعد ذلك أن نهتم بتصحيح صورتنا، تماماً مثلما نحرص على تحسين سجلنا العالمي في مجال مكافحة الفساد والشفافية بغية إقناع الاستثمار الأجنبي المباشر ( FDI ) بنجاعة بيئتنا الاستثمارية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات