السبت 10/مايو/2025

هل الأولوية للرد على السيد مشعل أم لإصلاح المنظمة!

هل الأولوية للرد على السيد مشعل أم لإصلاح المنظمة!

صحيفة الشرق القطرية

المجلس الوطني الفلسطيني يتنادى اليوم للرد على تصريحات السيد مشعل بخصوص تشكيل مرجعية للمقاومة تضم الداخل والخارج وكما تعودنا من هذا المجلس فقد – أصبح – لا يدعى إلا لتمرير قرار أو انتصاراً لتيار المتنفذين في قيادة المنظمة حين تعجزهم الحجة تجاه موقف ما أو جهة ما.. وقد رأينا فئات من الناس يدعون ويتكلمون باسم عضوية ذلك المجلس ممن لم تعرفهم الساحة الفلسطينية أو لم تعرف بعضهم كعضو في هذا المجلس حسب المشتهر – على الأقل – (قد يكونون أعضاء في المجلس التشريعي السابق وقد يكونون وزراء في حكومة فياض الحالية اللاشرعية وقد يكونون من مشايخ السلطة وقضاتها وقد يكونون من مستشاري السيد عباس وقد وقد.. وهنا لا بد من تقرير جملة حقائق تتعلق بالمجتمعين (أو المتجمعين) وبالخطاب الذي استعملوه في تناول ما يجري على الساحة الفلسطينية وبفهمهم لتحدياتها وأولوياتها في سياق ردهم على تصريحات السيد مشعل.. وما إذا كانت الأولوية للرد على السيد مشعل كما فعلوا أم لإصلاح المنظمة وما عنه غفلوا وأقول:

أولاً: لا أحد يزعم أنه يعرف أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني بما في ذلك السيد سليم الزعنون – رئيس المجلس – نفسه فهو لا يعرف عددهم ولا أسماءهم ولا عناوينهم ومن يعرفه منهم لا يعرف إن كان ما يزال عضواً أم لا.. وهم أيضاً – أعضاء المجلس – لا يعرفون بعضهم بعضاً.. فمنهم من تنحصر علاقته بالمجلس في مرتب آخر الشهر، ومنهم من مات منذ عشرات السنين ولم يزل على قيد المجلس لأسباب كثيرة ومنهم من فقد الذاكرة ومنهم من كان انتسابه له فخرياً ومنهم من يُدعى فقط لمرة واحدة ولا يُدعى لغيرها.. ومنهم ومنهم!! فإذا تحدثنا عن احتمالية الخطأ في نسبة (أو نزع نسبة) أحد لهذا المجلس فإنها تصل إلى 300%! إذا كان العدد ما بين (285 و750).. يقال لفلان تعال فقد صرت منذ اليوم عضواً في المجلس (ربما لإسكاته أو لشرائه أو لمجاملته أو لإعاشته أو لأنه ابن فلان أو أخوه أو لأن اسمه جاء في رسالة صغيرة من سفارة بعينها أو لأي سبب!) فيرى نفسه مستجداً ويظن أنه الوحيد على ذلك الحال، وربما يستثنى من بعض الاجتماعات فيظن أنه محروم أو معاقب على كلمة قالها أو تصريح أدلى به.. وبالتالي فإن أية مجموعة يقال إنها أعضاء (أو من أعضاء) المجلس الوطني الفلسطيني لا يمكن الوثوق بنسبتها إليه أو الركون لقانونية اجتماعها ولا يمكن أخذ ما يقولونه على محمل الجد وهذا لا يمنع أن يكون بعضهم من الشخصيات المحترمة التي تستحق ببذلها وطهارتها الثورية هذه العضوية.. ولنتذكر أن حماس والجهاد والأحرار.. التي تغطي أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج غير ممثلة ولا معترِفة بهذا المجلس..

ثانياً: إذا استثنينا البعض القليل ممن نقدوا المنظمة في سياق مهاجمة تصريحات السيد مشعل وقالوا إنها باتت تعاني من مشكلات ومعضلات حقيقية يتوجب علاجها.. إذا استثنينا هذه القلة في العدد والوزن فإن غاية ما دندن المجتمعون (أو المجمّعون) حوله يتلخص في ثلاث جمل: أن تشكيل مرجعية جامعة لقوى المقاومة وأنصارها يعتبر مؤامرة تتسق مع غايات الاحتلال، وأن المنظمة عصية على الإلغاء وستنجو هذه المرة كما نجت في مرات سابقة، وأن للمنظمة قداسة لا تُمس باعتبارها البيت المعنوي والجامع الثوري.. لقد كانوا يتحدثون عن منظمة تحرير غير التي نعرفها.. وإنما عن تلك التي كانت في السبعينيات.. وكان واضحاً أنهم غير متابعين للأحداث ولمستجدات المقاومة ولا يعرفون أن المنظمة صارت – في ظل القيادة المتنفذة فيها اليوم – أداة بيد العدو تنفذ أجنداته ضد شعبها وثورته وأحلامه، ولا يدرون أن حماس أصبحت تمثل الحلم الفلسطيني وأن الناس صاروا يسمون أبناءهم باسمها وأسماء رموزها وأن جهة السماء وجهات الأرض الأربع صارت تعرف رموزها وأنها نالت الشرعيات الثلاث النضالية والانتخابية والخلقية مما جعل الفلسطينيين وغير الفلسطينيين يلتفون حولها ويعتزون بها.. بالتالي فإن اعتقادهم أن المنظمة لن يستطيع أحد تجاوزها هو كلام عاطفي إنشائي لا يحمل قيمة علمية ولا يخلو من جهل بالواقع وبطبيعة الشعب الفلسطيني وبقوانين التغيير.

ثالثاً: لأن هؤلاء يظنون أن السياسة مجرد كلام يقال فهم يظنون أن ما صرح به السيد مشعل سيبقى في حدود الإعلان عن توجهات والإفصاح عن رغبات فقاموا يردون ويجادلون في حدود الكلام أيضاً وهم لا يفهمون أن طبائع الأمور ستقود لتغيير كبير شاؤوا أم أبوا وتخيلوا ذلك أو لم يتخيلوه ولا يفقهون أن القضية وبمنطق التدافع الطبيعي بين الأجيال والتجارب لن تقف عند تشكيل مرجعية مرافقة ومتوازية مع المنظمة حتى لو قامت على هذا الأساس.. فمرجعية للمقاومة تقدم البديل الصالح وتكون مستندة لشرعيات النضال والانتخاب والإنجازات الوطنية ستمحو بالتأكيد أطلال منظمة قديمة مهدمة لم يبق لها من الوطنية والنضالية إلا (كان يا مكان).. ومرجعية للمقاومة تكون محظية بقيادة كاريزمية مشهود لها بالمقاومة والتضحية والنزاهة الخلقية وتتناغم مع طموحات الشعب وغاياته ولها مشروع واضح وواقعي ستعلو بلا شك على منظمة يقودها حصرياً واحتكارياً تيار مفضوح بالفساد والتنسيق الأمني مع العدو ولم ينجز سوى الانقلاب على المشروع الوطني وتصفية الرئيس ثم هو يتقلب بين الفشل والانقسام واللهاث وراء الحل.

رابعاً: على الثوريين والتقدميين والعروبيين من هؤلاء أن يدركوا أنهم إنما أفيقوا من بياتهم الطويل لا ليواجهوا الاحتلال والامبريالية والرجعية التي ناموا على عدائها وإنما ليواجهوا الثورة وحماس والقوى الحية من شعبهم، وعليهم أن يعلموا أنهم لا يضربون بسيف الوطنية والتحرير ولكن بسيف الفئوية التيارية الانقلابية التي تحولهم إلى عصا في يد الذين أسقطوا حق العودة وقبلوا بالوطن القومي لليهود وقبلوا باستبدال الأرض الخضراء بمزابل النفايات السامة والمشعة والذين كبّلوا الوطن باتفاقات وانحشارات أرهقته ورهنت الأجيال القادمة لتكرمات وتعطفات العدو.. وعليهم أن يعلموا أن الزمن اليوم هو زمن القادة الذين يستشهدون والوزراء الذين (يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون) وزمن رئيس الوزراء الذي يجلس على الرصيف ويقصف بيته وينام على الحصير.. وزمن تحقيق الإنجازات ودحر العدو وردعه وزمن التحرير والنصر ولم يعد زمن الجعجعات (والبعبعات) المكروفونية.. أما إن كان من هؤلاء من تكلم تقرباً من مال أو سلطة فإن عليهم أن يعلموا أن وزراء سلام فياض لم يبقوا ما يطمع فيه أحد بعدهم وأما مال الإعمار فالدول المتبرعة لا تثق بزمرة رام الله ولن تعطيها درهماً واحداً.. وأما إن كانوا يسترشدون بتحالفات وتزلفات اليسار الفلسطيني بكونه اليسار (الذي كان) فعليهم أن يعلموا أن اليسار باع الثورية اليسارية الحمراء بالبقرية اليهودية الصفراء وأنه انخرط في الولاء للمشروع الصهيوأمريكي وأصبح ينظّر للبراغماتية ويدافع عن الإمبريالية وأن بعبعاته وجعجعاته لا تعدو أن تكون مزايدات وشيئاً من مساحيق التزييف.

خامساً: على هؤلاء الأشاوس الذين تذكروا فجأة أنهم أعضاء في المنظمة أن يجعلوا اهتمامهم في المطالبة بإصلاحها لا أقول بدل مهاجمة الشهيد الحي الذي لسان حاله (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) ولكن بنفس القدر وفي نفس الوقت الذي يطالبونه بالتراجع عن تصريحاته.. وليعطوا الرجل – على الأقل – مبرراً للتأجيل أو للتراجع.. لقد صار التغيير في التمثيل الفلسطيني بعد التغيرات في القوى الفاعلة والولاءات ممراً إجبارياً تقود إليه ضرورات المصلحة الوطنية وتقتضيه مواجهة عوامل الهدم والإلحاق التي تتورط فيها المنظمة.. يجب أن يعمل هؤلاء عاجلاً وأن يمسكوا بزمام المبادرة قبل أن تصل الأمور إلى حد اللاتراجع وما يستطيعونه بهذا الصدد لا يزال كثيراً.. ليبدأوا بعقد الاجتماعات التي تناقش أحوال المنظمة وتقدم أوراق عمل جادة وعادلة وليدعوا لها حركات حماس والجهاد والأحرار واللجان وفتح لذلك ولا أظن أن أحداً يرفض اجتماعات كهذه ما دامت غير مجيرة لأحد الطرفين.. وليناشدوا الممسكين بتلابيب المنظمة ليصلحوها وليناشدوا قوى المقاومة – في المقابل – لتعطي مهلة للإصلاح والمصالحة، وليعقدوا مؤتمرات صحفية يرفعون فيها الغطاء عن الفاسدين والدمويين وكل من يعارض الثوابت الوطنية أو لا يعمل لتثبيتها وتحقيقها (هنا أشير إلى أن جماعة رام الله بدأوا يستعملون تكتيكاً جديداً يقوم على التكلم عن الثوابت الوطنية بلسان عال ويقتربون من التماهي مع خطاب المقاومة وربما يهددون بإيقاف المفاوضات وهم في نفس الوقت ينسقون مع العدو ويطاردون المقاومين مما يعني الجمود والسكوت واستغفال السذج بالكلام الذي لا فعل فيه في حين يجري العدو في التهويد جرياً)..

آخر القول: إن التغيير قادم على المنظمة وعلى كل الحالة الفلسطينية لا محالة فعلى من يرى أن القادم أصعب وأدق مما مضى أن يعاجل لاتخاذ خطوات عملية ليس في مواجهة دعاة الإصلاح والتغيير ولكن في وجه الذين يجيرون الوطن والوطنية لفصائلهم وذواتهم.. فالوقت قد أزف وممرات الزمن لا تتسع الكثير من المناورات.. ولا يظنن أحد أن المقاومة وبالأخص بعد النصر المؤزر الذي أنجزته ستقبل بما يقبل به الضعفاء والمرتزقة والمخترقون.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات