لكل زمان منظمة ورجال…

صحيفة القدس العربي اللندنية
تتزامن الحرب السياسية والإعلامية بين فصائل المقاومة الفلسطينية و”إسرائيل” مع مثيلتها بين الفصائل نفسها، بل تكاد الثانية تطغى على الأولى أحياناً. سبب الحرب القائمة حالياً سابق لحرب “إسرائيل” الثالثة على الشعب الفلسطيني ولاحق لها. إنه الصراع بين الخط المقاوم والخط المساوم في الحياة السياسية الفلسطينية وينعكس على مؤسساتها جميعاً: منظمة التحرير، السلطة، المجلس التشريعي، وأجهزة الأمن والخدمات العامة.
اكتسب هذا الصراع زخماً إضافياً بعد توقف إطلاق النار عقب قرار مجلس الأمن 1860 وانطلاق المحادثات بين القوى الإقليمية والدولية والفلسطينية حول قضايا فك الحصار وفتح المعابر ووقف توريد السلاح وإعمار قطاع غزة المنكوب.
في السياق برزت مجدداً قضية إعادة بناء منظمة التحرير. ذلك أن فريقاً من “حزب السلطة” يحاول أن يجعل من المنظمة بديلاً من حكومتي سلام فياض وإسماعيل هنية بحيث تتولى لجنتها التنفيذية معالجة القضايا العالقة والتفاوض في شأنها مع المراجع الإقليمية والدولية ذات الصلة. وبما أن محمود عباس وحركة “فتح” يسيطران على اللجنة التنفيذية، فإن “حزب السلطة”، أي الخط المساوم، يبقى في مركز السيطرة والتوجيه بما يخدم سياسته وأغراضه ومصالحه.
لتفادي الانزلاق إلى اعتماد هذا “الخيار” المشبوه طرح رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل خياراً آخر على أطراف الخط المقاوم وليس على الفصائل الأخرى. إنه بناء “مرجعية جديدة” تتولى قيادة الصراع ضد “إسرائيل” في جميع وجوهه ومن ضمنها، بطبيعة الحال، قضايا الحصار والمعابر وتأمين توريد السلاح، والإعمار وغيرها. انه محاولة لتجاوز “حزب السلطة” وليس بالضرورة لتجاوز منظمة التحرير.
لمبادرة مشعل، على ما يبدو، ثلاثة أسباب موجبة:
أولاها أن منظمة التحرير هي نتاج ظروف فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية معينة، وأن هذه الظروف تغيّرت ما أدى إلى قيام “سلطة فلسطينية”، نتيجة اتفاقات أوسلو، حلّت في الواقع محل منظمة التحرير. هذا التطور أدى تالياً إلى تقليص دور المنظمة بل إلى ترهلها وضمورها.
ثانيها أن “السلطة الفلسطينية” لم تستطع، لا في عهد ياسر عرفات ولا في عهد محمود عباس، أن تتوصل عن طريق المفاوضات مع “إسرائيل” وغيرها من الأطراف الدولية والإقليمية إلى تحقيق أي تقدم حقيقي على طريق إقامة دولة فلسطينية. بالعكس، استغلت إسرائيل المفاوضات والمماطلات من أجل توسيع رقعة الاستيطان على نحوٍ لا يبقى للفلسطينيين معه أراض كافية لإقامة دولة قابلة للحياة.
ثالثها أن الهجوم الأمريكي الصهيوني المستمر على فلسطين شعباً وأرضاً وموارد بات جزءاً من مشهد أكبر هو محاولة الهيمنة على الأمة والمنطقة وإعادة تشكيلها سياسياً وثقافياً. وقد تجلى هذا الهجوم باحتلال العراق سنة 2003 ، وبالحرب على لبنان والمقاومة سنة 2006، وأخيراً وليس آخراً بالحرب على غزة والمقاومة أواخر سنة 2008 ومطالع 2009.
لمواجهة هذا الهجوم لا بد من اتخاذ تدابير جذرية، بعضها للمدى المتوسط وبعضها الآخر للمدى الآني والقصير.
أبرز تدابير المدى المتوسط هو إعادة بناء منظمة التحرير في ضوء الظروف وموازين القوى الراهنة والمتطورة، ذلك أن لكل زمانٍ دولةٌ (أو منظمة) ورجالاً. ومنظمة التحرير المرتجاة هي الكيان الوطني الجامع لمختلف شرائح وقوى وقدرات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، والإطار الجبهوي لمختلف قوى المقاومة ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني الاقتلاعي. وفي سياق إعادة بناء المنظمة، بالمعنى الآنف الذكر، يقتضي مباشرة عملية بناء أخرى إستراتيجية هي إعادة توكيد مركزية قضية فلسطين في الحياة العربية والإسلامية.
في المدى الآني والقصير، يقتضي ابتداع صيغة تنظيمية سياسية كفاحية لقيادة الخط المقاوم ومواجهة التحديات والمتطلبات، السياسية والحياتية والقتالية، الناجمة عن حرب “إسرائيل” الثالثة على الشعب الفلسطيني، وفي مقدمها حماية المقاومة، تأمين تسليحها وتطويرهـا، فتح المعابر وإزالة الحواجز التي تمنع تواصل أبناء الشعب الواحد، وتأمين إعادة تعمير وإعمار قطاع غزة.
الحقيقة أن مواجهة الحرب الأخيرة على غزة أوجدت نواة للصيغة التنظيمية السياسية الكفاحية المرتجاة. إنها صيغة التضامن والتعاون والتنسيق التي أوجدتها فصائل المقاومة عشية الحرب ونجحت في استخدامها خلال الحرب ويقتضي تطويرها بعد الحرب إلى صيغة جبهوية متقدمة وفاعلة .
هذه الصيغة الجبهوية المرتجاة هي، ربما، “المرجعية الجديدة” التي قصد أن يدعو إليها خالد مشعل. إنها ليست صيغة بديلة من منظمة التحرير بل هي صيغة سياسية عملانية داخل المنظمة بما هي الكيان الوطني للشعب الفلسطيني حتى بغياب حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” عن عضويتها. وهي صيغة قيادية تطمح إلى أن تتولى، بتعاون جميع القوى الحية، مهمة إعادة بناء منظمة التحرير وقضية فلسطين معاً واستعادة مركزيتها في الحياة العربية والإسلامية.
لبناء هذه الصيغة الجبهوية المتقدمة أو “المرجعية الجديدة”، يقتضي العودة إلى الحوار الوطني والخلوص إلى تدابير عملية وعملانية لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل المنظور. والحق أنه لا سبيل إلى مواجهة هذه التحديات بالصيغ السياسية والتنظيمية الراهنة. فلا حكومة فياض ولا حكومة هنية ولا عقلية تجاوز “حماس” أو تجاوز “فتح” تؤدي إلى أي نتيجة إيجابية. يقتضي الخروج بسرعة وتصميم من مأزق الإلغاء المتبادل وبالتالي الشلل المتنامي إلى الحوار الوطني الهادف إلى تحقيق التوافق على نهج وآليات لبناء وحدة الصف وبالتالي وحدة العمل الفلسطيني في الحاضر والمستقبل المنظور.
منطلق التوجه إلى الأهداف الوطنية الآنفة الذكر إنما يتجلى بالاعتراف بمرتكزات ما هو قائم في المشهد الفلسطيني الراهن وتطويره بالتوافق على مرتكزات الوضع السياسي البديل ورزنامة الوصول إليه.
ثمة ثلاثة مرتكزات للوضع القائم لا سبيل إلى نكرانها بل يقتضي التسليم بوجودها ودورها: محمود عباس بما هو رئيس واقعي معترف به إقليمياً ودولياً للسلطة الفلسطينية، والمجلس التشريعي المنتخب حيث لحركة “حماس” والقوى المتحالفة معها أغلبية مريحة، وتأييد غالبية الشعب الفلسطيني للخط المقاوم، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة.
في ضوء هذه المرتكزات بل الحقائق الثلاث، فإن المأمول والمرتجى والمتوقع من الحوار الوطني الفلسطيني أن يخلص إلى التوافق على تأليف حكومة وطنية جامعة برئاسة شخصية وطنية مستقلة ـ مصطفى البرغوثي مثلاً ـ تعكس موازين القوى في المجلس التشريعي، وتتولى ثلاث مهمات مرحلية رئيسية:
أولاً: إدارة الشؤون الفلسطينية جميعاً خلال المرحلة الانتقالية التي لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أشهر.
ثانياً: إدارة المفاوضات مع الجهات المعنية من أجل فك الحصار وفتح المعابر، وإزالة الحواجز، وتأمين تدفق الأغذية والأدوية وسائر الحاجات الحياتية إلى قطاع غزة وسائر المناطق الفلسطينية، والإشراف على تخطيط إعادة التعمير والإعمار وعلى إدارة تنفيذه.
ثالثاً: التحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في مهلة أقصاها آخر شهر أيار/مايو المقبل.
إزاء التطورات والمتغيرات والتحديات الجديدة التي تواجهها المنطقة عموماً وقضية فلسطين خصوصاً، يحتاج الشعب الفلسطيني إلى قيادة شرعية جديدة ومتقدمة. هذه الحاجة المشروعة والملحّة لا يمكن تأمين متطلباتها عن طريق القيادات والمؤسسات الحالية والمنطق التناحري الذي يحكمها، ولا عن طريق القوى الإقليمية التي تحاول تطويع الفصائل الفلسطينية لخدمة أغراضها السياسية الخاصة بها. ثمة حاجة وجودية إلى أن يمسك الشعب الفلسطيني قضيته بيديه وأن يختار بنفسه قيادته وبالتالي نهج نضاله المستمر من أجل حريته واستقلاله وبناء دولته الديمقراطية السيدة والقابلة للحياة.
* كاتب وسياسي من لبنان
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...