انتفاضة دول أمريكا اللاتينية ضد إسرائيل

صحيفة القدس العربي اللندنية
كشف العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة عن فاعلين سياسيين جدد في الساحة الدولية، وإذا كانت تركيا قد برزت بشكل لافت بمواقفها الإيجابية من تنديد بالهجمات الإسرائيلية ومطالبتها بمحاكمة قادة العدوان وضرورة الأخذ بعين الاعتبار حركة حماس كمخاطب في أي معادلة سياسية، فبروز دول أخرى من أمريكا اللاتينية لا يقل شأناً وأهمية ولاسيما أربع دول وهي البرازيل وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور التي اتخذت مواقف متشددة وكأنها أعضاء في محور “دول الممانعة”، الأمر الذي جعل الشارع العربي والإسلامي يحمل صور رئيس فنزويلا هوغو تشافيز في التظاهرات ويعتبره بطلاً قومياً.
فالتواجد العربي في أمريكا اللاتينية هو تاريخي ويعود إلى أواخر القرن التاسع عشر ولكنه تكثف ابتداء من العقد الثاني من القرن العشرين وخاصة هجرات اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. واستطاع بعض أبناء وأحفاد المهاجرين العرب من الوصول إلى رئاسة بعض الدول كحالة الرئيس السابق للأرجنتين كارلوس منعم والرئيس السابق للإكوادور جميل معوض وعبد الله بوكرم من البلد نفسه. واندمج العرب بشكل قوي في مجتمعات دول أمريكا اللاتينية ولم يحافظوا على علاقات متينة مع العالم العربي وتعذّر عليهم القيام بدور سياسي ملحوظ تجاه العالم العربي، واقتصروا على تأسيس بعض جمعيات الصداقة مثل جمعية الصداقة الفلسطينية – الأرجنتينية وفي دول مثل التشيلي والبرازيل. لكن الاعتداءات الأخيرة، أيقظت فلسطينيي أمريكا اللاتينية من السبات.
وكان الملف العربي الوحيد الحاضر لدى الرأي العام في أمريكا اللاتينية هو القضية الفلسطينية، فالكثير من دول المنطقة شهدت في الماضي حركات تحرر مسلحة واعتبرت الكفاح الفلسطيني نموذجاً يقتدى به، بينما كانت الأنظمة العسكرية الحاكمة في السبعينات والثمانينات تميل إلى “إسرائيل” بسبب الهيمنة الأمريكية على المنطقة وكانت تجمع هذه الأنظمة اتفاقيات عسكرية وأمنية بتل أبيب.
وخلال السنوات الأخيرة، وفي أعقاب تحرر معظم دول أمريكا اللاتينية من هيمنة واشنطن بصعود اليسار إلى الحكم، بدأت تراجع مواقفها السياسية من القضايا الدولية ومن ضمن ذلك الموقف من القضية الفلسطينية، حيث لم يعد التعاطف قائما وسط الحركات المسلحة اليسارية بل انتقل إلى حكومات منتخبة ديمقراطيا وأغلبها لها جذور يسارية تعود للحركات الثورية التي ظهرت في السبعينات.
ضد “إسرائيل”
ويبرز بيدرو غرييغر الصحافي والمحلل الأرجنتيني في حوار مع قناة التلفزيون تيلي سور الفنزويلية أن “بعض دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا والإكوادور وكوبا والأرجنتين وبوليفيا تبنت مواقف راديكالية مضادة ل”إسرائيل” في عدوانها على قطاع غزة” مضيفاً أن “هذه المواقف تعتبر تطوراً طبيعياً لرؤية دول المنطقة إلى “إسرائيل” التي أصبحت مرفوضة وينظر إليها بمثابة الكيان الغاصب”.
وتوجد ثلاثة مواقف تعبر بالملموس عن التطور الحاصل في رؤية دول أمريكا اللاتينية إلى القضية الفلسطينية أو الصراع العربي – الإسرائيلي عموماً:
الموقف الأول: ويرتكز على القانون الدولي، ويتجلى في الحكم على “إسرائيل” بأنها دولة استعمارية وعنصرية ومارقة لأنها تخرق القانون الدولي ولا تحترم الشرعية الدولية وترفض تطبيق قرارات منظمة الأمم المتحدة. وهذا الموقف أعرب عنه أكثر من رئيس دولة مثل رئيس فنزويلا هوغو تشافيز ورئيس الاكوادور، رافائيل كوريا، والأرجنتين والباراغواي.
الموقف الثاني: وهو سياسي ومرتبط بمفهوم “عالم متعددة الأقطاب” ويتمثل في ضرورة مساهمة دول أمريكا اللاتينية في البحث عن الحل في الصراع العربي-الإسرائيلي بحكم أن دول المنطقة مع بعض الاستثناءات تشكل كتلة موحدة متفقة إلى حد كبير في رؤيتها للعالم وتريد أن تصبح قطباً. وتتزعم البرازيل هذا الموقف، حيث أعرب رئيسها لولا دا سيلفا خلال بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ضرورة عقد مؤتمر دولي تشارك فيه جميع الأطراف المعنية ومن ضمنها حركة حماس للبحث عن السلام علاوة على حضور دول ذات وزن إقليمي مثل البرازيل وجنوب إفريقيا والهند إلى جانب الدول التي تصنف بالكبرى. وأرسلت البرازيل وزير خارجيتها سيلسو أمورين إلى تل أبيب ورام الله وعواصم عربية شرق أوسطية خلال الأسبوع الثاني من العدوان لكي تؤكد موقف البرازيل ودول أمريكا اللاتينية من الصراع ووقوفها إلى جانب الفلسطينيين لحصولهم على دولة مستقبلاً. والمثير أن البرازيل كدولة تبحث عن العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة تبنت موقفاً يجمع بين الإدانة والاعتدال ضد “إسرائيل” من خلال إدانة العدوان على شاكلة موقف تركيا، بينما أعربت عن موقف أكثر حدة وراديكالية عبر قناة حزب العمال الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس لو دا سيلفا الذي أصدر بياناً يعتبر فيه أن “”إسرائيل” تقترف في قطاع غزة جرائم شبيهة بالجرائم التي اقترفها النازيون في الحرب العالمية الثانية”.
مواقف فعالة
ويبقى الموقف الثالث هو الصادر عن دول فنزويلا والإكوادور وبوليفيا، حيث انتقلت من التعاطف إلى إجراءات عملية حقيقية. والإجراء الأول هو قرار رئيس فنزويلا تشافيز طرد السفير الإسرائيلي من العاصمة كاراكاس وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مبرراً القرار بأن “إسرائيل” ترتكب جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. والإجراء الثاني يتجلى في قرار رئيس بوليفيا إيفو موراليس ليس فقط قطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل” بل رفع دعوى ضدها إلى المحكمة الجنائية الدولية. الرئيس موراليس أعلن شخصياً عن الخبر ومن ضمن التفسيرات التي قدمها لكي يدافع عن هذا الموقف أن “”إسرائيل” ارتكبت جرائم ضد الإنسانية شبيهة بالجرائم التي شهدها العالم إبان الحرب العالمية الثانية وإبان حرب يوغوسلافيا ورواندا ولهذا يجب أن تحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
ويبقى فهم الموقف الجديد تجاه القضية الفلسطينية من طرف دول أمريكا اللاتينية مع بعض الاستثناءات مثل كولومبيا التي مازالت تسير في فلك واشنطن، يتطلب معرفة التطورات السياسية في المنطقة وخاصة رصد ثلاثة عوامل أساسية:
في المقام الأول ـ شعور العداء الشديد تجاه سياسة الولايات المتحدة من طرف أغلب دول أمريكا اللاتينية التي تحّمل واشنطن مسؤولية العديد من المآسي التي شهدتها المنطقة. وبالتالي، فشعور العداء هذا ينتقل لمعاداة سياسة واشنطن في مختلف مناطق العالم وليس فقط ضد سياستها في أمريكا اللاتينية. وبما أن واشنطن تؤيد “إسرائيل” ضد القانون الدولي، فالانتقادات والتنديد انتقل إلى “إسرائيل”.
في المقام الثاني ـ معظم دول المنطقة ترى في “إسرائيل” امتداداً للإمبريالية الأمريكية، ولهذا فالكثير من الكتابات السياسية اللاتينية عندما تريد انتقاد كولومبيا تصفها بـ “”إسرائيل” أمريكا اللاتينية” بحكم أن كولومبيا موالية بشكل كامل للبيت الأبيض. وفي الوقت ذاته، ف”إسرائيل” كانت قد دربت إبان حقبة السبعينات والثمانينات بعض أجهزة مخابرات دول المنطقة على كيفية تعذيب المعارضين السياسيين واغتيالهم، وبما أن جل هؤلاء المعارضين قد وصلوا الآن إلى الحكم ويتولون مناصب رفيعة ومنها مناصب وزراء، فمن الطبيعي أن تتبنى هذه الدول سياسة مناهضة للكيان الإسرائيلي الذي يعتبرونه كياناً لا يحترم الشرعية الدولية.
في المقام الثالث ـ الكثير من دول المنطقة تحترم رأيها العام ومواقفه في القضايا الدولية، والرأي العام في أمريكا اللاتينية موال للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ولهذا فعشرات البيانات صدرت عن الأحزاب والتجمعات الإعلامية والنقابية تندد ب”إسرائيل” وشهدت مدن المنطقة عشرات التظاهرات لكنها لم تجد الصدى الكبير في وسائل الإعلام العربية. وعليه، فقد تبنت معظم الدول موقف مواطنيها في السياسة الخارجية ومن ضمنها القضية الفلسطينية.
وهكذا، فموقف بعض دول أمريكا اللاتينية من التنديد بالعدوان الإسرائيلي الذي يعرف بـ “عدوان رأس السنة” يكشف عن خسارة “إسرائيل” لمنطقة أمريكا اللاتينية في حين تعزز موقف دول الممانعة بهذا التطور الذي يتجاوز التعاطف إلى إجراءات ضد تل أبيب. ويكفي أن هوغو تشافيز هو أول زعيم غير عربي وغير إسلامي تحمل الجماهير العربية والإسلامية صوره من المغرب إلى أندونيسيا خلال التظاهرات التي شهدها العالم ضد “عدوان رأس السنة”.
* كاتب مغربي مقيم في اسبانيا
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...