الجمعة 09/مايو/2025

رأس الحربة والقوة الحاسمة

رأس الحربة والقوة الحاسمة

صحيفة الخليج الإماراتية

في المقال السابق وقفنا عند أولى مسلمات الصراع العربي – الصهيوني، تلك المسلمات التي جاءت الحرب العدوانية على غزة لتعيد إثبات صحتها. كانت المسلمة تقول إن هذا الصراع هو صراع على الوجود، ومفتاح النصر فيه هو القوة، لأن عدونا تأسس على القوة، ولا يزال يراها سبيله إلى البقاء. اليوم نقف عند مسلمة أخرى من هذه المسلمات، والمتمثلة في “قومية” القضية الفلسطينية. معروف أن “وعد بلفور”، الذي أعطته بريطانيا للحركة الصهيونية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، جاء حصيلة تفكير طويل جهدت فيه الدول الغربية الاستعمارية. ومعروف أيضاً، أنه قبل ذلك الوعد بقرون، كانت الفكرة ذاتها قد مرت على ذهن نابليون بونابرت، في أعقاب حملته الفاشلة على فلسطين واضطراره إلى العودة من عند أسوار المدينة الفلسطينية عكا. ومعروف أخيراً، أن فلسطين كانت المكان الأخير المقترح لإقامة “الوطن القومي لليهود”، حيث سبقتها، كل من أوغندا في إفريقيا، والأرجنتين في أمريكا الجنوبية. وهكذا لم تكن الفكرة مجرد توارد للخواطر عند حكومات الدول الغربية الاستعمارية، بل كانت نتيجة تفكير طويل بحثاً عن تأمين مصالحها، إذ أرادت أن تحقق بها هدفين: الأول: التخلص من اليهود وشرورهم. والثاني: إقامة “كيان وظيفي” يخدم المصالح الاستعمارية في المنطقة العربية التي كانت تمثل، منذ ذلك التاريخ، عقدة المصالح الاستعمارية الغربية في العالم.

بكلمات أخرى، منذ البداية، بل منذ ما قبل البداية، كانت فكرة إقامة “الوطن القومي اليهودي” في فلسطين لا تستهدف فلسطين تحديداً، ولا تستهدف الشعب الفلسطيني في ذاته، بل كانت تستهدف الوطن العربي كله والشعوب العربية جمعاء، وكان ولا يزال شعار الحركة الصهيونية “من النيل إلى الفرات أرضك يا “إسرائيل””. ولعله من سوء -أو من حسن- طالع فلسطين وشعبها أن تتجمع الأسباب السياسية والأيديولوجية في فلسطين، كمكان وجغرافيا سياسية، تلائم المخططات الاستعمارية. ولهذا كان مصطلح “الصراع العربي – الصهيوني” يعبّر بصدق عن طبيعة وحقيقة الأهداف التي كانت وراء الهجمة الإمبريالية – الصهيونية على فلسطين. فهذا المصطلح يعني أن الصراع هو بين الإمبريالية والصهيونية ومشروعها من جهة، وبين الأمة العربية كلها من جهة أخرى، وليس بينهما وبين الشعب الفلسطيني. وقد عشنا التحولات التي أصابت هذا المصطلح فجعلته ينكمش فأصبح “الصراع العربي – “الإسرائيلي””، ثم “الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي””، لينتهي إلى “النزاع الفلسطيني – “الإسرائيلي””.

في المرحلة الأولى، بعد هزيمة يونيو/ حزيران 1967 مباشرة، اختفت صفة “الصهيونية” عن الكيان، في إشارة إلى بداية التوجه ل”توطين” الكيان في المنطقة العربية باعتباره جزءاً طبيعياً منها، وتدليلاً على نية تجاهل ثم نسيان الجريمة الأولى، جريمة الاغتصاب التي تمت في العام 1948،  بعد ذلك اختفت كلمة (العربي) ليتحول الصراع مع الشعب الفلسطيني وحده، وهو ما يكشف عن نية التخلي الكامل عن القضية الفلسطينية، وبالتالي عن الشعب الفلسطيني. وأخيراً، تبنى كثير من العرب المصطلح في صيغته الغربية، فأصبح عندهم ليس أكثر من “النزاع الفلسطيني- “الإسرائيلي””، ليتحول “الصراع العربي – الصهيوني” إلى نزاع بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” على الحدود.

لم يحدث ذلك بالمصادفة، بل كان مطلوباً تجاوز القضية الفلسطينية بأن يتجاهل العرب الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره في أرضه تساوقاً مع الكذبة الصهيونية الأولى القائلة إن لا شعب في فلسطين، وبعدها يوزع ما يبقى من الأرض، أو ما يفيض عن حاجة المشروع الصهيوني، إن كان لا بد من ذلك، بين الدول العربية المجاورة. لكن الأهم، وهو ما أكدت عليه كل الحروب التي شنت ضد الشعب الفلسطيني منذ العدوان الأول في العام 1948، كان تجاهل ونفي حقيقة أن القضية الفلسطينية في الأصل والأساس، والشكل والمضمون، هي قضية عربية. وعندما نقول قضية عربية فهذا يعني أن تحرير فلسطين هو مسؤولية عربية، والشعب الفلسطيني في معركة التحرير ليس أكثر من رأس الحربة، ودوره دائماً كان يتمثل في منع تصفية القضية، لكنه ليس قادراً، وحده وبمعزل عن الأمة، على القيام بمهمة التحرير.

هذا يدل على أهمية البعد القومي ودور الأمة في مهمة تحرير فلسطين، كما يدل على ما يعنيه تخاذل الأمة ودولها وأنظمتها، وتنازلها عن دورها في معركة التحرير. إنها بتخاذلها لا تتخلى عن فلسطين وشعب فلسطين، ولا تفرط فيهما وحسب، بل قبل ذلك تتخلى عن مصالح كل البلدان العربية، وتفرط في مصالح كل الشعوب العربية.

إذا نظرنا إلى ما حدث لغزة في الحرب العدوانية الأخيرة، فنجد أن هذه البقعة الصغيرة في المكان، المكتظة بالسكان، الفقيرة بالإمكانات والمحاصرة، قاومت العدوان بالأجساد العارية تقريباً، وكان صمودها أسطورياً، وكانت مقاومتها بطولية، فانتصرت عندما منعت العدو الهمجي من أن ينتصر. حدث ذلك في غزة، وحدث قبل ذلك في جنين، وحدث في الانتفاضة الأولى، وفي الانتفاضة الثانية، ويمكن أن يحدث في مدن فلسطينية أخرى وفي أوقات أخرى. لكن تحرير فلسطين يظل مهمة أكبر من هذا الصمود وتلك الانتصارات. وهذا يجعلنا نكرر القول إن الشعب الفلسطيني يمثل رأس الحربة في معركة تحرير فلسطين، وهو في مقاومته وصموده وتضحياته يدافع عن الأمة ومصالحها وكرامتها بقدر ما يدافع عن نفسه وحقوقه الوطنية، لكن الأمة تظل القوة الحاسمة، وانخراطها بمعركة التحرير هو العامل الحاسم في تحقيق الانتصار النهائي والناجز، وهذا ما يضع الكرة في ملاعب الشعوب العربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...