من حرب المحرقة.. إلى حرب التشويه

صحيفة الدستور الأردنية
ما أن هدأت حرب المحرقة المجنونة طيلة ثلاثة وعشرين يوماً على غزة برصاصها المسكوب عبر المدافع الثقيلة والطائرات بأنواعها (الإف 16، والأباتشي، والزنانات – بحسب الغزاويين) وصواريخها وقنابلها الفسفورية وغير الفسفورية حتى استعرت حرب تشويه خسيسة.. ربما تتفوق في خطورتها وإيذائها للقضية الفلسطينية بعشرات المرات على حرب المحرقة.
فما هي إلا أيام قليلة فقط من وقف عدوان المحرقة.. حتى انطلقت حرب شرسة متعددة الأطراف والأشكال.. حرب منظمة ومتناغمة ومباشرة وعلانية تشنها أنظمة وفصائل وشخصيات سياسية، دونما حتى وخزة من ضمير.
هناك أنظمة لا تتورع في الكشف عن عداء غير مسبوق لا للمقاومة فحسب بل لأهل غزة.. ربما يكون مثل هذا الاستنتاج ظالماً.. فلنتساءل عن التفسير المنطقي والأخلاقي لما يجري من تعذيب للجرحى والمماطلة تارة في دخولهم لأراضي هذه الأنظمة.. أو منعهم تارة أخرى من العبور في طريقهم إلى دول أجنبية لتلقي العلاج؟؟.. وما هو السبب في الحيلولة دون نقل الجرحى بالطائرات؟ وما هي الدوافع وراء عرقلة ومنع وتأخير دخول شاحنات الإغاثة؟؟ أليست في مثل هذه الممارسات سادية صارخة.. إن لم تكن عدائية مكشوفة وصريحة؟؟.
حرب التشويه التي نحن بصددها سلاحها ألسنة انطلقت بعد بيات.. وفضائيات وأقلام مسمومة ناطقة بالعربية.. حرب بلغت ذروتها بتصريحات وافتراءات أطلقتها أبواق وشخصيات فلسطينية.. فتارة تحمل المقاومة مسؤولية شلال الدم والتدمير.. وتارة تطلق حرب الأولويات.. فهي حرب انحدر جنرالاتها في الخطاب وفي خط التنازلات إلى مستويات لم تكن لتحلم بها حتى “إسرائيل”.. حتى بلغ الأمر بهم التصريح بوصف “انتصار غزة” بـ”انتكاسة”.. بل بلغ الانحدار حد اعتبار أحدهم أن “وقف الحرب – بهذه الطريقة – هو خطأ كبير.. وأن بقاء حماس في السلطة حتى الآن هو أمر سيء”.. وعند بعضهم وصل الأمر حد السخرية من انتصار المقاومة.. وعند بعضهم الآخر وصل حد وصف المقاومة بالطفولية.
إن حرب التشويه هذه لا تتوقف عند هذه الأشكال بل بعضها ذهب إلى حد تحريض المانحين وهيئات الإغاثة على التوقف والإحجام عن عملياتها الإغاثية.. لقد نقلت (الجزيرة نت) وغيرها من الوكالات قصة “حرب أخرى ضد المقاومة الفلسطينية بمدينة رفح المصرية”.. إذ تقول القصة.. هناك في رفح المصرية “يرابط مسؤولون فلسطينيون مهمتهم توجيه اتهامات بالجبن والسرقة للمقاومة في غزة.. وينشرون هذه القصص بين آلاف الصحفيين والسياسيين والمانحين الذين أموا مدينتي رفح والعريش منذ بدء العدوان على غزة.. وبلغ الإسفاف بأحد المسؤولين أن “اتهم حماس بسرقة سيارات الإسعاف الثماني التي بعث بها الحزب الوطني الحاكم في مصر للفلسطينيين في غزة”.. ولكن خاب فألهم حين أكدت مصادر طبية بالقاهرة بأن هذه الاتهامات لا تعدو كونها “هرطقات” (الجزيرة نت).. وحين أكدت مصادر الهلال الأحمر في قطاع غزة بأن جميع السيارات قد “أصبحت في عهدة منظمة الهلال الأحمر، وأن حماس أو أياً من فصائل المقاومة لم تحاول الاستيلاء أو حتى استخدام سيارات الإسعاف أو مرافق ومستشفيات الهلال بالقطاع”.
وتشارك في هذا الشكل من الحرب فضائيات ناطقة بالعربية حين قامت ببث مؤتمر لمسؤول فلسطيني يتهم فيه حماس بسرقة شاحنات الإغاثة التابعة “للهيئة الخيرية الهاشمية الأردنية “.. ومرة أخرى يخيب فألهم حين سارعت “الهيئة الخيرية الهاشمية وعلى لسان رجب الزبيدي (مساعد الأمين العام للهيئة) إلى نفي الخبر ووصفه بـ”التمثيلية”.. ونفي كذلك أن تكون أي من شاحنات الهيئة قد تعرضت لإطلاق نار أو سرقة في القطاع.. وتؤكد بأن وكالة الغوث الدولية في غزة قد أكدت تسلمها للشاحنات.. وأن أياً منها لم يصب بعيارات نارية، أو يتعرض لأي نقص”.
كل هذه الأشكال من الحرب تشن لإجهاض الانتصار وتشويه المقاومة وسرقة إنجازها.. لا بل إن خطرها أشد فتكاً بالقضية الفلسطينية من حرب المحرقة.
فحرب المحرقة – رغم ضراوتها ووحشيتها واستباحتها لدماء الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة، ورغم مجمل عواقبها التدميرية في البنيات التحتية الإنسانية والمادية – أعادت القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام العالمي.. وأيقظت وجدان الأمة وروحها الواحدة.. وحركت كوامن العزة والكرامة والانتصار.. تلك الحرب التي سجلت للشعب الفلسطيني وللمقاومة العظيمة أسطورة صمود جديدة ولتسجل في التاريخ كأول حرب حقيقية ينتصر فيها شعب أعزل أنهكه الحصار الخانق.. ولكنه فاجأ العالم بأنه مدجج بمقاومته.. وإرادته وطاقته الإيمانية الخارقة التي تفوقت على آلة التدمير الصهيو – نازية – الأمريكية المجرمة.. مما أجبر العدو على وقف “إطلاق النار من طرف واحد” ويولي منسحباً خلال أيام ثلاثة فقط.
وإن كان قوام حرب المحرقة مليون كيلو غرام من المتفجرات.. وما لا يقل عن 2500 غارة فإن حرب التشويه الراهنة قوامها ملايين الأفخاخ والألغام السياسية والفكرية والمؤامرت والدسائس التي تحاك في أقبية الانكسار والهزائم والانهزامية.
وإن كانت حرب المحرقة قد أعادت للقضية الفلسطينية وهجها ومركزيتها.. وأعادت المقاومة إلى قلوب الأمة وأحرار العالم.. وفرضت على المشهد الدولي متغيرات جديدة.. فإن من شأن حرب التشويه إطفاء كل هذه المنجزات التي تعمدت بشلال من دماء غزة الطاهرة.
وإذا كانت حرب المحرقة خلفت دماراً هائلاً لكافة البنى التحتية وشردت آلاف الغزيين فإن هذه حرب التشويه مهمتها إشغال الحكومة في غزة، وتعطيلها عن واجباتها في إغاثة المنكوبين وإيوائهم.. والالتفات إلى الخدمات الصحية والتعليمية والتموينية وباقي الشؤون الإدارية الحيوية في إعادة عجلة الحياة.. وقبل كل شيء إشغالها عن إعادة النظام والأمن اللذين كانا باكورة استهدافات العدو في حرب المحرقة.. ناهيك عن أهمية الالتفات إلى قضايا الأسعار والتلاعب بها.. والاحتكار والمحتكرين الذين يعتاشون – في العادة – على الفوضى والحروب.
لقد كشفت هذه الحرب في ما كشفته حجم الاختراقات الأخلاقية والثقافية والأمنية والسياسية للشخصية العربية كما كشفت حقيقة المتاهة التي علق فيه الكثيرون من شخصياتنا وأنظمتنا.. حين يصدرون عن ثقافة الهزيمة حيث ممنوع على أمتنا الانتصار.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...