الخميس 08/مايو/2025

غزة.. الفرقاطة الفرنسية وأمور أخرى

غزة.. الفرقاطة الفرنسية وأمور أخرى

صحيفة العرب القطرية

ما حدث في غزة خلال أيام المحرقة يشكل مادة خصبة للدراسات واستنباط العبر وتأطير المفاهيم. وعلى الرغم من أن الحرب لم تتوقف وإن صمتت المدافع وتوقفت القذائف، فهي مستمرة بأساليب متعددة بعد فشل الخيار العسكري. حرب تستهدف الفكر المقاوم، وكل مسعى للاستقلال بالقرار السياسي والخروج عن القواعد الحالية والتي أسست على الظلم والإجحاف، وهو هدف تتشارك في السعي لتحقيقه مع الاحتلال دول غربية كثيرة. هذه بعض من المواقف والتداعيات والتي يمكن رصدها في مرحلة ما بعد المحرقة والتي تستحق منا التوقف عندها.   

طلب الادعاء الإسرائيلي العام، مناحيم مازوز، من وسائل الإعلام الإسرائيلية الامتناع عن الكشف عن أسماء القادة العسكريين الذين شاركوا في الهجوم على غزة، وطلب من الضباط والمسؤولين الذين شاركوا في الهجمات ويرغبون في السفر أن يستفسروا عن وضعهم لدى القضاء العام. فما يثير قلق السلطات الإسرائيلية هو أن دولاً أوروبية وقعت على اتفاقيات جنيف التي تسمح لمحاكمها باعتقال الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب في دول أخرى، مما قد يستغل في تحريك تهم ضد الإسرائيليين. وبالرغم من الانتهاكات الإسرائيلية موثقة وفاقعة، فقد تم تجاهلها غربياً على المستوى الرسمي. كما إن مقارنة لمواقف الغرب من دارفور ومن قطاع غزة تفضح نفاقاً يثير الاشمئزاز.

وبعد أن توقفت الحمم الصهيونية وظهر حجم الخراب والذي قال عنه بان مون أنه يحطم القلب، تحرك قادة دول أوربية من شرم الشيخ ل”إسرائيل”، لا ليلوموها على إجرامها ومجازرها بل ليجددوا دعمهم لها والوقوف بجانبها. أما ساركوزي والذي كان يرفع في برنامجه الانتخابي شعار دبلوماسية القيم والدفاع عن حقوق الإنسان، فإنه وعوض أن يمد القطاع المنكوب بالمساعدات الإنسانية العاجلة أرسل فرقاطة حاملة مروحيات لتجول المياه الدولية قبالة القطاع للمشاركة في إحكام الحصار عليه.

الحديث عن تهريب الأسلحة للقطاع والمشاركة الدولية الضخمة في مواجهته، يثير مزيجاً من السخرية والتعجب. فحماس المحاصرة وأسلحتها البسيطة تقض مضاجع “إسرائيل” وحلفائها، فيما تعقد الدول الغربية صفقات تسلح مع حكومات عربية بمليارات الدولارات. أليس مثيراً للاستغراب أن الدول العربية برغم جيوشها وعتادها تشتكي من الخلل في موازيين القوى مع الدولة العبرية، في حين أن المقاومة على محدودية إمكاناتها استطاعت أن تقيم شيئاً من توازن الرعب مع الاحتلال؟ وإن كان وارداً أن منع وصول السلاح لغزة هو غطاء لتدويل شواطئ المنطقة، وهو يلتقي مع مساعي تدويل البحر الأحمر بحجة القرصنة، والخليج العربي بذريعة التهديدات الإيرانية لإحكام السيطرة على المنطقة المهمة استراتيجياً.

من الأمور المثيرة للسخرية هو أن المصالحة الفلسطينية -والتي كانت ممنوعة بفيتو أمريكي وإسرائيلي كما قال عمرو موسى في مؤتمر برلين- أصبحت مطلباً دولياً وعربياً ومصرياً. فقرار مجلس الأمن 1860 والذي صدر بعد فشلت “إسرائيل” في حسم معركة غزة عسكرياً نص في أحد بنوده على تشجيع “اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق المصالحة بين الجماعات الفلسطينية بما في ذلك المساعي المصرية وتلك التي تبذلها الجامعة العربية في هذا الصدد”. هذا الحرص يهدف لمحاصرة المقاومة واختراقها وتكبيلها بقيود المصالحة المزعومة. فحديث المصالحة ظاهره الرحمة وباطنه السوء، وهو واحد من الأدوات التي تهدف لإنهاء المقاومة وتفكيكها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات