غزة أمل من قلب الألم

صحيفة الشرق القطرية
كثيرون ممن لا يشك في صدق نواياهم رأوا فيها ألماً ممضاً، وبقوا يراوحون في مساحة المأساة التي حلت بها، وصور الفظائع التي تعرضت لها، دون أن يغادروها حزناً وكمداً، وآخرون ممن يغمزون بطرف خفي لم يكن لهم من هم سوى التركيز على المصاب الذي حل بالمدنيين العزل بسبب جرائم الاحتلال الصهيوني التي صبت على غزة، وهم يرون أن ما حدث لم يكن سوى مغامرة غير محسوبة العواقب، أو تحميل للأمة وأهل فلسطين مالا تطيق أو يطيقون.
وثمة صنف نرجو أن نكون ممن يسير في ركابهم رأى في ما تعرضت له غزة أملاً جديداً في حياة الأمة، لأن الدعوات والأفكار والقضايا العادلة لم تنتصر دون تقديم التضحيات وإرخاص المهج والنفوس لتحيا وتنتصر في نهاية المطاف.
لا أحد ينكر حجم المأساة، والبلاء الذي حلّ بالمدنيين من أهل غزة الذين صمدوا في وجه أعتى هجمة بربرية صهيونية نساء وأطفالاً وشيوخاً ورجالاً، ولكن لا بد أن ننظر إلى الجوانب الإيجابية التي أسرج نورها وضياؤها من دماء الضحايا الأبرياء، والمقاومين الشجعان الذين صمدوا وذادوا عن حمى ديارهم وأوطانهم وأرضهم وأهليهم، بل عن حمى الأمة بكاملها، فلكل مصيبة أو محنة جوانب مؤلمة وأخرى تبعث على الأمل.
فقد يبعث الرسوب أو الفشل في النفس الإصرار والعزيمة على التحدي والتميز والانطلاق من جديد نحو قمم التفوق وبهمة أكبر، وكثير من الرواد المتميزين في المجالات المختلفة لم يحفروا اسما مخلداً في التاريخ إلا بعد محنة وألم ومعاناة.
وعلى الذين لا يبرحون الوقوف على أطلال ما حل بغزة من جراح وآلام أن يتطلعوا إلى أفق الأمل، خصوصاً أننا أمة نؤجر على ما يحل بها من مصائب ونكبات طالما أن بوصلة تحركها تتوجه باتجاه مرضاة الله ونصرة الحق واستعادة الحقوق المسلوبة.
في الجانب الآخر للمجزرة التي تعرض لها القطاع وللأرواح التي أزهقت فيه ظلماً وعدواناً وللدماء الطاهرة التي سالت على جنباته انتصارات كثيرة باتت منظورة عشنا بعض تفاصيلها، وأخرى تنتظر التبرعم لترسم لوحة خضراء في صحراء هذه الأمة عما قريب، ولعل أهم هذه الجوانب المشرقة المنبثقة من رحم المأساة ما يلي:
ـ أنها أظهرت أن قضية فلسطين والمقدسات حية ليس في ضمير الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والشتات بل لدى سائر الشعوب العربية والإسلامية، ولدى الكثيرين من أحرار العالم، وأظهرت أن قضية الفلسطينيين والحقوق السليبة لا يمكن أن تمحى بمرور السنين أو باتفاقيات التسوية الهزيلة، وأن ستة عقود لم تمنح المغتصب الصهيوني مكاناً طبيعياً وقبولاً بين دول وشعوب المنطقة.
ـ أظهرت للعالم بشاعة الجرائم الصهيونية وعدوانية الاحتلال في استهداف المدنيين وتدمير البنى التحتية، وقصف المدارس والمستشفيات والمساجد، ومقار المؤسسات الإنسانية، وهو ما سيفتح الباب واسعاً لمحاكمة جلاوزة المجزرة عاجلاً غير آجل.
ـ فضحت زيف القوة الردعية لجيش الاحتلال وأنهت أسطورة جيشه كقوة لا تقهر كما كان يزعم، فقد لقنته المقاومة دروساً في المواجهة وصد العدوان، وظهر ضعفه في عدم قدرته على وقف صواريخ المقاومة وعجزه عن دخول المناطق التي ذات الكثافة السكانية العالية.
ـ أحيت روح المقاومة للمحتلين في كل بيت من بيوت أمتنا، التي كانت مع التيار المجاهد في فلسطين دعماً ونصرة بالتظاهرات والدعاء والدعم بالمال والمساعدات وبكل جهد مستطاع، كم المساعدات تدفقت على غزة عبر معبر رفح، وكم من الأطباء تحركوا لتضميد جراحات إخوانهم، وكم تعلم الأطفال والكبار دروساً من أطفال غزة الصامدين الصابرين.
ـ عزلت الأنظمة التي ظهر بون شاسع بين موقف شعوبها وبين موقفها المتخاذل، وفضحت الأعذار التي كان يتعذر بها البعض من أجل عدم نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، والاستمرار في فرض الحصار عليه.
في مرحلة ما بعد الحرب ينبغي أن ننظر للمستقبل أن نقف مع المقاومة التي صمدت وتحدت المحتل، وهذا الوقوف يتمثل بمعركة إعادة البناء وتفعيل الطاقات والضغط بكافة السبل لكسر الحصار، يجب أن يعلم المحتل أن أهل غزة ينبغي ألا يسلموا لمصير مجهول، وأن كل بيت هدم ينبغي أن يعاد بناؤه، وأن كل طفل يتّم يجب أن تتم كفالته، وأن كل جريح ومصاب ينبغي أن تضمد جراحه، وأن يعود نبض الحياة لكل القطاع على نحو أفضل مما كان عليه قبل الحرب.
وينبغي على وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية أن تكشف عن جرائم المحتل ضد الإنسان والشجر والبيئة في غزة، وأن توثق هذه الجرائم وترفع دعاوى على كل الجناة.
وينبغي ـ والقائمة تطول ـ أن يتواصل التعاطف وتستمر النصرة ـ بعيداً عن التأثر اللحظي والآني ـ حتى تستعيد غزة حريتها وتفتح لها معابرها وأن تشعر أنها جزء حقيقي من جسد هذه الأمة لا تنفصل عنه.
هناك كثير من الأعمال تنتظر الخيرين والمثقفين والأحرار لإعادة الحياة إلى غزة ومن المهم أن تشمر السواعد، وتتضافر الجهود معاً حتى تعود البسمة إلى هذا الجزء الجريح من أراضينا المحتلة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

1500 مواطن فقدوا بصرهم جراء الإبادة في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن نحو 1500 مواطن فقدوا البصر جراء حرب الإبادة، و 4000 آخرون مهددون بفقدانه؛ مع نقص...

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...