الجمعة 09/مايو/2025

وقائع جديدة

وقائع جديدة

صحيفة الخليج الإماراتية

نهايات سعيدة حدثت جميعها في أسبوع واحد بل ربما في أقل من ذلك، توقف العدوان على غزة، وانسحب الجيش “الإسرائيلي” منها، وأعلنت المقاومة انتصارها، وانعقدت أربع قمم لدعم ومناصرة غزة ووقف الحرب عليها.. مصالحات عربية أحدثت انفراجات كبيرة وجعلت العرب يتنفسون الصعداء، وأخيراً مغادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش للبيت الأبيض غير مأسوف عليه وطي صفحة رئاسته المشؤومة ثم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الذي حظي بتعاطف وتأييد غير مسبوقين على مستوى بلاده والعالم كله. كل ذلك جرى في بضعة أيام بعد أوقات عصيبة مر بها العالم كله طوال عهد بوش عموماً وخلال الأسابيع الأربعة الأخيرة تحديداً التي شهدت واحدة من أبشع وأفظع حروب الإبادة وأكثرها وحشية في العقود الخمسة الأخيرة على الأقل، تلك الحرب التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة لتسجل خلالها عدداً مهولاً من الضحايا شهداء وجرحى على السواء وواحدة من أكبر عمليات تدمير المدن عبر التاريخ حيث تحولت العديد من أحياء مدن القطاع إلى أطلال!

بقدر الجراح التي عاشتها غزة وبقدر الآلام التي عاشها العرب والمسلمون طوال الأسابيع الماضية إلا أن صمود المقاومة وخروج القوات “الإسرائيلية” السريع من غزة أعاد الكثير من مشاعر العزة والفرحة والانتشاء إلى الأمة التي افتقدتها لسنوات وعقود طويلة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ لا ننكر أنها عاشت فرحة كبيرة بانتصارات حرب أكتوبر 1973م، ولا ننكر أنها عاشت فرحة كبيرة بالانسحاب الذليل للجيش “الإسرائيلي” من جنوب لبنان عام 2000م، ولا ننكر أنها شعرت بالكثير من الاعتزاز بالنفس عند هزيمة الجيش “الإسرائيلي” مجدداً في جنوب لبنان صيف عام 2006م، إلا أن انتصار غزة هو أول انتصار مباشر للقضية الفلسطينية في معركة من هذا النوع ومن هذا الحجم. حرب مباشرة وبهذا الكم من الأسلحة الفتاكة الذي وصل كما قيل إلى مليون طن من المتفجرات قذفت بها “إسرائيل” إلى مدينة لا تمتلك إلا أسلحة بدائية بل وبدائية جداً مقارنة بالمخزون المتطور جداً للجيش “الإسرائيلي”، ومع ذلك فقد صمد أهل غزة صموداً أقل ما يوصف به أنه أسطوري، وحققت فصائل المقاومة انتصاراً تاريخياً بصمودها ومواجهتها الشجاعة ببسالة نادرة لذلك الهجوم الوحشي من البر والبحر والجو، وبالفعل فإن (النصر صبر ساعة) وقد صبرت المقاومة كما لم يفعل أحد من قبل وأعادت للأمة كلها ولشعبها المضطهد المظلوم منذ أكثر من ستين عاماً الاعتبار الذي افتقدته منذ ذلك الحين وحتى لحظات النصر الكبير.

كما حدث تماماً في حرب صيف 2006م أعطت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الفرصة ل”إسرائيل” لتحقيق النصر وعندما لم تستطع هذه الأخيرة تحقيقه سارع من أعطوها الفرصة إلى إخراجها بماء الوجه عن طريق مجلس الأمن. وفي حرب غزة تكرر الأمر لكن حجم الضحايا وصورهم التي ملأت الفضائيات الغربية لأول مرة واستفزت العالم كله، وعجز الجيش “الإسرائيلي” عن تحقيق أهدافه التي خاض الحرب من أجلها كل ذلك جعل الغرب يبحث عن وسيلة لخروج “إسرائيل” من هذه الحرب بماء الوجه، وبالفعل ففي خلال 24 ساعة جاء سبعة من القادة الأوروبيين إلى القدس ليطلبوا من الحكومة “الإسرائيلية” سحب قواتها من غزة بعد أن كانت أوقفت إطلاق النار من جانب واحد استجابة – كما قالت – لطلب الرئيس المصري حسني مبارك، وهكذا خرجت “إسرائيل” من غزة تجر أذيال الخيبة ولتؤكد أن احتلالها القدس وغزة والضفة وسيناء والجولان قبل أكثر من أربعين عاماً خلال ستة أيام فقط لم تعد قادرة اليوم خلال واحد وعشرين يوماً من احتلال غزة وحدها، لتتغير بذلك الكثير من المفاهيم والموازين ولتعطي إشارة بأن عصراً جديداً على وشك أن يولد في المنطقة العربية.

وقد أدرك القادة العرب هذه المتغيرات فجاءوا إلى قمة الكويت الاقتصادية بأكبر عدد منهم بحثاً عن كيفية تجاوز الماضي المليء بالخلافات إلى حاضر أفضل يوازي النصر الذي تحقق لغزة، وعلى غير توقع جاءت المبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية بطي صفحة الخلافات السابقة وفتح صفحة جديدة أتبعها على الفور بلقاء أعاد لعلاقات بلاده مع سوريا صفاءها وجرى خلاله تصفية الخلافات المصرية مع سوريا وقطر، وعلى الأرجح لو كان الزعيم الليبي معمر القذافي موجوداً لطويت صفحة الخلاف السعودي الليبي وهي على كل حال ستكون مسألة وقت بالتأكيد. وعلى قدر الأهمية البالغة للمضمون الاقتصادي والتنموي والاجتماعي لقمة الكويت إلا أن الإنجاز السياسي الذي تحقق خلالها هو كبير بكل المقاييس حتى وإن بقيت بعض الخلافات على بعض التفاصيل… ولعل القمة العربية الدورية التي ستعقد في العاصمة القطرية الدوحة في شهر مارس/آذار المقبل ستتكفل بمعالجة ما تبقى من آثار الخلافات السابقة وتضع – كما هو متوقع – رؤية إستراتيجية للتعامل مع الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة والتي وجه رئيسها الجديد باراك أوباما في خطاب القسم الذي ألقاه الثلاثاء الماضي رسالة مودة للعالم الإسلامي يجب تلقفها بجدية والتعاطي معها بالكثير من المسؤولية، وبالقدر نفسه تضع رؤية أخرى لمواجهة تداعيات وصول زعيم الليكود المتطرف (بنيامين نتانياهو) إلى الحكم في “إسرائيل” كما هو متوقع.

طويت صفحة حرب غزة، وطويت صفحة الرئيس بوش، وقريباً ستطوى صفحة الحكومة “الإسرائيلية” الحالية، وطويت صفحة الخلافات العربية، ونرجو أن تطوى قريباً صفحة الخلافات الفلسطينية ليكون الفلسطينيون قادرين في المرحلة المقبلة على مواجهة متطلبات وصول الليكود إلى الحكم في “إسرائيل” كما هو متوقع، فوحدة الصف الفلسطيني ستقوي الموقف العربي، وعلى كل حال فالأيام المقبلة ستكون حبلى بالمتغيرات التي قد يرقى بعضها إلى مستوى المفاجآت التي قد تعيد رسم الكثير من الخرائط السياسية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...