الأربعاء 07/مايو/2025

تركيا تتصالح مع تاريخها

تركيا تتصالح مع تاريخها

صحيفة الشرق القطرية

انتهت الحرب العسكرية على غزة وانسحبت القوات الإسرائيلية المعتدية بعدما خلفت دماراً واسعاً وأكثر من 1300 شهيد و6000 جريح.

انتهت الحرب، مبدئياً، وسط إجماع على أن “إسرائيل” لم تحقق أي هدف من أهدافها لا العسكرية ولا السياسية ولا سيما احتلال غزة وكسر شوكة المقاومة وشطب حماس من المعادلات المختلفة. وحين لا يحقق العدو أهدافه يكون انتصاراً للمقاومة رغم الكلفة العالية التي دفعتها غزة وهي ضريبة الحفاظ على شرف الأمة وكرامتها التي دفعتها من قبل المقاومة في لبنان في تموز/يوليو 2006.

حفل العدوان على غزة بالكثير من الظاهرات والعبر. لكن سيبقى علامة فارقة الدور التركي أثناء الأحداث والذي فاجأ الجميع أو العدد الأكبر من المراقبين. يتساوى في ذلك الداخل التركي أو العالم العربي والعالم عموماً.

لقد بان الدور التركي جلياً من خلال انسجام الموقف الرسمي والشعبي من النظرة إلى العدوان.

فعلى امتداد الحرب لم يمر يوم دون تصريح مندد بالعدوان ومدافع عن غزة من جانب رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وصل إلى حد المطالبة بمنع “إسرائيل” من دخول الأمم المتحدة. ووصل بوزير العدل محمد علي شاهين إلى وصف “إسرائيل” بالمحرض الأول على الإرهاب العالمي. ورفض أردوغان الرد على مكالمات أيهود أولمرت كما رفض وزير الخارجية علي باباجان استقبال وزيرة خارجية العدو تسيبي ليفني. كان الموقف الرسمي موحداً. الرئيس غول ندد بالعدوان ومجلس الأمن القومي التركي طالب بوقف فوري للعدوان.

وعلى صعيد المعارضة كانت المواقف مشابهة امتدت من زعيم الحركة القومية اليميني دولت باهتشلي الذي اتهم الغرب بالازدواجية وصولاً إلى حزب السعادة الإسلامي الذي طالب أردوغان بخطوات أكبر ضد ًإسرائيل” مثل قطع العلاقات.

أما على الصعيد الشعبي فكان المشهد مؤثراً إذ تحركت كل التيارات والقطاعات التركية من شرق تركيا إلى غربها ومن أتراكها إلى أكرادها انتصاراً للشعب الفلسطيني وأشعروا الإسرائيليين عبر سفارتهم في أنقرة وقنصليتهم في اسطنبول أنهم أمة منبوذة من التاريخ ولا تمت بصلة إلى القيم الإنسانية.

وعلى الصعيد الإعلامي لم يتأخر أحد في الكتابة نصرة لفلسطين وتفنيداً لمزاعم شعب الله المختار. أما القلة من الأقلام المعروفة بولائها للوبيات الصهيونية والتي تريد لتركيا أن تبقى إسرائيلية الهوى فأمرهم بات مكشوفاً عندما ينحازون إلى المستعمر والجزار على حساب كرامة وطنهم الأم تركيا وباتوا لا يؤثرون على ذكاء الشعب التركي.

وعلى الصعيد العملي كانت تركيا أولى الدول التي سعت إلى وقف مذبحة غزة وسعت حثيثة إلى محاولة رأب الصدع العربي، المدخل إلى موازنة الغطرسة الصهيونية. وكان لتركيا دور مهم في التوصل إلى اتفاق وقف النار من خلال إقناع حماس به وبالتالي إراحة الوضع بعض الشيء.

لقد كانت تركيا وفية لقيمها ومنحت بذلك دورها الوسيط مزيداً من القوة الأخلاقية لا كما يزعم البعض أنها فقدت هذا الدور بمواقفها المنحازة إلى الطرف الفلسطيني.

لقد دخلت تركيا، بهذا الموقف، إلى قلوب المسلمين والشارع العربي وكل محبي القيم الإنسانية. فاكتسبت تركيا للمرة الأولى بُعداً جديداً رآه كل العالم. لذا ليس من العيب أن ترفع صورة أردوغان إلى جانب صورة هوغو شافيز في لحظة كانت أجساد أطفال غزة ونسائها الممزقة والمحروقة بالقنابل الفسفورية تنام راضية مرضية مطمئنة من مواقف هؤلاء القادة الذين أظهروا أنه لا يزال في هذا العالم ما يستحق الحياة، كما كتب مرة الشاعر الفلسطيني العظيم محمود درويش.

اليوم خرجت تركيا بالصورة التي يريدها كل أحرار العالم والتي تعيد التصالح مع نفسها ومع تاريخها ومع محيطها، بعدما خطفها لعقود مبيدو الهنود الحمر في أميركا وجزّارو صبرا وشاتيلا وقانا وجنين وغزة في الكيان الإسرائيلي العنصري والإرهابي.

وكما انطلقت حملة التصالح المعنوي مع الأرمن من خلال حملة الاعتذار من الأرمن على “الكارثة الكبرى” التي أصابتهم عام 1915، ها هي تركيا تكمل وجهها الحقيقي بموقفها المشرّف من مأساة غزة.

وليس من شك أن هذه الذهنية الإنسانية ستواصل-ولو أخذ ذلك بعض الوقت، الانتشار- لتطول أيضاً العلاقة مع الأكراد وكل “الآخرين ” في الداخل التركي.

وإذا كان البعض يجد من تأخر في بعض المجالات على هذا الصعيد إلا أنه ليس بالأمر المقلق. المهم أن القافلة تسير في الطريق الصحيح على أمل اكتمالها لنكون بالفعل “خير أمة أخرجت للناس”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

20 شهيدا وعشرات الجرحى بمجزرة مروعة وسط غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مجزرة مروعة بحق النازحين، عقب قصف الطيران الحربي لمدرسة تُؤوي...