السبت 10/مايو/2025

كيف ربحت «حماس» معركتها السياسية؟

كيف ربحت «حماس» معركتها السياسية؟

صحيفة الحياة اللندنية

فور إعلان «حماس» وقف إطلاق النار، بادر أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، إلى تهنئة الشعب الفلسطيني «بالانتصار الذي حققه في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم في قطاع غزة».

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد أعربت عن موقفها يوم السبت الماضي، بالاعتراف أن فشل الهجوم الإسرائيلي في كسر إرادة «حماس» يعتبر انتصاراً للمقاومة الفلسطينية، خصوصاً أن التظاهرة الشعبية التي ملأت شوارع غزة يوم الثلثاء الماضي، جددت تصميم المئات من رافعي أعلام «حماس» و«الجهاد الإسلامي» على استئناف القتال. وكانت هذه التظاهرة التي شارك فيها أنسباء وأصدقاء 1300 قتيل بينهم 400 طفل وامرأة، بمثابة دليل قاطع على تأكيد قيادة «حماس» والاعتراف بسلطتها.

المحللون العسكريون في الصحف الغربية يميلون إلى الاعتقاد بأن الانسحاب المفاجئ للقوات الإسرائيلية يخفي وراءه اعترافاً غير معلن بفشل عملية «الرصاص المسكوب»، والسبب أن الدبابات التي طوقت مدينة غزة لمدة أسبوعين تقريباً، لم تحدث الذعر الجماعي المطلوب لاستسلام عشرين ألف فدائي كانوا ينتظرون العمليات الاستشهادية. وقد اعترض وزير الدفاع إيهود باراك على «تدخل وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي حصرت مطالبها بضرورة اكتشاف مخبأ الجندي المخطوف جلعاد شاليط وتحريره من الأسر، وكانت بالطبع تتمنى الظفر بهذه «الجائزة» كي توظفها في الحملة الانتخابية المقبلة».

يدعي إيهود أولمرت أن أعضاء المجلس الأمني المصغر اتفقوا على سحب القوات يوم الأحد الماضي، من أجل منح الرئيس الأميركي الجديد فرصة التدخل قبل تنفيذ الخطة العسكرية المتفق عليها. وكانت الخطة تقضي بتدمير منشآت «حماس» ومصادرة معداتها وملاحقة مقاتليها بحيث تتم تصفية المنظمة كقوة مسلحة وإبعادها عن الحكم. والثابت أن هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر اصطدمت بممانعة بعض الضباط الذين اتخذوا من حرب لبنان 2006 حجة للتشكيك بنجاحها داخل الأزقة المكتظة بالسكان. لذلك وجدت الحكومة في موعد تنصيب أوباما فرصة مناسبة للتخلي عن خطتها المكلفة لعل الرئيس الجديد يستبدلها بخطة ديبلوماسية تفرض التهدئة، خصوصاً أنه أعطى “إسرائيل” الحق في الدفاع عن سيادتها وأمنها يوم زار المنطقة لمدة 36 ساعة التقى خلالها شمعون بيريز وإيهود أولمرت وتسيبي ليفني وإيهود باراك. وقد عاتبه في حينه محمود عباس وسلام فياض لأن زيارته للضفة الغربية لم تستغرق أكثر من ساعة واحدة. علماً بأنه وعدهما بتجديد دور الشريك في عملية السلام، وبأنه لن يبدأ من نقطة الصفر. ولكنه برر للإسرائيليين حق الرد على صواريخ «حماس»، معتبراً أن الذي يروع ابنتيه بالقذائف القاتلة لا يجوز أن يقابل باللامبالاة!

تحت عنوان «نجاح حماس» كتب تسفي برئيل في صحيفة «هآرتس» مقالة شدد فيها على إظهار السلبيات التي أنتجتها سياسة العنف المدمر في غزة. وعدد المعلق سلسلة الخسائر التي مني بها الجانب الإسرائيلي، مؤكداً أن أولمرت خسر تركيا، البلد المحايد الذي عبّد الطريق لاستئناف المفاوضات حول الجولان.

وكان رئيس وزراء “إسرائيل” قد زار أنقرة قبل مدة قصيرة من الغارات الجوية على غزة، حاملاً لأردوغان عرضاً بضرورة الانتقال إلى المحادثات المباشرة مع سورية.

وهكذا اكتشف أردوغان أن العرض لم يكن أكثر من خدعة لتطمين سورية و«حزب الله» و«حماس» إلى رغبة “إسرائيل” في التهدئة. وكان من الطبيعي أن يرفض أردوغان الرد على مكالمته الهاتفية، تاركاً لوزير العدل مهمة إعلان تجميد نشاطات السفير الإسرائيلي. وكان من نتائج هذا الخلاف أن هدد الشارع التركي الهائج فريق كرة السلة الإسرائيلي، الأمر الذي فرض على حكومة أولمرت وقف الرحلات السياحية إلى اسطنبول.

ولأول مرة يحذر الأردن رسمياً من عواقب الإرهاب الإسرائيلي، بدليل أن رئيس الوزراء نادر الذهبي ألقى خطاباً في البرلمان لمح فيه إلى احتمال إعادة النظر في العلاقات إذا استمرت حملة التنكيل بسكان غزة.

ومع أن قطر تقف سياسياً في محور الرفض مثل إيران وسورية، إلا أنها ديبلوماسياً مسجلة على محور الاعتدال بسبب الممثلية التجارية التي تركتها قائمة في الدوحة. ولكن الشيخ حمد بن خليفة أعلن من قمة الكويت، عن تجميدها بانتظار ما تسفر عنه الأحداث.

وبعد أن وصف برئيل دولته بأنها المصدرة الأولى للإرهاب في العالم، اعترف بأن مغامرتها العسكرية فرضت على تركيا تجميد علاقاتها والانتقال من موقع الاعتدال إلى موقع الخصومة. كذلك توقع من قطر وقف وساطتها مع «حزب الله» و«حماس». وفي المحصلة النهائية رأى أن تداعيات الهجوم على غزة أبعد عنها مصر والأردن، الدولتين اللتين ترتبطان معها باتفاقات سلام. كما أبعدت الشريك الفلسطيني محمود عباس الذي تخلى عن اعتداله وطالب بحكومة وفاق وطني تضم كل الفصائل بما فيها «حماس».

واستناداً إلى هذه المتغيرات، فإن «حماس» تكون قد ربحت سياسياً من الحملة العسكرية الإسرائيلية، شرط أن توظفها لكسب مزيد من الصداقات الإقليمية والدولية، خصوصاً أنها متهمة بإقحام القضية الفلسطينية في صراع النفوذ على الشرق الأوسط، بطريقة جعلت القضية التي تمثلها طرفاً لمحور معين. ومثل هذا الخطأ اقترفه ياسر عرفات في حرب الخليج الثانية، الأمر الذي دفع الكويتيين إلى طرد أكثر من ثلاثمئة ألف فلسطيني.

كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت، شكلت مفاجأة غير متوقعة حتى لكبار المسؤولين في الخارجية السعودية. وقد قرأ فيها أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، رسالة سياسية توافقية دعا للالتزام بمضمونها باعتبارها تمثل الروحية التي تأسس بموجبها دستور الجامعة. كذلك قوبلت بالارتياح في الأوساط السياسية اللبنانية لأنها تلتقي مع معادلة التقارب والتوازن التي حددها رئيس المجلس نبيه بري بقاعدة «س – س» أي باختصارها في أول حرفين من «سورية – سعودية». وذلك بهدف إحياء المعادلة التي أطلقت في مؤتمر الإسكندرية من قبل: السعودية وسورية ومصر.

وقد ركز العاهل السعودي في كلمته على القول إن مبادرة السلام العربية – أي مبادرته – لن تبقى على الطاولة إلى الأبد. واعتبر هذا التهديد بمثابة رسالة سياسية للدول المعنية بموضوع السلام – وفي مقدمها الولايات المتحدة – كأنه يعطي الفرصة الأخيرة للإدارة الأميركية الجديدة.

وفي مناشدته زعماء الدول العربية، جدد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الدعوة لنبذ الخلافات العربية – العربية، لعل الموقف الموحد يشكل سلاح المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي. وكان بهذه المفاجأة يكرر مفاجأة أخيه المغفور له الملك فيصل، الذي أعطى قمة الخرطوم، الدعم المعنوي والمادي الذي يحتاجه الرئيس عبدالناصر للخروج من حال الإحباط التي سببتها نكسة 1967. ومع أن المقارنة بين حرب 1967 وحرب غزة 2009 غير متجانسة في حجم الخسارة وآثارها السلبية، إلا أن قمة الكويت، أثبتت مرة أخرى أن الخلافات الجانبية تتضاءل أمام الموقف المركزي الممثل بتكامل المواقف تجاه العدو الإسرائيلي المشترك. وهذا ما عبّر عنه السفير عبدالعزيز خوجه الذي رأى في مبادرة التصافي ونبذ الخلافات استنهاضاً لإظهار قدرة الموقف العربي الموحد.

أجمع المراسلون في قمة الكويت على القول، إن الرئيس حسني مبارك وجد الفرصة السانحة للرد شخصياً على كل الاتهامات التي وجهت إليه قبل أحداث غزة، وخلال المعارك، وبعد وقف إطلاق النار. وحمل على مروجي الشعارات الجوفاء، معتبراً أن مصر حملت القضية الفلسطينية في السلم والحرب، طوال ستين سنة. وانتقد دور إيران من دون أن يسميها، وأدوار الدول العربية «التي تسمح باستغلال مأساة غزة لاختراق عالمنا العربي بقوى من خارجه تتطلع للهيمنة وبسط النفوذ وتتاجر بأرواح الفلسطينيين ودمائهم».

وكان بهذا الانتقاد يؤشر إلى سورية وقطر باعتبارهما من الدول العربية المساندة لدور إيران في المنطقة.

وفي ضوء ما أعلن من خطب كانت مضامينها أقوى من القنابل، إرتأت لجنة صوغ البيان الختامي الاكتفاء بمهاجمة “إسرائيل”، والابتعاد عن كل الأمور الحساسة التي تزيد عوامل التفرقة والتشرذم. ولكن «صمت» البيان الختامي لم يسكت الصحف المصرية التي تناوبت على مهاجمة المشككين بدور مصر، خصوصاً أن الرئيس مبارك عرف كيف يستغل الهجوم عليه لتحويله إلى هجوم ضد مصر، الدولة والشعب. واعترف بعضها أن القاهرة تدخلت ثلاث مرات لمنع “إسرائيل” من ضم غزة إليها. ولم يخف بعض المعلقين رغبة مصر في رعاية المسيرة السياسية في الشرق الأوسط، بدلاً من أن تكون تحت رعاية سورية – إيرانية. وكان لافتاً التذكير بأن المداخلات الخارجية أجهضت دور مصر في لبنان، مثلما أجهضته في غزة. وأجمعت صحف الموالاة على القول بأن مجزرة غزة، وقعت لأن «حماس» أصغت إلى نصائح سورية وإيران بدلاً من أن تصغي إلى نصح الدولة المصرية التي كلفت رئيس الاستخبارات عمر سليمان بتحذير قيادة «حماس» في دمشق من مغبة إطلاق الصواريخ.

جميع هذه السيناريوهات الخارجية والداخلية لن تمنع الرئيس مبارك من القيام بدور الوصي العربي على مشكلة المعابر في غزة، خصوصاً أن وضع مصر الجغرافي لا يختلف كثيراً عن وضع سورية بالنسبة للحدود اللبنانية. ويقول المسؤولون في القاهرة إن الحكم في غزة حالياً مفرغ حتى من سلطة «حماس»، وأن دور مصر يستدعي القيام بمهمة ملء الفراغ، ولو على الصعيد الإنساني. لذلك تنتظر الحكومة المصرية نتائج الانتخابات الإسرائيلية (10 شباط/ فبراير) كي تقرر في ضوء نتائجها حجم التدخل والنفوذ الفاعل. وهي تخشى من نجاح بنيامين نتانياهو الداعي إلى إعادة احتلال غزة، لأن حملة الثلاثي: أولمرت – باراك – ليفني، لم تحقق أهدافها العسكرية أو السياسية، وإنما أفسحت المجال بالانسحاب المرتجل، لعودة «حماس» إلى حكم القطاع!

* كاتب وصحافي لبناني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات