خطة أوباما في الشرق الأوسط غير واضحة

صحيفة الحياة اللندنية
فاجأ باراك أوباما العالم العربي باتصاله برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليؤكد له الرغبة «في العمل معه كشركاء بهدف قيام سلام دائم» في الشرق الأوسط. وقام نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئيس الفلسطيني، بنقل هذا النبأ الطيب إلى وسائل الإعلام. ونقل عن أوباما قوله: «هذا أول اتصال أجريه مع مسؤول أجنبي بعد ساعات قليلة على تولي المنصب».
هذه البادرة التي لم تكن منتظرة ستساهم بقدر كبير في رفع المعنويات في العالمين العربي والإسلامي. فالفلسطينيون عانوا كثيراً من الدعم غير المحدود، والذي لم يرافقه أي انتقاد، الذي قدمته إدارة بوش ل”إسرائيل” طوال السنوات الثماني الماضية. وفي الضفة الغربية استمرت “إسرائيل” ببناء المستوطنات غير الشرعية على الأرض الفلسطينية، فيما عانى قطاع غزة، المكتظ بالسكان، من حرب طاحنة على مدى ثلاثة أسابيع، أودت بحياة أكثر من 1300 شخص من المدنيين وجرحت خمسة آلاف ودمرت جزءاً كبيراً من البنية التحتية.
وهكذا كانت خيبة الأمل كبيرة عندما اغفل أوباما الإشارة إلى الصراع العربي الإسرائيلي في الخطاب الذي ألقاه بعد تنصيبه، مع أن هذا الصراع هو في قلب خلاف العرب والمسلمين مع السياسة الأميركية. كما أنه لم يتطرق إلى الحرب على غزة التي شدت اهتمام العالم وقلقه. وبدا من خطاب أوباما وكأن هذه الحرب لم تقع.
ولا شك أن خطاب التنصيب كان بالنسبة إلى الأميركيين بمثابة الدفع المعنوي الذي يحتاجون إليه. إلا أنه بالنسبة إلى العديد خارج الولايات المتحدة، كان مخيّباً للآمال. ففي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، بدا الخطاب ضعيفاً، إذ لم يحدد أي جدول أعمال واضح. حتّى الأسلوب المستخدم في الخطاب، بدا متكلفاً ومبتذلاً، ولم يتضمّن أي جملة بارزة تحفظها الذاكرة. لم يكن أوباما في أوج تألقه الخطابي.
ذكر جملة واحدة عن الانسحاب من العراق وأخرى عن «التوصل إلى سلام مُستحقّ في أفغانستان» بغض النظر عن معنى ذلك. وأشار إشارةً مبهمة إلى «السعي للمضي قدماً مع العالم الإسلامي» على أساس «المصالح المشتركة والاحترام المتبادل»، ووعد في تلميح مبطن إلى إيران بأن تعمل الولايات المتحدة مع «أصدقائها وأعدائها السابقين» لتقليص الخطر النووي.
يتعارض خطاب أوباما، الذي كان واعظاً أكثر منه جوهرياً، بشكل لافت مع الخطاب الذي ألقاه قبل يوم منه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، عندما وقف أمام مشهد الدخان المتصاعد من ركام المقر الرئيسي والمستودع التابعين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة. دان بأن قصف “إسرائيل” لهذه المنشآت معتبراً هذا التصرف «مشيناً» و«غير مقبول». وطالب مساءلتها في جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبتها. وفي حال تأثّر جلية، حثّ الفلسطينيين على التوحّد بغية التوصل إلى تحقيق حلمهم في إنشاء دولتهم الخاصة، وقد تعهّد ببذل قصارى جهوده للترويج لذلك.
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأربعاء أن أوباما سيعيّن السيناتور السابق جورج ميتشيل، البالغ من العمر خمسة وسبعين عاماً، مبعوثاً له إلى منطقة الشرق الأوسط، في تلميح خاص إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. ميتشيل من أصل أيرلندي لبناني، معروف بنزاهته، وقد ساهم في التفاوض على اتفاق الجمعة العظيمة في أيرلندا الشمالية، الذي مهد الطريق أمام إحلال السلام في هذا الإقليم.
غير أن ميتشيل يحتاج ليتمكن من اختراق جدار الأزمة في الشرق الأوسط إلى دعم قوي من البيت الأبيض. ويشير اتصال أوباما مع محمود عباس إلى أن ميتشيل قد يحصل على هذا الدعم. مع أنه كانت للعرب أسبابهم الكثيرة للشعور بخيبات الأمل من الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض ونادراً ما أبدوا رغبة في مواجهة الكونغرس الموالي ل”إسرائيل” أو تحدي مجموعات الضغط الإسرائيلية بمختلف أشكالها، من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، التي حددت سياسة أميركا إزاء الشرق الأوسط في عهد بوش.
لكن أوباما يعرف الوقائع جيداً. فخلال المراحل الأولى من حملته الانتخابية، كان جريئاً بما فيه الكفاية ليصرّح بأن أحداً لم يعاني كما عانى الفلسطينيون. وأضاف حينها أنه يمكن دعم “إسرائيل” من دون تبني سياسات حزب «الليكود» التوسعية. وفي العام 2003، عارض الحرب على العراق، وانتقد بشدة مسؤولين موالين ل”إسرائيل” أمثال بول وولفوفيتز، الذي مارس ضغوطاً كبيرة للإطاحة بصدام حسين.
لم يأتِ على ذكر أي من هذه المشاعر في خطاب التنصيب. وعوضاً عن ذلك، حذّر بالقول إن أميركا في حالة حرب مع «شبكة واسعة النطاق من العنف والكره». وبالنسبة إلى العرب والمسلمين بدا ذلك وكأنه إعادة صياغة لحرب جورج بوش الابن العالمية والمخزية على الإرهاب، مما يثير المخاوف من أن أوباما لن يمارس هنا سياسة مختلفة كثيراً عن الماضي.
ومن غير الواضح بعد كيف سيفي أوباما بالوعد الذي أطلقه في بداية حملته الانتخابية بالسفر إلى بلد إسلامي كبير في الأيام المئة التي تلي توليه الرئاسة، بغية التأكيد على أن «أميركا ليست في حال حرب مع الإسلام». وتسري أخبار في واشنطن مفادها أن جاكارتا ستكون المكان الذي اختاره أوباما لإنجاز مهمته هذه. فإندونيسيا هي بلد بغالبية مسلمة، ولكنه ليس بلداً عربياً. إنه المكان الذي ترعرع فيه أوباما بين عام 1967 وعام 1971. وبذهابه إلى جاكارتا، يأمل أوباما بالتخفيف من العداء بين المسلمين والولايات المتحدة، لكن من دون إثارة معارضة “إسرائيل” وداعميها.
لكن الأقوال وحدها لن تكفي. ولكي يكون لرسالة أوباما أي مغزى، يجب أن ينتقل من الأقوال إلى الأفعال. فقد أثارت المجزرة التي ارتُكبت في غزة غضباً عارماً في الأوساط العربية والإسلامية وتسببت بالهول في معظم أنحاء العالم. وفي حال يرغب أوباما في استعادة أميركا لموقعها القيادي وفي إخماد نار التطرف العربي والإسلامي يجب أن يوضح أن أميركا لن تسمح بعد الآن بالحروب التي تشنها “إسرائيل” وبالقمع الوحشي الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني الذي تحاصره.
وباتصاله بمحمود عباس يكون أوباما قد وجّه إشارة قوية إلى رغبته الجادة في حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. وبعض المراقبين يأمل بأكثر من ذلك. ويريدون منه إعلان موقف، قبل الانتخابات الإسرائيلية في 10 شباط (فبراير)، بأنه سيعمل على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون القدس الشرقية عاصمتها.
وحده إعلان جريء مماثل من البيت الأبيض يمكنه كبح جماح المستوطنين المتشددين في “إسرائيل”، الذين يسرقون الأراضي، والتشجيع على قيام «ائتلاف سلام» إسرائيلي. إلا أن شعور الناخبين الإسرائيليين بأنهم انتصروا لا يسمح بتوقع هذه النتيجة من الانتخابات الإسرائيلية.
وفي هذا الوقت، يجب القيام بأمور عديدة على الأرض. فينبغي تعزيز وقف إطلاق النار الهش، ما يعني على الأقل إطلاق حوار مع حركة «حماس». كما أن الحصار على غزة يجب أن يرفع، وعلى الفلسطينيين إنهاء النزاع بين «فتح» و«حماس» وتشكيل حكومة موحدة تملك القدرة على التفاوض مع “إسرائيل”. ومن أجل ظهور هذه القيادة الفلسطينية الجديدة لا بد من إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بسرعة في الضفة الغربية وغزة. وكما أعلن بان كي مون، وحده تخطي الفلسطينيين خلافاتهم يمكّنهم من تحقيق أملهم بقيام دولتهم المستقلة.
تبدو حرب “إسرائيل” على غزة خطأ استراتيجياً فاضحاً. فعوض القضاء على حركة «حماس»، ساهمت في إعطائها الشرعية. وعوضاً عن تقسيم العرب، ساهمت في توحيدهم. وعوضا عن التوصل إلى قوة ردع، دفعت “إسرائيل” العرب وإيران، من خلال قتل المدنيين، إلى النظر في قدراتهم الدفاعية. وعوضاً عن تحسين صورتها الدولية، ينظر العالم أجمع إلى “إسرائيل” اليوم على أنها دولة مارقة لا تمتثل للقانون الدولي أو للأخلاق المتعارف عليها.
أصبحت عملية لجم “إسرائيل” لإعادتها إلى حدود ما قبل العام 1967 وكبح نيّاتها القاتلة ضرورةً دولية. ويدرك أوباما جيداً أنه لن يستطيع التهرب من هذه المسؤولية.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أوتشا: 70% من سكان قطاع غزة تحت أوامر التهجير القسري
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أن الفلسطينيين يموتون بقطاع غزة الذي يرزح تحت حصار...

وثيقة للشاباك تحذر من خطر انتشار السلاح في الأراضي المحتلة عام 48
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر جهاز الأمن الإسرائيلي العامّ "الشاباك"، من أن النطاق الواسع لانتشار الأسلحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة...

الأونروا: الاحتلال يحرم 550 طالباً في القدس من الوصول إلى مدارسهم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن سلطات الاحتلال تحرم 550 طالبا من...

قوات الاحتلال تواصل تصعيدها الميداني في مخيمي طولكرم ونور شمس
طولكرم - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها لليوم الـ 104 على التوالي، ولليوم الـ 91 على مخيم...

إصابة جنود إسرائيليين بصاروخ مضاد للدروع في حي الشجاعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم السبت، بإصابة عدد من جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة نيران المقاومة الفلسطينية. وقال...

جامعة كولومبيا تعلّق دراسة 65 طالبا احجوا ضد الإبادة في غزة
واشنطن - المركز الفسطيني للإعلام علقت جامعة كولومبيا دراسة 65 طالبا من "مؤيدي فلسطين" لمشاركتهم في احتجاج داخل المكتبة الرئيسية للجامعة يوم الأربعاء...

باكستان تطلق عملية “البنيان المرصوص” ضد الهند
إسلام أباد - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت باكستان فجر اليوم السبت، عملية عسكرية مضادة للهجمات العدوانية الهندية على أراضيها ومنشآتها العسكرية تحت...