الأحد 11/مايو/2025

المقاومة انتصرت… إنها الحقيقة التي يراها أصحاب البصيرة

المقاومة انتصرت… إنها الحقيقة التي يراها أصحاب البصيرة

صحيفة الشرق القطرية

من يرد أن يرى الحقيقة فليشحذ البصيرة… وعندئذ سيرى أن المقاومة في غزة قد حققت نصراً، وأن هذا النصر سيكون الخطوة الأولى نحو تحرير فلسطين.

والنصر الذي حققه أهل غزة له جوانب متعددة…. إنه نصر بالمقاييس الحضارية والثقافية، وهو يشكل ثروة لامادية للأمة الإسلامية، وسوف أحاول أن أقدم لكم في سلسلة مقلات قادمة قراءة ثقافية لهذا النصر.

ونقطة البداية هي أننا يجب أن نحرر أنفسنا من أسر النظرة المادية الضيقة للحياة لنعدل مقاييس الهزيمة والنصر. ونحن لا نهدف بهذا التعديل إلا إثبات أن حماس قد انتصرت في غزة، ولكننا نبني علماً جديداً هو إدارة الصراع حضارياً وثقافياً.. إن الصراعات الكبرى لا تحسمها الجيوش ولا الأسلحة وأعداد الضحايا وحجم الدمار والخراب، كما أنه لا تحسمها جولة واحدة، ولذلك فإن هذه الصراعات تحتاج إلى استثمار التجارب التاريخية والخبرات والجوانب الحضارية للاستمرار في إدارتها حتى يتحقق النصر النهائي.

جريمة تاريخية

الماديون سوف يسخرون من إعلان نصر المقاومة، ويتساءلون: لقد دمرت “إسرائيل” البنية الأساسية في غزة، وهدمت المنازل على رؤوس الغزاويين، وقتلت 1400 إنسان فلسطيني، وجرحت ما يقترب من خمسة آلاف… فهل يمكن أن يشكل ذلك نصراً للمقاومة… أين هو هذا النصر؟!!.

وهذا دليل على أنهم لا يفقهون، ولا يجيدون قراءة تاريخ الصراعات الكبرى، ولا يعرفون كيفية إدارة الصراعات، وهذا من حسن حظ الأمة الإسلامية.

بداية نحن نشاهد بكل الحزن والألم يعتصر قلوبنا ما تعرضت له غزة من دمار، ودماء كل إنسان مسلم أعز على أنفسنا وأغلى من الدنيا كلها.

ونحن نعرف من الحقائق عن حجم الدمار والألم والعذاب والمأساة أكبر بكثير مما يعرفه الماديون، وأنا أطالب كل وسائل الإعلام العربية، وكل الصحفيين الأحرار في العالم بأن ينشروا بشكل واسع الصورة الحقيقية عن الكارثة الإنسانية التي تعرض لها أهل غزة، والدمار الذي تعرضت له منازلهم.

كما أنني أطالب كل الصحفيين الأحرار في العالم بأن يقدموا للعالم قصص الشهداء والجرحى، وأن يصوروا القصص الإنسانية، وعدم الاكتفاء بتقديم أرقام الضحايا. فأنا أرى أن كل شهيد وكل جريح يجب أن يتم تقديم قصته كإنسان يرتبط بعلاقات إنسانية مع أهل وأقارب وزوجة وأطفال وأب وأم.

هذه القصص الإنسانية يمكن أن تشكل كنزاً وثروة وأساساً لتطوير الأدب والفن، ولإقامة صناعة متميزة للمضمون الإعلامي.

إنني أدرك جيداً أبعاد الكارثة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على غزة، ولمثل هذا يذوب القلب من كمد.. ولقد شاهدنا أهل غزة يستخرجون جثث أطفالهم من تحت الأنقاض… إنه مشهد يشيب لهوله كل من يمتلك قلباً وضميراً.

لكن ذلك لا يشكل نصراً ل”إسرائيل”… إن كل ما فعله الجيش الإسرائيلي أنه ارتكب جريمة تاريخية… الجنود الإسرائيليون الذين وجهوا رصاصهم إلى صدور الأطفال لا يمكن اعتبارهم محاربين، ولكنهم مجرد مجرمين.

الجنود الذين يقبعون داخل الدبابات المحصنة ويوجهون النيران للمدارس والمستشفيات والجامعة الإسلامية، ومخازن الدقيق والأدوية التابعة للأمم المتحدة وسيارات الإسعاف يجب أن تشعر الإنسانية كلها بالعار من انتمائهم إليها.

ولقد خرج الجيش الإسرائيلي بعاره، وكل إنسان رأى تلك الجريمة البشعة وسكت كالشيطان الأخرس يجب أن يشعر بالعار… ولذلك لا بد أن يتحرك العالم ليغسل عاره بمحاكمة القادة الإسرائيليين المجرمين الذين استخدموا جيشهم لارتكاب الجريمة.

إن هذا الدمار الهائل، والمذبحة البشعة لا تشكل نصراً ل”إسرائيل”، وإنما تشكل لها عاراً وهزيمة معنوية وأخلاقية وحضارية.

لقد كنت أتأمل وجه أولمرت وهو يعلن أنه حقق أهدافه… لقد تجمعت في وجهه كل سمات الشر والإجرام… وكان يجب أن يشعر كل يهودي بالعار أن هذا المجرم قائد اليهود.

ما الأهداف التي حققها هذا المجرم… هل قتل الأطفال يمكن أن يكون هدفاً؟!! هل تدمير المنازل على رؤوس أهلها بطولة أم جريمة؟!!.

برغم القوة

نحن نعرف جيداً قوة الجيش الإسرائيلي وأنه يمتلك من الأسلحة ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات.. لقد انفتحت أمام الجيش الإسرائيلي مخازن الأسلحة الأمريكية ليحصل منها على آلاف الأطنان من المتفجرات التي ألقاها على أهل غزة، وليحصل منها على قنابل صغيرة شبه نووية محشوة باليورانيوم المخصب تنشر الموت والمرض والدمار.

ولقد استخدم هذه القنابل ليحدث رعباً في العالم كله. وليرهب الخائفين في العالم العربي، ونحن نعرف أيضاً أن “إسرائيل” تمتلك الدبابات والطائرات والصواريخ، وأن أمريكا تقف وراء “إسرائيل” بكل قوتها، وكذلك الكثير من الدول الأوروبية.

وفي الوقت نفسه فلقد تآمر كل الطواغيت مع “إسرائيل” ليحاصروا غزة حتى يموت الناس من الجوع والمرض، ولكي يمنعوا وصول أي سلاح للمقاومة.

ولكن رغم كل ذلك هناك حقيقة واضحة كالشمس، وهي أن جيش “إسرائيل” لم يمتلك الشجاعة لدخول غزة، ولقد وقف على تخومها في المناطق المكشوفة يتقدم بضعة أمتار ثم يتراجع.. لماذا؟!.

هل هناك من يستطيع أن يجادل في أن الجيش الإسرائيلي كان خائفاً من المقاتلين الفلسطينيين الشجعان الذين لا يمتلكون سوى أسلحة بسيطة لا يمكن أن تقارن بأسلحته؟! وأن هذا الجيش كان يدرك أنه لا يستطيع أن يعيد احتلال غزة، أو التقدم نحو الأحياء المكتظة بالسكان. وأنه كان يمكن أن يتعرض لخسائر بشرية لا يستطيع أن يتحملها لو أنه تقدم إلى المدن والأحياء السكنية.

ماذا يعني ذلك؟. إنه يعني ببساطة ووضوح أن المقاومة الفلسطينية قد حمت غزة من إعادة الاحتلال، وأنها قد أصبحت محررة رغم أنف “إسرائيل”. وأنه لم يكن أمام الجيش الإسرائيلي سوى التراجع والانسحاب وأولمرت يعرف ذلك جيداً.

أليس ذلك يشكل نصراً. المقاتلون الذين لا يملكون سوى أسلحة بسيطة يرغمون الجيش الإسرائيلي على أن يقف بعيداً في الأماكن المكشوفة لا يستطيع أن يتقدم.. ثم يرغمونه على الفرار.

ولقد دمر الجيش الإسرائيلي آلاف البنايات… ثم ماذا ؟ كان على الجيش الإسرائيلي أن يطور هجومه، وأن يبدأ المرحلة الثالثة، وأن يدخل ليحتل غزة… ولكنه لم يستطع ولذلك اضطر أولمرت أن يعلن قراره بوقف إطلاق النار من جانب واحد، ثم يسحب الجيش في اليوم التالي، لتنتهي هذه الجولة من حرب طويلة ومعقدة، وليبدأ الاستعداد لجولات قادمة، هناك من يحاول أن يفسر قرار أولمرت بأنه استجابة للمبادرة المصرية، أو خوف من تنصيب أوباما، وهم يعرفون جيداً زيف هذا الكلام فالحقيقة الواضحة أن القرار يعبر عن عجز الجيش الإسرائيلي عن دخول غزة.

فشل الصدمة الأولى

الذين خططوا لهذا العدوان كانوا يعتقدون أن الصدمة الأولى الصاعقة التي وجهها الجيش الإسرائيلي لغزة سوف تؤدي لانهيار حكومة حماس وانهيار المقاومة، وبالتالي يعود عباس ودحلان للسيطرة على غزة على ظهور الدبابات.

لكنهم لم يتصوروا أن غزة ستصمد وتقاوم وتستوعب الصدمة الأولى، وأنه برغم كل هذا الدمار ظل المقاتلون الفلسطينيون يقاومون ويدافعون عن غزة، ولذلك لم يستطع الجيش الإسرائيلي أن يتقدم، وخاب كيد الكائدين ومكرهم.

لقد أرادوا إسقاط حماس، فارتفعت أعلام حماس في كل العالم، وخرجت الجماهير تعبر عن إعجابها بالصمود والمقاومة.

لقد قدمت المقاومة الفلسطينية في غزة أملاً لكل المستضعفين على وجه الأرض، وأنهت عصر احتلال المدن، وأوضحت للعالم كله أنه مهما بلغت قوة الجيش، وقدرة الأسلحة الحديثة على التخريب والتدمير والقتل، فإن قوة الإيمان أكبر من كل القوى المادية، فالإيمان هو الذي يبني الرجال ويشحذ عزائمهم ويقوي إرادتهم ويزيد قدرتهم على القتال.

والمؤمنون يستطيعون أن يهزموا القوة المادية مهما بلغت، والحقائق واضحة ..المجرمون يدمرون ويقتلون، والمؤمنون يقاتلون ويقاومون ويصبرون ويصمدون.

لقد قاتلت المقاومة بشرف وشجاعة، وهي تستحق الفخر والإعجاب.. أما الجيش الإسرائيلي فقد خرج بعاره بعد أن ارتكب جريمة في حق الإنسانية.. من حق الأمة الإسلامية أن تفخر بالنصر الذي حققته المقاومة، ولكن من حق أهل غزة علينا أن نحرر أنفسنا من الخوف، وأن نقدم لهم كل ما نستطيع لإعادة إعمار غزة.

كما أننا يجب أن نسجد لله حمداً وشكراً، فالنصر من عند الله وحده.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات