السبت 10/مايو/2025

غزة والتغيير المطلوب

غزة والتغيير المطلوب

صحيفة الدستور الأردنية

توقف العدوان الهمجي على قطاع غزة بعد ثلاثة أسابيع من الفعل التدميري الذي لم يسلم منه شيء، متحرك أو ساكن، حي أو جماد، وصمدت إرادة المقاومة للعدوان على الرغم من المشهد المأساوي الذي تكشف بعد انجلاء الغبار.

في الأسابيع الثلاثة التي استمر فيها العدوان الهمجي الصهيوني اشتعلت الشوارع في العالم العربي والإسلامي بالغضب، وهاجت الجماهير وماجت، وتنادى المتنادون من العامة بل من العلماء الذين لم يجدوا من سبيل إلا أن يرتفع صوتهم ليخترق هدير الجماهير الغاضبة، ارتفعت الأصوات لنصرة أهل غزة بفتح باب الجهاد، وفتح الحدود، وفتح معسكرات التدريب، وهي مطالب مشروعة حين ننظر إلى الأمور بمنظار حقوق المسلم على أخيه، ومنها حق النصرة، ولكن هل كانت تلك الدعوات جادة ومنطقية وقابلة للتطبيق؟ هل راعى الذين أطلقوها الظروف الإقليمية والدولية؟ ولو افترضنا جدلاً أن المعسكرات فتحت للتدريب فهل سيتمكن المتدربون من نصرة غزة قبل انتهاء العدوان؟ ولو فتحت الحدود كما دعا الداعون فهل سيتمكن المتنادون من تحقيق هدف النصرة أم أنهم سيكونون هدفاً سهلاً لنيران العدو؟.

إن هذا الذي حدث في ظلال العدوان الأخير على غزة حدث مثله من تحرك جماهيري وردود فعل وصيحات نصرة، ثم كان كل شيء يهدأ بعد انتهاء جولة العدوان، لتعود مرحلة التبريد بل التجميد إلى المشاعر انتظاراً لنيران عدوان جديدة تسهم في التسخين إلى درجة الغليان، وهكذا يتلاعب أعداؤنا بدماء شهدائنا وعذابات جرحانا، ونحن نقع في دائرة رد الفعل الذي تكون محصلته في الغالب الإحساس بالقهر والعجز لما نجد بين أيدينا من قيود وحواجز وسدود.

بعد كل حدث لا بد من دراسته واستخلاص العبر والنتائج والإعداد لما بعده، هذا ما تفعله الأمم الحية التي تملك زمام أمرها، وتسهم في صنع الأحداث، وهذا ما لم نفعله نحن في أمتنا على المستويات كلها.

على مستوى القمة، رأينا كيف حدث التلكؤ والتباطؤ في مرحلة العدوان، ورأينا ما كان في مؤتمري الدوحة والكويت، والغريب أن من السهل أن نخدع بالكلام، جماهير وقيادات شعبية، حين نرى الجزء المضيء من الصورة ونغفل ما في الجانب المعتم من خفايا، ملخص القول لم تكن القمة على المستوى المطلوب المكافئ للأحداث، وهذا ليس جديداً، وهذا الحال هو أساس أزمة الأمة، لما يمثله من فرقة سياسية قسمت الوطن الواحد إلى أوطان غلبت مصالحها الإقليمية على مصلحة الأمة وأدى إلى كل الخطايا التي نراها في واقعنا.

وعلى مستوى القيادات الشعبية من علماء ومفكرين ونقابيين، وجدنا اجتماعات، غلب فيها أمران: التنادي إلى إغاثة غزة عاجلاً وآجلاً لإعمار ما دمر ولمعالجة الجراح المادية والنفسية، وهذا أضعف الإيمان، والأمر الآخر الذي وجدناه هو الانفعال إلى درجة الصوت المبحوح، والذي يطلب أموراً هامشية سطحية هي رد انفعالي على واقع سيّء وهذا لا يغير من الواقع شيئاً.

ما المطلوب في رأيي؟

المطلوب هو عقد مؤتمرات لا لبحث العدوان على غزة بل لبحث واقع الأمة الذي جعلها عرضة للعدوان المتكرر على وجودها وكرامتها وثرواتها، هذا الواقع الذي تكرس عبر السنوات الطويلة منذ تم تقسيم هذه الأمة وتخليها عن الإسلام الذي هو مصدر عزتها وقوتها، ولدراسة عوامل الضعف وأسباب القوة، واتخاذ السبل إلى النهضة على المستويات كلها، وهذا الأمر لا يتوقع أن تكون ثمراته آنية بل هو مشروع جيل كامل تتكامل فيه الجهود ويستمر فيه التخطيط لتحقيق الأهداف.

أنا أعلم أن الحركات الإسلامية التي قامت في عالمنا العربي والإسلامي كان من أهدافها نهضة الأمة، ولكنني أقول إن الأمة أكبر من أي جماعة أو تنظيم، والنهضة المطلوبة تدعو إلى كسر الحواجز التنظيمية والانطلاق إلى أفق رحب تلتقي فيه كل القدرات والطاقات ليسهم الجميع في تغير الأمة من حال الفرقة إلى الوحدة، ومن التبعية إلى السيادة، ومن الحاجة الاقتصادية إلى الاكتفاء بل الغنى، ومن التخلف الاجتماعي إلى التطور البناء، ومن التعليم الشكلي الذي لا يستثمر القدرات إلى التعليم الفعال الذي يفجر الإمكانات.

سؤال عريض يقلقني هو: متى نخرج من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الإمساك بزمام الأمور؟

لقد أطلقت من سنوات (نداء إلى حكماء الأمة) بهذا الأمر في مقالات وفي كتاب، وما زال ذلك النداء ينتظر الأذن الواعية التي تجسده في منتدى عام للحكماء يضم تحت لوائه حكماء السياسة والإعلام والتربية والاقتصاد والاجتماع، تتخطى الحدود والحواجز، تعمل الممكن حتى تصل إلى المطلوب؟ فهل من مجيب؟

وأختم كلامي بالآية الكريمة التي نرددها كثيراً من غير وقوف عند بعدها الاستراتيجي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات