مسار النضال الفلسطيني يدخل مرحلة جديدة

صحيفة الوطن القطرية
في ظل الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبتها ومازالت قوات الاحتلال في عدوانها على قطاع غزة، بات واضحاً المغزى الآخر لأهداف العدوان الإسرائيلي، حيث الدم الفلسطيني الطاهر المسفوح. فقد ماتت الأيديولوجيا البشعة «البحتة والصرفة» في الكينونة السياسية والأيديولوجية الإسرائيلية، وحل مكانها نوع شديد التعقيد من الأيديولوجيا الأكثر بشاعة، والقائمة على المزج بين الرواية الخرافية وبين تلاوين من عقد المصالح والارتباطات الخارجية التي تستبيح كل شيء ولا تعترف بمنطق المحرمات، مع تحول الدولة العبرية ذاتها إلى بارجة مصالح راسية في المنطقة.
وفي هذا السياق، كيف يمكن قراءة مواقف الفصائل الفلسطينية في مسار التصدي للعدوان الصهيوني على القطاع؟ لقد كان من المنطقي والطبيعي أن تتوحد الجهود الفلسطينية على الأرض في ميدان الفعل والعمل المباشر في مقاومة العدوان على قطاع غزة. وكان من الطبيعي أن يضع الجميع من الغيورين في الساحة الفلسطينية، المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا فوق أي اعتبار مع سيل الدماء الفلسطينية الطهورة التي نزفت على أرض قطاع غزة.
لكن بالمقابل كان من غير الطبيعي أن نسمع بعض الأصوات الفلسطينية النشاز التي تحدثت بعيد ساعات من الغارات الأولى الغادرة على قطاع غزة بتصريحات مسيئة تبرر العدوان بشكل أو بآخر، حيث حملت حركة حماس مسؤولية العدوان على قطاع غزة نظراً «لأعمالها الطائشة».إلا أن سعار العدوان الصهيوني والهبة العالمية المناصرة لفلسطين والشعب المحاصر في قطاع غزة، والصمود العنيد لقوى المقاومة على الأرض أعادا ترتيب خطاب الأصوات المشار إليها التي انتقلت للحديث بطريقة مغايرة بعد أن ترسخ يقينها بأن هزيمة قوى المقاومة على الأرض باتت مسألة مستحيلة.
وعلى الضفة الثانية، كانت ومازالت مواقف غالبية القوى الفلسطينية الموجودة على الأرض في قطاع غزة وقياداتها وتشكيلاتها في الشتات على درجة جيدة من المسؤولية الوطنية، في رؤيتها للعدوان باعتباره يأتي في سياق مخطط أميركي إقليمي إسرائيلي يعمل على تصفية المقاومة والقضية الفلسطينية وإجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، كمدخل لإخضاع منطقة الشرق الأوسط للإرادة الأميركية – الإسرائيلية، طبقاً لخطة وضعت في اجتماع عقد في شرم الشيخ برئاسة كوندوليزا رايس ومشاركة مسؤولي أجهزة أمن من دول إقليمية، وتم خلاله وضع تصورات لإضعاف قوى المقاومة في قطاع غزة.
إلا أن مصر (كما يشير الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني خالد عبد المجيد) أخذت على عاتقها خلال الفترة الماضية محاولة الاحتواء السياسي لحركتي حماس والجهاد عبر الحوار والاتصالات والضغوطات وعبر محاولات تجديد التهدئة. كذلك في مشاركتها وإسهامها (أي غالبية القوى الفلسطينية) في التصدي لقوات الاحتلال وإطلاق الخطاب السياسي التوحيدي الذي يتجاوز كل التباينات الداخلية ويغلب التناقض الأساسي مع العدو على أية تباينات ثانوية، بل وبقيت كل القوى المشار إليها متكاتفة في إطار غرف عمليات سياسية وميدانية في التنسيق المشترك والعمل بوتيرة وإيقاع واحد على المستوى القيادي الأول في مواجهة التحركات السياسية التي ترافقت لوقف العدوان بما في ذلك المبادرة المصرية التي رفضتها جميع الأطراف الفلسطينية في صيغتها الأولى. فالفصائل الفلسطينية لم تكن تعتبر المقترحات والمبادرة المصرية ومعها الفرنسية تسهم في الحل المطلوب لوقف العدوان ورفع الحصار، بل اعتبرتها في نسختها الأولى تحمل مخاطر على المقاومة والقضية الوطنية الفلسطينية، باعتبارها تتحدث عن قبول إسرائيل والفصائل الفلسطينية بوقف فوري لإطلاق النار لفترة محددة، وليس وقف العدوان، والحديث عن إقامة معابر إغاثة وليس رفع الحصار وفتح المعابر فوراً، كما في الحديث عن جلب قوات دولية إلى فلسطين كشرطة في خدمة الاحتلال، فضلاً عن الدعوة لتهدئة طويلة تمتد من (خمس إلى عشر سنوات).فقد رفضتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على لسان ماهر الطاهر عبر أكثر من تصريح لأنها «تفرض شروط الاستسلام على الشعب الفلسطيني، وتنص على بقاء قوات الاحتلال في غزة وعلى تهدئة طويلة تستمر أعواماً» حسب ماهر الطاهر، الذي أضاف مشيرا إلى أن «البديل عن المبادرة المصرية وقف العدوان ولن نقبل بمبادرات تحت الضغط العسكري».
كما ورفضتها حركة الجهاد الإسلامي حيث أشار زياد نخالة نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي «إن هدف المبادرات العربية وغير العربية هو الضغط على المقاومة لرفع الراية البيضاء».
وعليه، وانطلاقاً من فظاعة ما حدث ويحدث على أرض غزة لجهة الوحشية والقسوة العدوانية الاسرائيلية الصهيونية، ولجهة صمود قوى المقاومة على الأرض وتماسكها الميداني، ولجهة ما يرتسم الآن من تداعيات وانكسارت ستترك آثارها لفترات طويلة على أرض الصراع، فإن مرحلة ما بعد غزة في نتائجها السياسية المباشرة ستستتبع معها مجموعة من الهزات السياسية والعسكرية في ساحة الصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني، وستمس بالضرورة الخريطة السياسية الفلسطينية وتكويناتها الأولى، لجهة توليد اصطفافات جديدة وتحويل بعضها لتكون شريكاً ومقرراً استراتيجياً على المستوى الإقليمي.
فالوقائع على الأرض عززت من نفوذ وتأثير قوى المقاومة في الشارع وبين الناس أولاً، وعززت من الاحتمالات الكبيرة لاتساع نهوض العمل الشعبي في الأرض الفلسطينية والشتات الفلسطيني ثانياً، ورفعت من حضور الدعوات المخلصة لرأب الصدع في البيت الفلسطيني وإنهاء الانقسام السياسي المسيطر على الساحة الفلسطينية، وهو ما حدا ببعض الكتاب الإسرائيليين قبل أيام للتحذير من الاستعداد المتنامي في الشارع الفلسطيني في الداخل لإعلان وتفجير الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي يتوقع لها الخبراء العسكريون الإسرائيليون أن تكون انتفاضة مغايرة ونوعية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...