السبت 10/مايو/2025

محرقة غزة: علامات فارقة

محرقة غزة: علامات فارقة

صحيفة القدس العربي اللندنية

على الرغم من وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي أعلنت عنه حكومة الحرب الإسرائيلية، إلا أننا نعتبر أن هذه الحرب المجرمة وهذه المحرقة الصهيونية الوحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة مستمرة، إلى أن يغادر آخر جندي إسرائيلي أرض غزة المحروقة. فهذا العدوان السافر ستكون له تفاعلات وإرهاصات وتداعيات على كل صعيد: الفلسطيني والعربي والدولي ولا يزال من المبكر الكتابة عنه. ولكن ربما يكون من المفيد في هذه المرحلة عرض بعض العلامات الفارقة التي ميزت هذا العدوان.

وهذا لا يعني أنه لا توجد عوامل مشتركة بينه وبين الاعتداءات الصهيونية ضد الفلسطينيين والعرب منذ عقود عديدة. بل إنه امتداد لجميع الحروب العدوانية والمذابح الوحشية التي ارتكبتها الحركة الصهيونية ضد الأبرياء من السكان العزل. وهو جزء من استراتيجية وبرنامج ثابتين.

ما هي العلامات الفارقة التي ميزت محرقة غزة؟

أولاً – كانت قوة النيران التي استخدمتها الآلة العسكرية الصهيونية كبيرة جداً ولا سيما بالنسبة إلى ميدان القتال الضيق والمنطقة المكتظة سكانياً. فالجيش الإسرائيلي استخدم أحدث أسلحة الدمار الشامل بصورة مكثفة ووحشية من الجو والبر والبحر. ولا بد أنه استخدم أسلحة فتاكة جديدة سنترك للخبراء التحدث عنها لاحقاً. ولكن يمكن الإشارة إلى ما أجمع عنه الخبراء العسكريون أن الجيش الصهيوني استخدم ضد المدنيين سلاح الفوسفور الأبيض المحرم دولياً وفق معاهدة جنيف الموقعة في العام 1980. وخطورة هذا السلاح أنه يصبح فتاكاً عندما يتفاعل مع الأوكسجين في الهواء ليسبب حروقاً للجسم. وإذا ما تم استنشاقه لفترة طويلة فإنه يسبب تلفاً كبيراً لأعضاء الجسم ولا سيما فك الأسنان. وقد شاهدنا الحروق على الكثيرين من أجساد الأطفال. وتعمدت القيادة الإسرائيلية استخدام الكثافة النارية تطبيقاً لأحد دروس حرب لبنان في سنة 2006 لتقصير مدة العدوان خوفاً من أن تستمر 33 يوماً لتعيد إلى الذاكرة حرب تموز اللبنانية.

ثانياً – لم تستطع “إسرائيل” تسويق حجتها بشن هذا العدوان، سوى ما كانت قد إشاعته من قبل أن حركة حماس هي حركة إسلامية متعصبة، وهي حركة “إرهابية” تقوم بتنفيذ عمليات انتحارية ضد المدنيين، وترفض الاعتراف ب”إسرائيل” وتتعاون مع إيران إلخ.. ولكن “إسرائيل” عجزت عن تبرير هذا المدى من المذابح بحجة أن صواريخ حماس تهدد وجودها في الجزء الجنوبي، فقد أخفقت “إسرائيل” في إقناع الرأي العام بذلك لأنها لم تستطع إقامة الدليل المادي على مزاعمها هذه.

وبذلك بدا زعمها أنها تدافع عن نفسها حجة واهية. فمجرد أنها استخدمت هذه القوة النارية الهائلة ضد بضع مئات من المقاتلين، فإن ميزان القوى والقوة الزائدة، غير المتكافئة التي استخدمتها ضد السكان المدنيين يدحضان أسطورة الدفاع عن النفس. ناهيك بأن “إسرائيل” هي أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط وأكبر رابع جيش في العالم مزود أكثر الأسلحة التدميرية فتكاً. ناهيك بأن “إسرائيل” تحتكر استخدام القوة بتأييد غربي واضح. علاوة على أن “إسرائيل” لا تستطيع الادعاء بأنها تدافع عن نفسها وهي دولة “مارقة” و”شاردة” لم تحترم أية قوانين ومواثيق دولية، وخصوصاً أنها لم تحترم قرار مجلس الأمن الخاص بوقف عدوانها على غزة.. وسجلها حافل بالمذابح ضد العرب.

ضوء أخضر غربي

ثالثاً – بادرت إسرائيل إلى شن هذا العدوان بضوء أخضر من الدول الغربية بالذات ومن بعض الدول العربية التي بدا تواطؤها هذه المرة بصورة جلية. لذلك شعرت “إسرائيل” هذه المرة بحرية مطلقة في إدارة الحرب كما تشاء منتهكة جميع الأعراف العسكرية والدولية. وقد برز التواطؤ الغربي والعربي بصورة جلية من خلال أعطاء الفرصة ل”إسرائيل” للقضاء على حماس كلية والتلكؤ في استصدار قرار من مجلس الأمن لوقف القتال.

رابعاً – مرة أخرى لم توفق “إسرائيل” في ترميم قوتها الرادعة بالمعنى العسكري لسبب بسيط أن هذه الحرب استمرت 22 يوماً دون أن تحمل المقاومين الفلسطينيين على الاستسلام. بل إن “إسرائيل” هي التي بادرت إلى وقف إطلاق النار. وربما كان في حسابات المخططين الإسرائيليين لهذا العدوان أن قوة النيران الهائلة وقتل هذا العدد الكبير من المدنيين سيجبران المقاتلين على الخروج من مواقعهم حاملين الرايات البيض. ولكن وقادة المقاومة لا يزالون حتى بعد وقف القتال المؤقت يتحدون الآلة العسكرية ويهددونها بالمقاومة إذا لم تنسحب من أراضي غزة.

علماً أن البعض يعتقد أن “إسرائيل” حققت ترميميا جزئياً لقوتها الرادعة بقتل هذه العدد الهائل من السكان وجرح الآلاف وتدمـير الجزء الأكبر من البنى التحتية. ولكن هذا الثمـــن الباهظ من الأرواح البشرية لن يمنع تجدد المقاومة ضد الاحتلال ولا سيما بعد إعادة اللحمة الى الصف الفلسطيني واستخلاص العبر من التجارب السابقة كما أن أحداث الماضي برهنت على أن مذابح “إسرائيل” لم تمنع الشعب الفلسطيني من المقاومة ما دام الاحتلال جاثماً على صدورهم..

خامساً- أثارت الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الآلة العسكرية الصهيونية في قطاع غزة موجات عارمة من الغضب والسخط عمت العواصم العربية من المحيط إلى الخليج عكست مشاعر الوحدة العربية ووحدة المصير وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة اهتمامات الشعوب العربية بصورة لم يسبق لها مثيل. في مقابل تقاعس الأنظمة العربية وتواطئها. والحمد لله أن قادة هذه الأنظمة انقسموا على أنفسهم بدلاً من أن يتفقوا علينا. وكان لهذا العدوان الصهيوني الفضل الأكبر في تعرية هذه الأنظمة بهذه الصورة ورفع الأقنعة عنها ولأول مرة منذ عقود أخذت الأنظمة العربية تحسب ألف حساب لثورة الجماهير بعد أن تحققت مما يدور في صدورها.

الصهيونية عنصرية

سادساً – عاد العدوان على غزة ليكشف، بأبهى صورة، الوجه الحقيقي للحركة الصهيونية مما سببه من مظاهرات عمت العديد من العواصم العالمية، قد ساهمت صور المذابح الوحشية من قتل نساء وأطفال وتدمير مؤسسا ت الأمم المتحدة في دحض جميع مزاعم الصهيونية بأنها تريد السلام ولكنها لا تجد شركاء للتفاوض معهم. وقد أقامت هذه الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الآلة العسكرية الصهيونية الدليل الدامغ على أن “إسرائيل” ليست سوى دولة عنصرية نازية حاقدة لا تعترف بالقيم الأخلاقية. وقد نسفت أعمالها هذه أسطورة “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” لتحل محلها “الدولة العنصرية الوحيدة في الشرق الأوسط”. وسوف تحتاج “إسرائيل” إلى سنوات طويلة لكي تطمس هذه الصورة البشعة التي التصقت بها في قطاع غزة.

سابعاً – ثمة حقيقة بارزة ارتبطت بالعدوان الصهيوني على غزة هو ذلك الصراع على السلطة في “إسرائيل” (الانتخابات النيابية ستجري يوم 10 شباط/فبراير المقبل) إذ حاول كل من إيهود باراك ترميم صورة حزبه على حساب جثث أطفال فلسطين. وحاولت تسيبي ليفني أن تثبت أنها هي المرأة “الحديدية” التي تستطيع منافسة بنيامين نتنياهو وأنها لا تقل دموية عنه. وهذا الأخير ينتظر فشلهم لينقض على السلطة. وأمل إيهود أولمرت في رد الاعتبار إلى شخصيته الفاسدة وترميم صورته البائسة خلال حرب لبنان. وقد أمل في استرجاع جلعاد شليط الجندي المخطوف لدى حماس لكي يسجل مكسباً قبل أن يطويه النسيان. وأراد جابي اشكنازي رئيس الأركان أن يحقق النصر في هذه الحرب لتمهيد الطريق أمامه ليتبوأ الزعامة السياسية في المستقبل.

عندما تنتهي هذه الحرب الضروس نهائياً وتنسحب القوات الغازية من قطاع غزة، فإنه سيكتب وسيقال الكثير عن المذبحة الصهيونية التي هددت بها “إسرائيل” سكان غزة منذ وقت طويل. ولكن يمكن القول في هذه العجالة إن مذبحة غزة لن تكون الأخيرة.

كاتب فلسطيني مقيم في كندا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...