الجمعة 09/مايو/2025

موقف النظام العربي الرسمي من حرب غزة

موقف النظام العربي الرسمي من حرب غزة

صحيفة القدس العربي اللندنية

لم تكن الحرب الأخيرة على غزة مجرد عدوان إسرائيلي عادي بل كانت حدثاً وضع الأمة كلها على المحك وجعلها تفكر في واقعها بطريقة مختلفة، ولا يعني ذلك أن الحرب أيقظت الحكام العرب أو ما يطلق عليه النظام العربي الرسمي بل وضعت هذا النظام أمام تحديات إن لم تكن عاجلة فهي بكل تأكيد تضع الأساس لمستقبل لا يمكن أن تخطئه العين.

ولأجل بلورة هذا الموقف لا بد أن ننظر في الأحداث من بدايتها. والسؤال يتركز على الأسباب التي جعلت “إسرائيل” تقوم بعدوانها على غزة، وبالطبع لن ننساق وراء الإدعاءات القائلة بان الهدف هو مواجهة الصواريخ التي كانت تطلقها حماس على المستوطنات الإسرائيلية، لأنه لو كان ذلك هو السبب ما احتاجت “إسرائيل” لكل هذا الإعداد للحرب والقيام بحملة مدمرة شردت عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وقتلت وجرحت الآلاف، وهنا يجب ألا ننظر إلى ما تعلنه “إسرائيل” ومن خلفها حليفتها الولايات المتحدة لأن هاتين الدولتين اعتادتا على الكذب، وقد حدث ذلك في الحرب على العراق وتكرر مرة أخرى في حرب غزة وسوف يتكرر مستقبلاً في الحرب ضد إيران، والذي يشجعهما على ذلك تصديق الكثير من دول العالم أنهما يدافعان عن مبادئ الحرية والديمقراطية وهي مبادئ لا يلتزمان بها بكون معظم القيادات في البلدين قيادات مجرمة ترفع نفسها فوق القانون، بل لا يوجد في العالم قانون يعاقب هذه القيادات التي تستخدم المؤسسات نفسها التي تكن لها العداء لتوفير الحماية لنفسها كما هو الموقف من محكمة الجنايات الدولية إذ رأينا كيف أن الولايات المتحدة التي ترفض الانضمام إلى معاهدة هذه المحكمة تصر على أن تحاكم الرئيس السوداني عمر البشير في هذه المؤسسة وتستنبط لها الذرائع التي تجعل محاكمته فيها قانونية في أجواء غير قانونية مع أنها لا تضغط في الاتجاه نفسه من أجل معاقبة حكام “إسرائيل” التي شهد العالم كله بجرائمهم وليس هناك سبب واحد يدعو لذلك سوى تراجع الدول العربية وعدم قدرتها على تقويم إمكاناتها وقدرتها على مواجهة “إسرائيل”، وفي وقت تتمادى فيه “إسرائيل” في عدوانها على الأمة العربية نجد أنفسنا بحاجة إلى التوقف عند الأسباب التي جعلت “إسرائيل” تستمر في هذا الطريق دون أن تتوقف لحظة من أجل تبني حل يكون مقبولاً عند العرب.

ولا شك أن الحكومة الإسرائيلية تعمل في جبهات مختلفة من أجل ما تعتقد أنه يوفر لها الأمن، والجبهة الأولى هي الجبهة الفلسطينية الداخلية حيث ترفض “إسرائيل” أي اتفاق مع الفلسطينيين يتضمن حق العودة لأنها تعتقد أن إستراتيجية التزايد الفلسطينية سوف يجعلها في فترة من الفترات تغرق في طوفان فلسطيني، وهي ترفض أن تكون في جوارها دول قوية تهدد مصالحها، وذلك ما جعلها توقع اتفاقية كامب ديفيد التي تفرغ سيناء من أي جنود يهددون كيانها وترفض في الوقت ذاته التوصل إلى أي حل في هضبة الجولان لا يتضمن الشروط التي فرضتها على مصر بجعل الهضبة منطقة خالية من الأسلحة والجنود. وتخشى “إسرائيل” من وجود بشري كثيف حول حدودها لأنها تعرف أن أمنها لا يعتمد فقط على قوتها العسكرية بل أيضا على الحؤول دون كثافة بشرية تهدد وجودها، وقد كانت تلك فكرة قائمة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر إذ كان هناك من يدعو إلى السير بالملايين إلى داخل “إسرائيل” من أجل تحرير الأرض وكانت تلك فكرة تشكل خطراً حقيقياً في غياب أية حلول منطقية، وتفكر “إسرائيل” في الوقت الحاضر في مواجهة القوى التي تجاورها وقد سعت من قبل إلى تحييد تركيا بإقامة علاقة صداقة معها لأنها كانت تعلم أن الثقافة العربية كلها قائمة على معاداة تركيا من جهة وإيران من جهة أخرى، وتلك ثقافة غير مبررة في ظل واقع عالمي متغير، ولكن الموقف التركي كان أكثر إيجابية في حرب غزة الأخيرة إذ أنه لم يعد يتحمل الجرائم والفظائع التي ارتكبتها “إسرائيل” في غزة واتخذ موقفاً لا يمكن أن يوصف بالمعايير الغربية إلا على أنه موقف متطرف تضحي فيه تركيا بكل مصالحها وخاصة في محاولة الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، أما الموقف من إيران فيتخذ مجالاً آخر إذ أن “إسرائيل” تركز على قدراتها النووية وهي تريد من العالم الغربي أن يهاجم إيران من أجل وقف هذه القدرات ولكن “إسرائيل” تعلم أن امتلاك القدرات النووية لا تعني أنها ستستخدم في حالة الحروب أو أنها ستكون الخيار شمشون في اللحظة الأخيرة لأنه لو كان ذلك هو الخيار الحقيقي فإن الدول العربية لن تكون عاجزة عن امتلاك السلاح النووي أو أي سلاح آخر له قدرات السلاح النووي خاصة أننا نعلم أن باكستان امتلكت هذا السلاح وهي لا تعتبر امتداداً للعالم الغربي بل إن مصالحها مرتبطة مع العالم الإسلامي الذي هي جزء منه، وبالتالي ليس من المستبعد إذا تزايدت التهديدات على العالم الإسلامي أن تتعاون باكستان مع الدول الإسلامية في هذا المجال.

ولكن الأمور لا تحتاج إلى هذا المستوى من التعقيد لأن فشل الهجوم الإسرائيلي على لبنان في عام ألفين وستة وفشل الهجوم على غزة وعدم قدرة الولايات المتحدة على تحقيق نصر حاسم في العراق أو أفغانستان يؤكد أن الحلول العسكرية وحدها غير ممكنة، فقد تكون الوسائل العسكرية رادعة ومدمرة ولكنها بكل تأكيد لن تحقق الحلول التي يأمل من يمتلكون الوسائل العسكرية في تحقيقها وبالتالي فلن تستطيع “إسرائيل” أن تركن إلى نفوذها العسكري من أجل تحقيق أمنها وهذه حقيقة يجب أن يدركها العالم العربي الذي يتهاون في الدفاع عن حقوقه على الرغم مما تحدثه “إسرائيل” من أضرار من خلال توجهاتها السياسية الخطرة كما هو الشأن في السودان حيث يؤكد تدخلها في مناطق النزاعات أنها تضع إستراتيجية طويلة المدى لإلحاق الأذى بمصر، ولكن السياسة المصرية لا يبدو أنها تلتفت إلى شيء من ذلك بسبب ثباتها على مواقف لا تحقق لها نفعاً فهي تصر على أن لديها اتفاقات مع “إسرائيل” وهي اتفاقات تحقق مصالح “إسرائيل” دون أن تحقق مصالح مباشرة لمصر، ويبدو ذلك واضحاً من خلال المواقف الشعبية التي انطلقت في جميع أنحاء العالم العربي تنتقد السياسات المصرية وهي مواقف لا يبدو أنها وجدت أذناً صاغية من الحكومة المصرية وقد تجلى ذلك واضحاً في موقفها من قمة الدوحة وموقفها أيضاً من قمة الكويت حيث طالب الرؤساء بمطالب لا يعرف أحد من الذي سيحققها لهم إذا لم تكن لديهم إرادة الفعل الذي يحقق الأهداف، فهل يصدق أحد أن الرؤساء يطالبون بتحقيق التنمية الاقتصادية والتكامل وتطوير التعليم والاقتصاد مع أنه لا توجد قاعدة حقيقية لتحقيق ذلك.

ولا شك أن الهبة الشعبية تمثل غضبة كبرى من الجماهير العربية ولكنها غضبة لا تصحح الأوضاع في هذه المرحلة لأنه لا يوجد في العالم العربي نظام دولة وما زال كثير من الحكام ينظرون إلى الشعوب العربية على أنها قوى معادية وما يزال كثير من الناشطين الاجتماعيين يتربصون الفرص بحكامهم دون علم أن المسألة ليست مسألة تغيير للحكام بل هي مسألة إقامة نظام دولة كما هو الحال في العالم الغربي حيث يمكن تداول السلطة بالوسائل السلمية ويمكن تحقيق مصالح الشعب من خلال القوانين والنظم التي تكفل الحقوق.

ولا شك أن الاختبار السريع للإرادة العربية يكمن الآن في تحديد مسؤولية ما جرى في هذه الحرب إذ لا يعقل أن يقتل أكثر من ألف وثلاثمئة شخص ويجرح أكثر من خمسة آلاف شخص ولا تستطيع الحكومات العربية أن تتخذ المواقف القانونية ضد المجرمين الإسرائيليين مع أن ألمانيا ما زالت تدفع حتى الآن التعويضات لضحايا الهولوكوست، كما يجب أن يعلم جميع الحكام العرب أن أمنهم ليس مع الولايات المتحدة أو أوروبا وإنما مع شعوبهم، وبالتالي يجب أن تتصالح الحكومات العربية مع شعوبها وأن تحول القدرات المالية إلى الداخل ليس بالطريقة الإنشائية التي دعت إليها قمة الكويت بل بالأساليب العلمية والحقيقية لأن في ذلك حماية للمدخرات العربية التي ذهب معظمها نتيجة المؤامرة الصهيونية التي دمرت الاقتصاد الغربي وذهبت بكثير من المدخرات العربية.

لا بد من لحظة توقف أمام حالة العجز التي تصيب النظام الرسمي العربي من أجل تعلم الدروس واستخلاص مواقف جديدة يكون فيها تحقيق لما تريده الأمة العربية.

* كاتب من السودان

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...