الجمعة 09/مايو/2025

من مسلّمات الحرب على غزة

من مسلّمات الحرب على غزة

صحيفة الخليج الإماراتية

الأسابيع الثلاثة التي توالت، حتى الآن، في نطاق الحرب البربرية على غزة وما حملته معها من موت ودمار وجرائم ضد الإنسانية، وانتهاك لكل الشرائع والقوانين والأعراف، أعادت التأكيد على مسلّمات كانت واضحة لكل ذي بصيرة منذ بداية الحديث عن مشروع “الوطن القومي اليهودي” في فلسطين مع نهاية القرن التاسع عشر، تلك المسلمات التي تأكدت صحتها في عشرات المحطات والمناسبات على مدى ستين عاماً من عمر الكيان الصهيوني الغاصب، والتي حاول الكثيرون وبذلوا الجهود المتواصلة لدفنها تحت رماد الحروب وأكاذيب المعاهدات واتفاقات السلام الزائفة.

المسلّمة الأولى من هذه المسلمات التي جاءت الحرب على غزة لتعيد التأكيد عليها، ربما للمرة الألف، هي أن الاغتصاب بقوة السلاح لا ينشئ حقاً، وأنه من أجل أن يحافظ الغاصب على ما اغتصب لا بد من أن يستمر اعتماده على قوة السلاح التي مكنته من تنفيذ عملية الاغتصاب. كذلك فإن الصراع الذي بدأ محدوداً لا يمكن أن ينتهي مهما تقادم عليه الزمن، بل إن تقادم الزمن يوسع هامش هذا الصراع ويعمقه ويضيق في كل موقعة جديدة هوامش حله. وبهذا يكون الصراع الدائر هو بحق صراع من أجل البقاء والوجود، مهما قيل في كل مرة عن أسبابه.

ومنذ إعلان الهدنة الأولى في أبريل/نيسان 1948، بدأ الحديث عن (السلام)، ووضعت الخطط والمشاريع التي قيل إنها ستنهي الصراع، الذي كان قد بدأ على الأرض التي قيل إنها بلا شعب، قبل ذلك بعقود. لكن الأمور لم تكن لتسير وفقاً لكذبة عاجزة عن تزوير واقع يفقأ العيون. فكما أن الاغتصاب لا ينشئ حقاً، لا تؤسس القوة الغاشمة لسلام متعاقد عليه، بل تضيف في كل لحظة تمرّ عناصر تفجير أكبر قادم، وهو ما حصل في يونيو/حزيران 1967. وفي كل مرة كان يصطدم فيها صاحب الحق بالغاصب كانت تتضح نوايا هذا الغاصب، ويتأكد له أنه ما من سبيل أمامه إلا أن يوسع نطاق أطماعه وجرائمه من أجل المحافظة على ما اغتصب، لأن الظلم بحر مالح والشارب منه لا يعرف الارتواء. ففي اللحظة التي تصور فيها العدو الصهيوني أنه وصل إلى بغيته مع انتهاء حرب يونيو/حزيران 1967، خرجت له المقاومة الفلسطينية كما تخرج العنقاء من تحت الرماد لترسم على وجه المرحلة برمتها ابتسامة عريضة ساخرة من تصوراته.

ومهما بدت تفاصيل التطورات في الواقع غير مرضية في أحيان كثيرة، يظل الاتجاه العام مشدوداً إلى ما هو ثابت وجوهري، وليس إلى ما هو عابر وثانوي. لذلك رأينا الأمور تتطور في السنوات القليلة اللاحقة لهزيمة حزيران، وعلى يد من لم يكن ليخطر على البال، لتصل إلى أول حرب يخسرها الكيان الصهيوني في أكتوبر/تشرين الأول 1973 ولتصيب أهم مرتكزاته التي قام عليها وهي القوة العسكرية، وإن كان نجح بمساعدة حلفائه وصانعيه في تحويل خسارته العسكرية إلى ربح سياسي.

لكن ذلك الربح السياسي لم يكن ليقنع الصهاينة بضرورة تغيير مسارهم العدواني، ذلك لأن الطبيعة تغلب التطبع، وطبيعة الكيان الصهيوني آتية من طبيعة منشئه: الاغتصاب المؤسس على الظلم. كما لم يكن ما حدث لينسيه ما كشفت عنه تلك الحرب من أن للقوة مهما عظمت حدوداً، وأن القوي سيواجه يوماً من هو أقوى منه. لذلك كان من المتوقع أن يسرع إلى ترميم قوته العسكرية، ثم أن يجربها بسرعة، فكان عدوانه على لبنان واجتياح جنوبه وحصار بيروت وتدمير أجزاء منها في العام 1982. وبعد أن اطمأن إلى أنه شتت المقاومة الفلسطينية في أربع جهات الأرض فاجأته الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1978.

وعندما تصور أنه أوقع منظمة التحرير الفلسطينية في فخ أوسلو فاجأته الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في الضفة الغربية العام 2000، والتي مارس فيها جديد جرائمه على نحو لم يكن مسبوقاً حتى ذلك التاريخ، وفي بقعة جغرافية أصغر من غزة وهي مخيم جنين، ثم أتبعها بالحرب على لبنان العام 2006 حيث استطاعت بسالة المقاومين أن “تكوي وعي” الصهاينة وأن تمرغ أنوف جنود جيشهم في التراب، وأن تسقط كل نظرياتهم الأمنية والعسكرية في الوحل. لكن ذلك كله لم يغير في وعيهم المريض شيئاً، وظل إيمانهم بالقوة المجرمة لا يتزعزع، فقرروا أن يعطوا نموذجاً أكبر من همجيتهم في قطاع غزة، من دون أن تتغير الدوافع أو الأسباب أو الوسائل، وعلى أمل أن يستردوا ما فقدوا من عناصر قوة الردع التي يدعونها في جنوب لبنان.

هكذا، وبالتمعن في تاريخ هذا الكيان العدواني تتضح المسلمة الأولى التي خطتها الوقائع والأحداث منذ اللحظة الأولى بالدم، وهي: إن الحق لا يسقط بالتقادم، وإن الصراع الدائر صراع على الوجود، وإن السلام لا يتحقق مع اغتصاب الحق أو حتى بالتنازل عنه. هذا ما يجب أن يفهمه الغاصب وصاحب الحق على حد سواء. وسيستمر هذا الصراع ما دام الغاصب متمسكاً بما اغتصب، وما دام صاحب الحق متمسكاً باستعادة حقه. ومفتاح النصر يبقى في بناء القوة القادرة على قهر الغاصب المعتدي الذي يؤمن أن لا سبيل إلى بقائه والمحافظة على وجوده المرفوض إلا بالقوة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل

الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...