دم الشهداء الذي نصر غزة

صحيفة العرب القطرية
بين عاصفتين اجتاحتا المنطقة خلال اثنتين وسبعين ساعة من صبيحة الجمعة حتى صبيحة الاثنين التاسع عشر من يناير الحالي، بدأت معالم النصر المنتزع من فك الإرهاب الصهيوني والدولي تتضح بقوة وتتالٍ في تعبيرات المشهد، وكان الوضع العسكري للمقاومة والتضحية الأسطورية لشعب غزة والاندماج مع قيادته في توحد الخندق والهوية واقتسام الشهداء وصناعة النصر قد تجذّر في الأرض وأصبح قناعة مُرعبة لأطراف العدوان الصهيوني والعربي والدولي.
وكانت هذه المعالم المهمة لانتصار الصمود -الذي يخلق حالياً تداعيات ضخمة تتفجر على أطراف العدوان العربي والدولي- تتركز في عجز آلة الحرب الصهيونية بكل استخداماتها وتجاوزات أدوات الإرهاب الوحشي، وقد عجزت عن التقدم على الأرض وفشلت في تحقيق أي من أهدافها الثلاثة الاستراتيجية في إسقاط حكومة المقاومة واستبدالها، وبعد أن عجزت لجأت إلى خيار الوسيط لاستخراج ما يعتبر وثيقة استسلام، وهو ما فشل أيضاً، وعليه عجزت كلياً عما أعلنته بنفسها عن تغيير الوضع القائم في غزة ولو في تغيير الحالة الأمنية الذي ادعته والذي انتهى بوقف إطلاق النار الهش على دفعة مركزة من إطلاق الصواريخ تؤكد هزيمة العدو.
فقناعة قيادة العدوان في تل أبيب بعجزها وبدء تسرب ذلك إلى أطراف الدعم العربي والدولي جعل ذلك التحرك المضطرب والمتعجل بين قرارات أولمرت وزيارة ليفني التي أعلنت الموقف الجديد من واشنطن وركلت الوساطة المصرية، ثم عاد التحالف الدولي الداعم للعدوان لتدارك الوضع ورد الاعتبار للشريك المتواطئ مع العدوان ومحاصرة الجريح المنتصر حين بدأ يدرك أن الخسائر على العمق الاستراتيجي للصراع العربي الإسرائيلي وهوية المقاومة والحالة العامة لتوازنات الغرب التي صنعها في عقود لإخضاع الشرق العربي وتطويق هويته الإسلامية تتعاظم. هذه الخسائر للغرب المتحالف مع الصهيونية وأضلاع النظام الرسمي العربي المشاركة في العدوان تتصاعد وتتطور، لذا أخذ مؤتمر شرم الشيخ هذا الوضع لمحاولة إنقاذ تل أبيب وعموم مدارها العربي والدولي ومحاولة منع نصر الشهداء في غزة من الانطلاق إلى أفق أشمل بكثير من أرض المعركة إلى امتداداتها السياسية والاستراتيجية التي لم تقف عند الوطن العربي ولكن انتقلت لأول مرة تاريخياً إلى ميزان عدل دولي إنساني وشعبياً صنف محور الشر بمن حارب واعتدى وتواطأ على غزة ومحور الخير بقيادة مقاومتها وشهدائها الأبرار وصمود أهلها ومن انضم لخيارها.
هذا التحول الخطير على ساحة العالم الإنساني، وإعادة بعث الفكرة والتاريخ وتسمية الأشياء أرعب أطراف العدوان المجتمعين في شرم الشيخ، وغير خطابهم حتى بدا بعضهم يستخدم مصطلحات المقاومة كرضوخ إجباري لنصر غزة وإن حاولوا في النهاية الالتفاف عليه، وما زاد من تورط هذا التحالف العالمي للإرهاب بدء ظهور صور محرقة غزة بعد وقف إطلاق النار ووحشيتها ومدى تأثيرات الدعم الذي أسند العدوان على المعابر وعلى الساحة الدبلوماسية والسياسية في ذروة المواجهة لهذه الوحشية التي كان الجميع يراهن أنه سيستطيع احتواءها بعد أن يحقق الإسرائيليون النصر الموعود، فقلب نصر غزة الطاولة على محور الشر الإرهابي الذي بات كالمهووس خشيةً من نتائج النصر وتداعياته وأصبح يجتمع في وقت قياسي وقد شهد العالم الإنساني أن مشاهد الإجرام طوال تلك الفترة لم تحركه أبداً إنما جاء لتطويق الضحية المنتصر وسيخسر الحرب الثانية كما خسر الأولى، هكذا نطقت غزة وهكذا هتف العالم الحر من حولها.
الشهيد صيام الذي أحرز النصر مرتين
وقد توقفت متأملاً مع الاحتفالية التي نشرت بها وسائل إعلام عربية نبأ استشهاد القائد ووزير الداخلية سعيد صيام، هذه النشوة التي تكررت في الصحافة الإسرائيلية باستشهاد صيام تخفي وراءها حقيقة كبرى في هذا السياق، وهي شخصية سعيد صيام صانع النصر مرتين: نصر مركزي تاريخي قلب معادلة التفوق الإسرائيلي على العمق الاستراتيجي للقضية الفلسطينية والميدان السياسي في الأراضي المحتلة، وهو ما كان الشهيد سعيد صيام ركنه الرئيس، فالنصر الأول هو أن الشيخ أبو مصعب والوزير القليل الكلام القوي الفعل والتخطيط كان مهندس حركة يونيو 2007 التصحيحية في غزة التي وأدت انقلاب دايتون ومشروع الحرب الأهلية، وأسست لبناء عهد جديد نقل الخلاف الذي صنعته تل أبيب والإدارة الأميركية من خلال فريق عباس إلى أن يتحول إلى مواجهة سياسية فعالة مع العدو الاستراتيجي وحلفائه.
هذا الاحتفاء «الإعلامي العربي» لم يغط شركاء الاحتفاء بهذا الاستشهاد الذي عدته تل أبيب صيداً ثميناً لظروف هزيمتهم في عدوان غزة وتصاعد حرجهم من التصريح بالمواقف التي أعلنوها مراراً ضد حماس وخاصة سعيد صيام، ومن المعروف أن محمد دحلان تحديداً وبقية طاقم مخابرات الأمن الوقائي -الذي تعاون مع الاحتلال قبل الحركة التصحيحية وبعدها وصولاً إلى التحضير الأمني لمهمة البديل عند سقوط غزة والتي تبخرت آمالها سريعاً- كان يعتبر الشهيد صيام عدوه الوجودي الأول بصفته قائد المشروع، وهو كذلك لبقية الفريق في أوسلو وإن بدرجة أقل، أمّا الطرف الثاني المهتم والمنتشي بالضرورة من استشهاد صيام فهو عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية والذي صرح للإسرائيليين بجز رؤوس حماس، بل وكان استهداف الشهيد صيام بحد ذاته محل اهتمام وتحريض مستمر من فريق المخابرات المصرية وقيادتها السياسية.
التطابق بين تل أبيب وهذه الجهات أكانت فكرية أو سياسية مؤسسات أو حكومات كان وسط خيبة أمل كبرى من خاتمة الاستشهاد التي كان العدو وحلفاؤه يراهنون على أن يكون ضمن نصره على غزة واستبدال حماس بعودة عباس ومحمد دحلان، وهو ما استمر أولمرت في تكراره حتى يوم الأحد التاسع عشر من يناير، وهو «أننا أقدمنا على الحرب لتمكين عباس من السيطرة بعد إضعاف حماس»، قال ذلك نصاً وتزايدت هذه الخيبة مع صعود النصر لغزة بعد الإعلان التفصيلي لبيانات الحرب المحسومة من كتائب عز الدين القسام التي أظهرت أنّ النصر كان مزدوجاً صموداً وإنجازاً عسكرياً تاريخياً جعلته الأول عربياً بلا منافس مع مواكب الشهداء والتضحية الفدائية لشعب غزة.
ولأجل هذه الهزيمة التي تتصاعد على تل أبيب بصورة لم يسبق لها مثيل وصل إلى تفكك حالة الدعم العربي المواجه لغزة وحماس وانقلاب بعض أطرافه على الحالة السائدة، ثم انتقال هذه الهزيمة إلى الشارع الصهيوني وفجيعته بحجم الهزيمة التي بات المراقبون يجمعون فيها على أن تل أبيب لم تحرز فيها أي نصر مع تعاظم تبعات حلفائها ومشهدها السياسي في العالم.
ومن هنا كان استشهاد سعيد صيام في أوج الفجر الذي يقدمه القائد فداء بروحه لصناعة النصر وتقدم المشروع التحرري، ولذلك خسرت أطراف العداء لغزة مجدداً حين خرجت تلك الحشود التي انتخبته حياً بأكبر عدد تصويت لنائب وهي تجدد التصويت له وجسده يتنقل بين تلك الأمواج البشرية والقصف لا يزال مستمراً، وهي تجدد عهدها معه بعد أن وفى الشهيد عهد الله والشعب، فكانت حياته نصراً، وكان استشهاده نصراً أكبر.
نعم إن مكانة الشيخ أبو مصعب في زمننا الحاضر ومحل فقده بمثابة ما كان الرسول القائد في الزمن الأول يصلي على حمزة ثم يصلي على الشهداء وحمزة ممدد بينهم يكرر عليه الصلاة، وهي كذلك في عهدنا نصلي على الشهداء ونكرر الصلاة على الشيخ أبي مصعب قائدهم إلى معركة النصر الكبرى في عهد المقاومة المنتمي إلى العهد الأول، وهي شهادة جرّع فيها العدو غصة الهزيمة مرتين: مرة بنصر غزة ومرة بتجديد العهد على قيادة الشعب الفلسطيني التي رفعت الولاء مجدداً لأبي العبد إسماعيل هنية قائداً لكل الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية والشتات كما رفعته للشهيد أبي مصعب في مقبرة الشهداء.
مفاجأة الشهداء للعدو تتجدد
الغريب أنه ما إن يرحل أحد من قيادات المقاومة العظيمة حتى يصبح العدو على هذه القيادة وقد أنجبت جيلاً من القيادات تحمل الرسالة وتنهض بالمهمة كأنه لم يغب، بل وكأنه قد طور حضوره في مدرسة الروح والفداء والعطاء المتجدد في الميدان إبداعاً سياسياً ومقاومة عبر تلاميذه، وهذه ذكرى رحيل سيد المقاومة المعاصرة الإمام الشهيد أحمد ياسين قد تبدّت أمام الشعب والأمة وعادت مجدداً غصة ومرارة في حلق العدو وحلفائه.. أن الشهداء لا يموتون، وأن عهدهم يتجدد، وقد أصبح العدو والمحتفين بحربه وعدوانه في هوس لا يدرون من يحاربون: الشهداء الأحياء أم المقاومين الشهود!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...