الجمعة 09/مايو/2025

لم تترك إسرائيل سوى خيار الكفاح المسلح؟

لم تترك إسرائيل سوى خيار الكفاح المسلح؟

صحيفة الشرق القطرية

استوقفتني هذه الأقلام العربية التي تعترض على أسلوب المقاومة المسلحة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة التي تقتل البشر دون تمييز بين شيخ مسن، وطفل رضيع، وامرأة مسالمة، أو مريض عاجز، فهدمت المنازل على رؤوس أصحابها، وسفكت دماء الأبرياء والمستضعفين، هذه الأقلام التي تخضع لسياسات انهزامية، رضخت لغطرسة العدو الإسرائيلي وصلفه، واستجابت لخداع القوى الدولية التي تستهين بدماء العرب المسلمين، ولا تفرق بينهم وبين الحيوانات الضالة، أو الحشرات السامة دون اعتبار للشرائع السماوية والقوانين الدولية، وترتكب جرائم حرب يحرمها الضمير الإنساني.

أروني ما هو الحل مع عدو لم يحترم عهداً ولم يرد حقاً، ولم يرحم ضعيفاً أو مريضاً، هل احترمت “إسرائيل” اتفاقية 1947 التي حددت لها نصف مساحة الأرض المتنازع عليها، أو احترمت قرارات الأمم المتحدة منذ إنشائها حتى الآن؟، أروني قراراً واحداً لمجلس الأمن رضخت له “إسرائيل”، وكلها قرارات تدين اعتداءاتها ومستوطناتها ومذابحها التي أسالت فيها دماء الفلسطينيين أنهاراً فوق الأرض المحتلة، واستباحت دور العبادة وأحرقت المسجد الأقصى، ودمرت القدس الشرقية، وأقامت المذابح في دير ياسين وقبية وقانا وحنين وغيرها.

كنت أظن أن هذه الأقلام سوف تخاطب الرأي العام العالمي وتكشف التأييد والدعم الأمريكي الأعمى ل”إسرائيل”، وترفع الروح المعنوية لهؤلاء الأبطال الذين يقفون وحدهم فوق خط النار يدافعون عن ديارهم وأبنائهم ومقدساتهم، وتوجه اللوم للزعماء العرب الذين لا نسمع إلا حناجرهم وهي تدين العدوان وتشجب الغزو، وتوجه اللوم لأبطال المقاومة الذين يكتوون وحدهم بنار الاحتلال، ويحترقون بالقنابل الفسفورية، وينزفون من جراء الغارات الجوية التي تتم بأحدث ما أنتجته المصانع الأمريكية، وكنت أظن أن هذه الأقلام سوف تطالب بفتح أبواب التطوع للانضمام إلى صفوف المقاومة، وتطالب بإغلاق الأسواق العربية أمام المنتجات الإسرائيلية والأمريكية ووقف إمدادات الغاز والنفط إلى العدو “إسرائيل”، وتطالب بتزويد المقاومة بالمال والسلاح والذخيرة قبل أن تمدهم بالخبز والطعام.

وهنا يصبح على جميع القبائل الفلسطينية وألا تعبأ بهذه الأقلام وتلك الأصوات، وهذا يعني أن الدول العربية مطالبة باتخاذ خطوات فاعلة للضغط على المجتمع الدولي، ووقف كافة أشكال التعاملات السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية مع “إسرائيل” من البلاد العربية، وتجميد اتفاقيات السلام معها.

إن القيادات الفلسطينية تعرف أن مجلس الأمن غير قادر على وقف نزيف الدم وردع العدوان الوحشي الذي تشنه “إسرائيل” على غزة، فهو مجلس لا إرادة له، ضعيف الشخصية، تسيطر عليه الولايات المتحدة، وبالتالي فإنه لا يستطيع حسم القضية، والقرار رقم 1860 الذي أصدره بوقف إطلاق النار لا يلزم “إسرائيل” بالانصياع له طالما أن الولايات المتحدة تدعمها في كل ما ترتكبه من جرائم، وترسخ سياسة، الكيل بمكيالين، وتمارس كل ما تملكه من وسائل لإرهاب المقاومة، وقد أعلن إيهود أولمرت رئيس وزراء “إسرائيل” أنه حصل على وعد من الرئيس الأمريكي جورج بوش بعدم مساندة أي قرار من شأنه إدانة “إسرائيل” فيما نقوم به من أعمال وحشية ضد المدنيين، وما تقترفه من جرائم في مواجهة كل ما يعترض المدرعات الإسرائيلية، وتدرك حماس أن المجتمع الدولي عاجز عن حمايتهم، أي أن المقاومة الفلسطينية لم تجد أمامها إلا طريق الكفاح المسلح، فموتهم شهداء خير من موتهم جبناء.

لقد فقد أهالي غزة كل شيء، فهدمت “إسرائيل” مساكنهم ودمرت مساجدهم، واحترقت مزارعهم، وحوصرت أراضيهم من كل جانب، وأغلقت كافة المعابر من وصولهم، وأصبحوا محاصرين بالفقر والجوع والمرض حيث أصبح يعيش 70% من هذا الشعب تحت خط الفقر، فارتفعت معدلات البطالة بينهم حتى وصلت إلى 50% هذا في الوقت الذي كانت الأصوات المعادية للسلام تتنامى في “إسرائيل” وهي الأصوات التي طالبت بفك الارتباط مع غزة وذلك بشكل نهائي، كما طالبت بنقل المسؤولية الأمنية للناتو والمسئولية الاقتصادية والمساعدات الإنسانية للاتحاد الأوروبي، واعتبار كيان غزة عدوانياً وإرهابياً.

وزادت وتيرة الحصار الاقتصادي حين أوقفت البنوك الإسرائيلية التعامل مع البنوك الفلسطينية فقامت بإلغاء الكود الجمركي لقطاع غزة مما أدى توقف المصانع عن العمل وتشريد عشرات الآلاف من العمال.

هذا في الوقت الذي أعرب فيه العالم عن رفضه للمذابح الإسرائيلية، فاندلعت المظاهرات في فنزويلا وتشيلي وسانتياجو، وشارك الآلاف من اليونانيين في مظاهرات حاشدة، احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على غزة، وأعلن الأنبا دميان أسقف الكنيسة القبطية في ألمانيا عن تنظيم مسيرة تضم القساوسة والرهبان والراهبات بمختلف مذاهبهم تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وقد شهدت مدينة أوسلو عاصمة النرويج اشتباكات عنيفة أسفرت عن تحطيم واجهات المتاجر شارك فيها 1000 متظاهر، أما في الدول الإسلامية فقد عمت المظاهرات معظم العواصم أمام السفارات الأمريكية، وخرج المتظاهرون وهم يلوحون بالعلم الفلسطيني، وأحرقوا عرائس على شكل الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وطالبوا بمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كدليل عملي على الاحتجاج العملي على العدوان الإسرائيلي.

وبهذا أثبتت المقاومة أنها مثال عظيم على صلابة الشعب الفلسطيني بعد أن تمتعت بمساندة واسعة من الرأي العام العالمي، وأصبحت تكسب كل يوم أصدقاء جدداً، ثم خرجت علينا أصوات منصفة من الغرب، بل من “إسرائيل” نفسها تدين هذه المجازر التي تدور فوق التراب الفلسطيني، وهي الأصوات التي أكدت أن ما ترتكبه “إسرائيل” من جرائم بحق الفلسطينيين يعد انتهاكاً لكل الأعراف والقوانين الدولية، وفي هذا صرح الدكتور جاكوب بندرا وهو مخرج يهودي من أصل أمريكي أن ما يحدث في غزة يعد جريمة ضد الإنسانية وهو رأي كثير من اليهود، وقد أخرج هذا الرجل فيلماً وثائقياً عن إنجازات ابن رشد وابن ميمون باعتبارهما علمين عربيين ولدا في قرطبة، وأكد جاكون بندر أنه لولا الحضارة الإسلامية ما كان عصر النهضة الأوروبية التي نهضت على تراث الفارابي وابن رشد وابن سينا وغيرهم من الأطباء والفلاسفة والعلماء المسلمين.

وفي فرنسا تم إلقاء زجاجات المولوتوف على عدد من دور العبادة التابعة للطائفة اليهودية في مدينة شلتجيم شرق فرنسا مما أدى إلى إحراق واجهة المكان، وتكرر هذا المشهد على معبد يهودي بنفس المدينة وذلك في الأسبوع الماضي، كما عثرت الشرطة الفرنسية على زجاجتي مولوتوف تم إلقاؤهما على معبد يهودي آخر بحي سان دين بباريس مما أسفر عن تحطم واجهة مطعم مجاور للمعبد اليهودي، كما تم الدفع بسيارة أشعلت فيها النيران نحو سور معبد يهودي بمدينة مولوتوف وتم اكتشاف سيارة أخرى بها ثلاثة زجاجات بجوار هذا المعبد.

ووجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر اتهامات ل”إسرائيل” بسبب منع الجرحى من الوصول إلى المستشفيات لأيام عدة، بينهم أطفال تم تعليقهم في منازلهم إلى جانب أمهاتهم اللائي قتلن في المعارك الدائرة في غزة، وصرح مصدر مسؤول بالصليب الأحمر الدولي بأن الجيش الإسرائيلي لم يسمح لسيارات الإسعاف بإنقاذ المصابين لمدة خمسة أيام، ولم يكتف الجيش الإسرائيلي بذلك، ولكنه قام بقصف المدارس التابعة للأونروا، وقتل وأصاب العشرات من الأطفال الذين حاولوا الاحتماء بمدرسة الأونروا، فكان موعدهم مع جهنم عندما تعرضوا لوابل من القصف المدفعي والجوي المتواصل فاستشهد منهم 42 وتمزقت أجسادهم إرباً، وأصيب عشرات آخرون منهم حتى ضاقت المقابر بنزلائها الجدد ولم تعد هناك مساحات جديدة للدفن في المقابر مما اضطر أهالي هؤلاء الشهداء إلى دفن موتاهم في مقابر بعيدة عن مناطق سكنهم، وتشير البيانات الإحصائية إلى أن قطاع غزة أصبح الآن من أكثر الأماكن اكتظاظاً بالأموات الذين لا يجدون حفرة يدفنونه فيها مثلما لا يجد الأحياء مكاناً آمناً يعيشون فيه.

وإذا كانت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين قد أعلنت تعليق أنشطتها في غزة إثر تعرض إحدى قوافلها لإطلاق القذائف الإسرائيلية، فإن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قد طالب بتوفير الأمن للفلسطينيين حتى يتمكنوا من الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية والغذائية التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة وقد أكدت وكالة غوث اللاجئين أن الوضع الإنساني في غزة “أصبح شديد الحرج” وأنه يتدهور من ساعة لأخرى، وأوضحت الوكالة أن مليون شخص في غزة يعيشون بدون كهرباء، و750 ألفاً يعيشون بدون ماء، كما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها قلصت من عملياتها في مدينة غزة بعد أن تعرضت إحدى آلياتها لإطلاق النار. ونؤكد حقائق التاريخ أن النصر في النهاية سوف يكون من نصيب أصحاب الحق حتى لو نفدت ذخيرتهم وأن الهزيمة للعتاة المجرمين، فالمقاومة الجزائرية لم تكن تملك من السلاح والذخيرة ما تملكه فرنسا إلا أنها انتصرت في النهاية وأجبرت قوات الاحتلال على مغادرة الجزائر والاعتراف لها بالاستغلال، كما نجحت المقاومة التونسية، والمقاومة العراقية والمصرية والأردنية في تحرير بلادها من غول الاحتلال الإنجليزي، ونجحت المقاومة الفيتنامية والكورية في إجبار الاحتلال الأمريكي على الرحيل، وسقطت جميع الإمبراطوريات التي تجبرت في التاريخ القديم والوسيط وانزوت وطواها النسيان.

وتشير مجريات الأمور أن الشهداء الفلسطينيين قد أجبروا الدنيا عمل اللافتات إلى الكارثة والوضع المأساوي الذي يعيشون فيه وذلك بصمودهم ودمائهم على الرغم من أن هؤلاء القتلة يعلمون أن القرارات والبيانات الدولية لا تساوي الأحبار والأوراق التي تكتب بها، فكم من قرارات دولية وبيانات للشجب والإدانة قد صدرت دون أن تعبأ “إسرائيل” بها ولذلك فهي تواصل عمليات القتل والإبادة واغتيال الأطفال والشيوخ والمرضي دون أن تحفل بهذه القرارات.

ومن ثم فإن مقاومة المحتل الغاصب حق مشروع، ولا يمكن لمنظمة دولية، ومؤسسة إنسانية أن تسلب المقاومة حقها المشروع في التصدي للعدوان وبالتالي فإنه يصبح من الأهمية محاكمة المحتل الغاصب، ولا يمكن خلط المقاومة المشروعة بالإرهاب وسفك الدماء، وبالتالي فإنه يقع على المجتمع الدولي أن يقوم بتسجيل وتوثيق الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل” وتصنيفها بصورة قانونية دقيقة، وجمع كل الأفلام التسجيلية والصور التي يتم بثها حالياً عبر الفضائيات، وجمع الوثائق التي الموجودة بمنظمات حقوق الإنسان التي تعمل في “إسرائيل”، وتشكيل فريق من رجال القانون المنصفين في الداخل والخارج من أجل تقديم مجرمي الحرب والقتلة الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية كما حدث مع الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلو سوفيتش، وقائد حرب البوسنة رادوفان كاراجيتش والجنرال راتكو ميلاديتش لينالو جزاءهم على ما ارتكبوا من جرائم بحق الشعب الفلسطيني لاسيما أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وتتجسد جرائم الحرب الإسرائيلية كما قال المحامي الفرنسي “جيل دوفير” في إعداد واستهداف المدنيين وتستعد منظمة دولية لتقديم شكوى جماعية إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في جرائم الحرب التي ترتكبها “إسرائيل” خلال هجومها على غزة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات