الخميس 08/مايو/2025

معايير النجاح والفشل

معايير النجاح والفشل

صحيفة الخليج الإماراتية

الفشل ليس وصفاً عربياً مرغوباً للحرب “الإسرائيلية” الوحشية على غزة بل هو محصلة وقائع يصعب التشكيك في صحتها. ثم يتطابق مع قوانين وقواعد الحرب المعروفة. في خانة الوقائع يمكن الرجوع إلى الأهداف “الإسرائيلية” المتغيرة لهذه الحرب ومن بينها اختبار قدرة حماس على استيعاب هجوم عسكري مباغت على غرار هجوم العام 1967 على المطارات العربية وبالتالي تحقيق انتصار سريع ومدوٍ يعيد الاعتبار لسلطة الردع “الإسرائيلية” في الشرق الأوسط، وإن تعذر يصبح الهدف إضعاف الجناح العسكري لحركة حماس بقدر يتيح الانقضاض عليها من طرف الأجهزة الأمنية السابقة. وإن تعذر ذلك فالهدف يصبح تحجيم قدرة الحركة على إطلاق الصواريخ وبالتالي تغيير البيئة الأمنية في مستوطنات “الكيان” الجنوبية. وإن تعذر ذلك يمكن معاقبة الرأي العام الغزاوي وتكبيده خسائر بشرية ومادية لا تطاق كي ينقلب على الحركة بحجة أن تأييدها أصبح باهظ الكلفة. وإن تعذر بلوغ هذا الهدف فالاتجاه يتحول نحو تحطيم كل ما يمكن تحطيمه في غزة وبالتالي حمل حركة حماس على الانشغال بإعادة الإعمار لمدة سنتين أو أكثر كما جرى في جنوب لبنان في العام 2006 وبالتالي اتقاء شر صواريخها لبعض الوقت.

لقد انهار الهدف الأول بسرعة قياسية، فقد استوعبت المقاومة الفلسطينية الضربة الأولى على هولها وبينت للعدو أنها مازالت سليمة وأن معلوماته الاستخبارية حول الأهداف المضروبة لا قيمة كبيرة لها. أما الهدف الثاني فقد تبين من الاختبارات القتالية على الأرض ومن خلال استهداف قادة حماس أنه متعذر دون كلفة “إسرائيلية” باهظة ولعل الإخفاق في تحقيق هذا الهدف استدرج فشلاً في الحد من القدرة الصاروخية الفلسطينية وبالتالي الانصراف نحو العمل الحربي الإجرامي والعقابي ضد المدنيين وممتلكاتهم، فكان أن ارتدت النتائج سلباً على المعتدي بسبب التعاطف والتأييد الشعبي العربي والدولي غير المسبوق لحركة حماس ولأهالي غزة ما أدى إلى تلاحم وثيق بين المقاومة وجمهورها، فلم تسجل شهادة واحدة من المتضررين في غزة ضد المقاتلين الفلسطينيين. يبقى الحديث عن الأضرار المادية والبشرية وهي كبيرة للغاية ويمكن بالفعل أن تتطلب بعض الوقت لمعالجتها، لكنه وقت مفيد أيضاً في إعادة بناء قوى المقاومة والتزود بالوسائل اللازمة للمجابهة القادمة. بالمقابل تحولت الأضرار المذكورة إلى أدلة لا تخطئ على هزيمة “إسرائيلية” معنوية وأخلاقية غير مسبوقة إلى حد أن إيهود أولمرت رئيس الوزراء القاتل اضطر للاعتذار من الشهداء بعد قتلهم وأعرب عن نيته معالجة المرضى بعد إصابتهم فبدا أمام الفلسطينيين والعرب والعالم كمنافق يريد إلحاق الأذى بالضحايا مرتين، الأولى عبر قصفهم بطرق جبانة ووحشية والثانية عبر إهانتهم بالقول إن حماس دفعته لقتلهم علماً بأنهم أهل المقاومة وناخبوها وقاعدتها وهنا يجدر بالقادة الفلسطينيين أن يرفضوا عرض عدوهم بمعالجة الجرحى حرصاً على كرامتهم وكي لا يغسل نتائج جريمته بأبخس الأثمان.

وإذا كان الفشل “الإسرائيلي” في حرب غزة مؤيداً بالوقائع المذكورة فإن النجاح الفلسطيني بدا واضحاً من خلال النقاط التالية المستندة إلى قواعد الحرب:

1- الحؤول دون تحقيق أهداف العدو. ففي الحرب يربح الطرف المدافع كل ما يخسره الطرف المهاجم باعتبار أن الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى على ما يقول كلاوزفيتس وليست مباراة في الملاكمة.

2- الاحتفاظ بالكلمة الأخيرة في الحرب عبر إطلاق الصواريخ بعد إعلان أولمرت وقف النار من جانب واحد وهي الحالة التي كانت سائدة قبل بدء الحرب.

3- بلوغ المقاومة أهدافها المعلنة من حربها الدفاعية وهي وقف العدوان وانسحاب القوات وفتح المعابر واستمرار المقاومة ما بقي الاحتلال وهي ستستمر.

4- الامتناع عن الخضوع لأي من إملاءات العدو وبالتالي حمله على الاقتناع أن قوة نيرانه لا تؤثر في عزيمة المقاومة ولا تضعف إرادتها رغم التضحيات الإنسانية والمادية الكبيرة فالحرب لا تقاس بحجم التضحيات وإنما ببلوغ الأهداف التي تخاض من أجلها. ولو كانت التضحيات هي مقياس النجاح والفشل في الحروب لكان انتصار الجزائريين هزيمة في حرب الجزائر التي سقط خلالها مليون ونصف المليون جزائري مقابل 200 ألف فرنسي ولكانت حرب فيتنام انتصاراً للأمريكيين الذين دمروا البلاد وقتلوا الكثير من العباد وتضرروا أقل لكنهم خضعوا في النهاية لإرادة الفيتناميين وعادوا إلى بلادهم. ولو كان حجم التضحيات مقياساً للنجاح والفشل في الحرب لكانت النازية منتصرة لأن ألمانيا تضررت أقل بما لا يقاس من ضرر الحلفاء في الحرب.

5- حققت المقاومة انتصاراً أخلاقياً غير مسبوق على عدوها فهي لم تمارس القصف العشوائي على المستوطنات وكان بوسعها أن تفعل وأن تتسبب بقتل عدد كبير من المستوطنين لو أرادت، كما أنها لم ترسل استشهاديين إلى المدن والشوارع “الإسرائيلية” وفضلت القتال بشجاعة وجهاً لوجه مع جنود العدو المهاجمين على خطوط القتال فكانت معايير الشجاعة في خانتها ومعايير الجبن والانتقام من المدنيين في خانة عدوها. هكذا بدت وهي المصنفة حركة إرهابية في اللوائح الغربية جديرة بالاحترام لدى الرأي العام الدولي وبدا عدوها المصنف في خانات “الحضارة” و”الديمقراطية” و”التمدن” وكأنه خارج من القرون الوسطى بسبب وحشيته ودمويته.

ولعل النجاح الأبرز يكمن في انهيار أسطورة الردع “الإسرائيلي” على شواطئ غزة ذلك أن الآلة العسكرية “الإسرائيلية” الجبارة ما عادت تخيف الفلسطينيين وما عادت قادرة على حماية “الإسرائيليين”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات