الجمعة 09/مايو/2025

معركة غزة في موسم اللقاءات والقمم

معركة غزة في موسم اللقاءات والقمم

صحيفة الدستور الأردنية

ما بين قمة الدوحة وقمة الكويت وما بينهما (قمة مجلس التعاون الخليجي، قمة شرم الشيخ)، وقع الكثير من الفرز والانقسام في العالم العربي، كما ثبت للولايات المتحدة والغرب أن هناك الكثير من القضايا التي لا بد من معالجتها كي لا يفلت زمام الأمور من أيدي دول الاعتدال العربي التي لا بد من استمرار تصدرها للمشهد السياسي في المنطقة في مواجهة تقدم المحور الآخر، محور المقاومة والممانعة.

المصيبة أن محور الاعتدال الذي ينسجم مع التوجهات الأمريكية والغربية لا يحصل في مقابل خدماته على ما يحفظ ماء الوجه، وما جرى لمصر خلال الأسابيع الأخيرة رغم تعاونها الكبير في ملف العدوان على غزة يؤكد ذلك، إذ لم تتورع الولايات المتحدة عن توجيه صفعة للقيادة المصرية بتوقيعها مع الإسرائيليين اتفاقاً أمنياً يتعلق بتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة لا يلقي بالاً للدولة العربية الوحيدة المجاورة للقطاع، ولا تسأل عن تجاهل أولمرت للمبادرة المصرية.

الحشد الغربي الذي جاء إلى شرم الشيخ لم يتوقف عند مجاملة القيادة المصرية وإعادة الاعتبار إليها بعد جهرها بالاستياء من السلوك الإسرائيلي، على أهمية ذلك من أجل أن تواصل مصر مهماتها التقليدية في القضية الفلسطينية، ومن ضمنها المضي في برنامج مطاردة حماس وقوى المقاومة، بل إن هناك هدفاً آخر بالغ الأهمية تجلى من خلال كلمات الزعماء الأوروبيين في القمة، ثم تأكد أكثر من خلال زيارتهم لتل أبيب، ويتمثل في التأكيد على الانتصار الإسرائيلي في الحرب على غزة، وبالطبع من أجل أن يساهم ذلك في خدمة حزب كاديما وتسيبي ليفني، إلى جانب حزب العمل في الانتخابات، وبالطبع من أجل أن تتمخض عن ذات الائتلاف القائم في الدولة العبرية، كي تتواصل مسيرة المفاوضات، تلك المسيرة التي تستدعي بالضرورة منح المزيد من الدعم للرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأمر الذي قد يتم من خلال جملة من المسارات، من بينها قضية إعادة إعمار القطاع، وربما الإشراف على معبر رفح.

من المؤكد أن قمة الدوحة قد أربكت حسابات محور الاعتدال والجهات التي تدعمه في الغرب، ما جعل الجهود التالية لها تتركز على نسخ تداعياتها، والآن نسخ كل ما ترتب على معركة غزة ممثلاً في منح الشرعية لبرنامج المقاومة ونزع الغطاء الشعبي عن خيار التفاوض.

من هنا ستتركز جميع الجهود المقبلة على ذات السياق الذي أشرنا إليها ممثلاً في إعادة الاعتبار لمسيرة التسوية، مقابل العمل على تحجيم قوى المقاومة ونزع مخالبها التي نبتت بعد حرب تموز 2006، ثم ازدادت قوة بعد هذه المعركة الأخيرة في قطاع غزة.

على أن المشكلة هي أن الجهات التي تريد ذلك وتسعى إليه لا تريد دفع الثمن، فالأوروبيون الذين جاءوا إلى شرم الشيخ ثم رحلوا إلى تل أبيب لم يغادروا مربع المواقف التقليدية حول حل الدولتين ودعم المسارات التفاوضية القائمة، فيما كان موقفهم من الحرب داعماً على نحو سافر لمطالب الدولة العبرية، من دون أية إشارة إلى جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق المدنيين في قطاع غزة.

إذا كان رأي الجماهير في العالم العربي والإسلامي يعني هؤلاء، فليعلموا أن خطاب التفاوض قد سقط مع مشاهد القتل الرهيبة والمقاومة الباسلة في القطاع، أما إذا كان الرأي المعتمد هو رأي الأنظمة، فليعلموا أن خريطة مواقفها لم تعد كما كانت عليه، وأن تمايزاً صار واضحاً بين المواقف. أما انتظار فوز تسيبي ليفني فلن يغير الكثير في المشهد، إذ سيبقى المعروض بائساً لا تقبله الجماهير، ما يعني أن خيار المقاومة والممانعة هو الذي سيمكث في الأرض، بينما يذهب جفاءً زبد المفاوضات، وليتراجع معه نفوذ القوى التي تعتبرها خياراً وحيداً لهذه الأمة.

بقي القول إن مفاجأة الكويت كانت كلمة العاهل السعودي، والتي تبدو كما لو كانت إعادة نظر في المواقف السابقة، لاسيما حديثه عن المبادرة العربية، فضلاً عن إعلانه تخصيص مبلغ مليار دولار لإعمار غزة. ثم جاء لقاء المصالحة السباعي ليمنح الأمل بإعادة النظر في مسار العلاقات العربية التي لا يمكن أن تكون في وضع جيد من دون تفاهم مصري سوري وسعودي، فهل ثمة مؤشرات على تفاهم من هذا النوع؟ نتمنى ذلك وإن لم تمنحنا المؤشرات المتوفرة الكثير من الأمل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات