الجمعة 09/مايو/2025

غزة التي افتدتكم وحمتكم دوماً..

غزة التي افتدتكم وحمتكم دوماً..

صحيفة الدستور الأردنية

عندما نستذكر دور غزة التاريخي كقلعة للصمود والمقاومة وصون الشخصية الفلسطينية والدفاع عن الهوية الحضارية للأمة في وجه المشروع الصهيوني فإن هذه الخلفية للصراع هي التي تفسر الاستنفار العربي الإسلامي في المعركة الفاصلة التي خاضتها غزة، حيث كانت غزة هذه المرة من جديد خط الدفاع الأخير عن الأمة، وعظمة الانجاز وروعة النصر لا تقاس فقط بفشل الغزو وهزيمة العدوان، وإنما يفترض أن تقاس بالثبات والصمود من أقصاه إلى أقصاه، وبدأت الحقبة الاستعمارية سايكس بيكو ووعد بلفور.

ومقاومة غزة للعدوان الصهيوني كما أشرنا بدأت من العام 1948 وتجلت بشكل خاص في العام 1971، الذي شهد مذابح ومجازر همجية، ولكن المقاومة كانت تسيطر على غزة ليلاً ويهرب الصهاينة منها ليعودوا نهاراً إلى مداهمة وتدمير أحياء وقتل أبرياء بالجملة ومنذ ذلك اليوم وحتى اليوم كانت عظمة غزة وفرادتها وفداؤها لقضية شعبها وأمتها دون أن تطلب من أحد أكثر أن يكونوا معها وليس عليها، ولاستذكار ووقف الانهيار، فقد ثبتت غزة المبدأ الإنساني بأن كل احتلال تقابله مقاومة فصانت بذلك فلسطين وحمت الأمة.

في الفترة ما بين 16 آذار 1917 وحتى تشرين الثاني من نفس العام وعلى مدى 8 أشهر صمدت الحامية التركية مدعومة بكل أهل غزة يومها الذين قاتلوا قوات الإمبراطورية الانجليزية والحلفاء بسلاح الإرادة والعزيمة وفي هذه الحرب لم تتمكن القوات البريطانية من احتلال غزة إلا بعد أن دمرت أكثر من 80% من مبانيها وأبادت ثلث سكانها تقريباً، وعندما استولت بريطانيا على غزة انهار المشرق العربي هذا النضال الموصول من العام 1917 وتضحيات غزة وفداء شعبها لأمته نستعيد مع الزميل جورج ناصيف النص الذي كتبه أحد أبرز المطارنة العروبيين في لبنان حيث كتب الأب جورج خضر:

في الأول من حزيران 1917 تحت عنوان «يومك يا غزة»: السلام عليك أيتها المستقرة في البطولة يا مدينة الرفض الكبير.

نحن هنا من وراء المعركة، من بعد المعركة نحييك تحية خاشعة ونستميحك عذراً إذ تركناك مرمية على الصليب وكنا مع «جميع معارفك واقفين من بعيد ننظر ذلك. أتينا الآن لننشدك تبنا إليك وإلى ما ينزل الله عليك من نعمة الجهاد ورجونا إليه أن يوفقنا إلى نعمة الصمود، وتجربة اليوم تجربة التخاذل «…» رصانتك زادت العدو شراسة وقد أمعن في جسمك تجريحاً. لكنك ستظلين بهية جالسة على الشمس تدينين الظالمين وأنت تتصاعدين بما تذوقين من ألم إلى مراتب الفداء.

في غزة وحدها، يولد الطفل فتعدّ له أمه قبراً، قبل أن تخيط قميصاً.

في غزة وحدها، يعيش الطفل تسعة شهور جنيناً، ثم بقية العمر شهيداً.

في غزة وحدها صار الأطفال يمضون رفوفاً إلى المدرسة ليموتوا قبل أن يدق الجرس، قبل أن يحصيهم المعلم فتحصيهم نشرات الأخبار: محمد وأمجد غابا عن صف الروضة، سميرة وعصام وبلال في غرفة العناية الفائقة.

في غزة وحدها، يختم الأطفال برنامجهم الدراسي في الصف الأول ابتدائي، فيتخرجون فوراً بامتياز: ياسر بدرجة مشرف، ليلى مجازة في الكرامة، سامر أفضل رسام بالأحمر.

فيا غزة، لا تندبي، لا تنوحي يا مباركة في المدن ومبارك ثمر بطنك: أسيادنا الأطفال في السماء كما على الأرض.

اذهبي يا مجدلية وأخبري العالم أن أصحاب العروش سيبادون ولن يكون لهم ذكر في سفر الأحياء، لأن غزة غلبت العالم.

أنت أرضنا، نحن المطرودين، أنت كرامتنا، نحن الأذلة في عيونهم، أنت رداؤنا وخبزنا وملحنا وماؤنا ونجمتنا ومجدنا وإسراؤنا ومعراجنا.

أنت، أنت المدمرة بيتاً بيتاً، سقفاً سقفاً، خير مدينة أخرجت للناس، لو يقرأ العرب في كتابك السماوي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات