الجمعة 09/مايو/2025

هل تنقلب المعادلة لصالح الحق الفلسطيني؟

هل تنقلب المعادلة لصالح الحق الفلسطيني؟

صحيفة الخليج الإماراتية

في حياة الأمم والشعوب ثمة مواقف وأحداث من الصعب على البعض التيقن من وقوعها، لأنها تأتي بصورة متوقعة يعتقد الخصم أنها إيجابية ولصالحه، لكن الأمر ليس كذلك، ومن ضمنها الحرب الوحشية الإجرامية على الشعب العربي الفلسطيني في غزة الصامدة الصابرة، وهي جديرة بالتأمل لأنها حقيقة ذات أبعاد كبيرة وانعكاسات تكون إيجابية كما تشهد الأحداث والتحولات بعد ذلك، تماشياً مع المفاهيم والمعايير التي تحدد مسار هذه المتغيرات غير المتوقعة.

فمن كان يتصور، على سبيل المثال، أنه خلال أقل من نصف قرن من حركة التاريخ أن ألمانيا ستتوحد مرة أخرى بعد الزلزال الذي حدث في شرق أوروبا، أو أن المتغيرات نفسها في الاتحاد السوفييتي سابقاً ستؤدي إلى تفكك هذه الدولة العظمى وتراجعها عن الصدارة، أو أن الولايات المتحدة ستتعرض لهجمات في سبتمبر/ أيلول 2001 في قلب مدنها الكبرى تقلب الكثير من المفاهيم والأفكار والنظريات في قدرة هذه الدولة المعلوماتية وإمكاناتها العسكرية في القرن الحادي والعشرين؟

ومن يظن قبل ذلك أن اليابان التي هزمت في الحرب الكونية الثانية، ستعود أكثر قوة اقتصادياً وتكنولوجياً من أوروبا المنتصرة في جوانب عديدة، بينما أمم أخرى من العالم تعاني من التخلف والتبعية في عالمنا الراهن على المستويات الحضارية والسياسية والفكرية؟

ومن كان يتوقع أن المقاومة اللبنانية ستنتصر على “إسرائيل” في حرب يوليو/ تموز 2006 مع الاختلاف الهائل في التوازن العسكري بينهما، وإمكانات وقدرات الطرفين؟

والآن فإن الحرب “الإسرائيلية” الظالمة على غزة ترجح انتصار فصائل المقاومة من حيث عدم استطاعة “إسرائيل” وقف إطلاق الصواريخ على مستوطناتها، وضرب المقاومة، وربما تنسحب “إسرائيل” من دون قيد أو شرط ومن دون أن تحقق أي نجاح عسكري أو سياسي، مع أن الكثيرين لم يتوقعوا صمود الشعب الفلسطيني في القطاع في وجه آلة الدمار “الإسرائيلية” الهائلة والمجازر التي ترتكب بحق الأطفال والنساء. وهذه التحولات سوف تفرز معادلات جديدة وأساليب غير معروفة، وهو ما يشي بأن هناك جديداً في مسار الشرق الأوسط لصالح الحق والعدل والاستقلال غير المنقوص.

كل هذه الظروف قد تكون خافية على الكثير من المحللين، لأنه ليس بإمكان أي مفكر أو باحث أن يحكم سلفاً ويحدد تحديداً جازماً بما ستؤول إليه حضارة معينة أو مجتمع معين في فترة يقدرها حسب توقعاته، لأن ذلك أقرب إلى التخمين.

والولايات المتحدة سعت إلى صياغة تاريخ جديد للشرق الأوسط منذ سنوات وفق رؤيتها وبرامجها وأهدافها، من دون أن تستفيد من تجارب التاريخ ومتغيراته، الذي عصف بالعديد من دول العالم عندما نهجت أسلوب القسر والفرض على الشعوب. وتلك نظرة قاصرة أثبت عقمها وفشلها، بل ربما يعجل بانهيار النموذج المستبد وعدم نجاحه. وهذا ما حصل عندما أعلنت الولايات المتحدة أن هدفها بعد الانتهاء من حرب العراق السعي إلى صياغة نموذج جديد للمنطقة العربية، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل إنها أرادت أن تتقبل الدول الأخرى، حتى الكبيرة منها، ما تريده وما تسعى إليه من دون معارضة أو رفض، وما جرى في مجلس الأمن في الأيام الماضية عند مناقشة الحرب على غزة، لهو شاهد على تلك النظرة الأحادية في تعاملها وتعاطيها مع المسألة الفلسطينية وغيرها من المشكلات العالقة، وإن كانت المياه تجري في غير صالح المعتدين.

فهل يعيد التاريخ نفسه، أم أن الحضارات هي التي تتراجع وتنكمش لأسباب لا مجال لسردها الآن، ومن ثم تعود أحداث التاريخ بنفس الوتيرة السابقة؟ فنتوهم أن التاريخ يعيد نفسه وهو ليس كذلك، وفي تلك عبر كثيرة جديرة بالتأمل والمراجعة.

فالحرب الإجرامية التي استهدفت النساء والأطفال والمدنيين العزل على غزة لم تحقق هدفاً استراتيجياً حتى الآن على المقاومة، وهذا الإخفاق مرده إلى الإرادة والإيمان بانتصار الحق على الظلم، وأن موازين القوة ليست معياراً دقيقاً لتحقيق النصر وكسر شوكة المناضلين والمجاهدين. وهذا الأمر ظهرت بوادره خلال الأيام القليلة الماضية، فلا يمكن أن تخسر الإرادة في مواجهة المعتدي الغاصب، مهما حشد ودمّر وقتّل وعاث في الأرض فساداً وتهديماً، فمصيره مصير بقية الأمم الغابرة في متحف التاريخ.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات