الإثنين 12/مايو/2025

من قلب الحرب على غزة.. من الحصار إلى الدمار

من قلب الحرب على غزة.. من الحصار إلى الدمار

صحيفة الوطن العمانية

تصل هذه الحرب المسعورة التي تشن على سكان قطاع غزة منذ نهاية الشهر الماضي وحتى اليوم دون أن تتوقف ولو للحظة واحدة تصل تقريباً إلى كل إنسان وكل كائن وكل بيت وكل حقل فلم تترك مدرسة أو مسجد أو حتى مقبرة دون أن تحدث فيها إبادة كاملة أو ضرراً بليغاً أو حرق أو تشويه.

تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة والصحيح تجرب فيها جميع أنواع الأسلحة التقليدية والالكترونية التي تحول الأطفال والكبار والشيوخ والنساء إلى أشلاء تحرقهم وتسبب لهم جروحا بالغة وتفقدهم القدرة على البقاء أحياء. نعم هذا ما يحدث في غزة الآن.

هدمت المباني على رؤوس ساكنيها والمساجد على مصليها وضربت قوافل الإغاثة ومراكز الإغاثة وضرب الناس وهم هاربون من الموت وهم موتى في المقابر وهم يسيرون على أقدامهم أو على دراجاتهم أو في سياراتهم كما ضربت سيارات الإسعاف وقتل وجرح المسعفون وقتل الأطباء والصحفيون.

في غزة كل شيء أصبح مباحاً ومستهدفاً تحولت غزة من سجن كبير محاصر حصاراً شديداً منذ ثلاثة أعوام نضبت فيه الموارد واستنزفت الطاقات وتلاشت احتياجات الناس وجفت فيه دموع البشر واختنقت حناجرهم وهم ينادون ويصرخون برفع الظلم عنهم. لم يستمع لهم أحد ولم يستجب لهم أحد.

وفجأة تتحول غزة من الحصار إلى مقبرة جماعية يموت فيها الناس بالجملة من القنابل والصواريخ التي تنهمر عليهم من كل حدب وصوب ويموت فيها الناس من قلة الدواء ويموت فيها الأطفال مختنقين بدخان قنابل الفسفور ومن شظايا وأصوات الصواريخ التي تنفجر فوق رؤوسهم ومن فقر الدم بسبب قلة الغذاء الحياة تتحول في غزة إلى موت ودمار وخراب ولم يبق فيها للإنسان إلا الدعاء إلى الله بأن يرفع عن سكانها هذه المحرقة الجماعية.

في غزة أنت الآن مستهدف لا تعرف من أين ستأتيك القذيفة القاتلة من الجو؟ أم من البحر؟ أم من البر؟ وليس بإمكانك أن تحمي نفسك أو تحمي أولادك أو تحمي جيرانك من شدة وكثافة النيران التي تهوي عليك غزة فقيرة ليس لديها ملاجئ أو مبان آمنة فالناس منتشرون في الشوارع ومعهم أطفالهم يسقطون قتلى وجرحى مع انفجار كل صاروخ أو قنبلة.

في غزة أنت تعاني من الخوف والترويع ومن الجوع ومن قلة الغذاء ومن نقص الكهرباء ومن نقص الماء ومن نقص الدواء ومن عدم توفر الأماكن في المستشفيات وفي العيادات.

في غزة لم يعد بمقدورك النظر إلى السماء فهي مليئة بالموت ومليئة بالدخان الأبيض والدخان الأسود وألسنة اللهب مليئة بالقتل والدمار مليئة بأزيز الطائرات وضوء الأقمار الصناعية التي ترصد وتراقب وتلاحق الناس في كل مكان.

في غزة لم يعد مسموح لك أن تذهب إلى عملك أو أن تجلس أمام بيتك أو أن تعمل في حقلك أو أن تقف مع أصدقائك أو تتحدث إليهم بالهاتف أو النقال أو تجلس أمام شاشة التلفاز وإذا فعلت فسوف تلاحقك صواريخ طائرات الاستطلاع أو قذائف الدبابات. عليك أن تختفي من على وجه الأرض طوعاً أو قصراً. غزة تدمر بيتاً بيتاً وتقتل رجلاً رجلاً وطفلاً طفلاً بنيتها التحتية لم تعد تخدم سكانها فقد شطبت بالقصف أبراجها الجميلة تنهار البرج تلو الآخر حقولها تتحول إلى صحراء آبارها يتم إسكاتها كل شيء فيها أصبح هدفاً على قائمة الهدم.

في غزة أنت إرهابي وأبوك إرهابي وأمك إرهابية عليك أن تغادر إلى تحت الأرض أو أن تقبل الحصار أو أن تقبل القنابل بشتى أنواعها والصواريخ بكل أشكالها وأحجامها وأن لا تتفوه بكلمة واحدة وإلا فأنت إرهابي تستحق القتل.

أستاذ جامعي وكاتب مقيم في قطاع غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات