السبت 10/مايو/2025

قمة غزّة.. سقوف سياسية عالية تحت سيف النصاب

قمة غزّة.. سقوف سياسية عالية تحت سيف النصاب

بعد الكثير من المدّ والجزر والأخذ والرد؛ جاء موعد عقد “قمّة غزّة” في العاصمة القطرية الدوحة الموافق يوم الجمعة (161)، ولكنها عقدت دون اكتمال النصاب القانوني الكفيل بجعلها “قمة عربية طارئة” يخفق فوق قاعتها علم الجامعة العربية.

سمّاها البعض “قمّة الفرز السياسي”؛ والبعض الآخر رأى فيها “اجتماعاً تشاورياً” لبعض الدول العربية علّها تبلور رؤية جامعة تضمن الحقّ الفلسطيني وتقدّم كرزمةٍ رافعةٍ للسقف السياسي للقمة العربية المرتقبة في العاصمة الكويتية، والخلاصة أنّ “قمّة غزّة الطارئة” رأت النور بعد مخاض عسير، وعقدت بمن حضر على إثر سحب أكثر من دولة عربية قرارها بالمشاركة تحت تأثير الضغوط الهائلة حسب المصادر المطّلعة، ما دفع الأمير القطري للخروج عن الدبلوماسية في التعاطي مع هذه المواقف المضطربة والتعبير عن شعوره تجاهها بالقول “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

عبّاس يتهرّب من الحضور .. وعذره أقبح من ذنبه

كشف رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام القمة عن أنّ عبّاس تغيب نتيجة الضغوط التي تعرّض لها حسب عبّاس، وأوضح رئيس الوزراء القطري أنّه اتصل بعباس في ساعة متأخرة من ليلة الخميس وبيّن له ضرورة حضوره القمة التي تعقد لبحث قضية “شعبه”، غير أن عباس أجل إجابته ساعة ونصف الساعة متذرّعاً بالوقت اللازم للحصول على التصريح من الجانب الصهيوني وغير ذلك من أعذار لم يفلح في تسويقها، ليخبر قطر بعد ذلك أنه لن يستطيع الحضور لأنه إذا حضر يكون قد “ذبح نفسه من الوريد إلى الوريد”.

مشعل يفتتح الكلمات .. والمقاومة تمثّل فلسطين

على المشهد الآخر؛ أدار سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني وجهه شطر مقاعد المراقبين ليعطي الكلمة الأولى في “قمة غزّة الطارئة” لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي توجّه إلى الدوحة على رأس وفد من فصائل المقاومة الفلسطينية لحضور القمة، والذي تحدّث إلى الزعماء العرب وخاطب الأمّة من خلال جلسة افتتاح القمة باسم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومقاومته الباسلة، حتى وإن لم يجلس على المقعد الرسمي لـ “دولة فلسطين”.

بدأ مشعل كلمته بشكر جزيل توجّه به لسمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني وكذلك للحاضرين القمّة، ثمّ وضع الحاضرين في صورة الوضع في قطاع غزّة؛ شارحاً الصورة الغزّيّة التي تتداخل فيها مشاهد القصف والدمار والعذاب والألم والمأساة مع مشاهد البطولة والثبات والصمود وبسالة المقاومة الفلسطينية.

وجدّد مشعل التأكيد على شروط الشعب الفلسطيني للتهدئة وهي وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وفتح المعابر وإنهاء الحصار، رافضاً بشكلٍ قاطع تمديد التهدئة على وفقاً للشروط الصهيونية ومع استمرار الحصار، داعياً الحاضرين إلى “المراهنة على المقاومة الفلسطينية وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني حتى يرحل الاحتلال عن الأرض الفلسطينية”.

ودعا مشعل الدول العربية على جملة من القضايا بدأها بتبني المطالب الفلسطينية فيما يخص التهدئة إضافةً إلى تحميل إسرائيل مسؤولية الدمار الهائل الذي أصاب الشعب الفلسطيني من جراء العدوان حاثّاً إياهم على البدء بإجراءات تقديم الكيان الصهيوني إلى المحاكم الدولية ومحاكمته على جرائم الحرب التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في القطاع.

كما طالب مشعل الدول العربية بإيقاف كافة أشكال التطبيع والعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل بكل أشكالها وتفعيل أحكام المقاطعة، كما دعا إلى رعاية عربية للبدء بالمصالحة الفلسطينية الداخلية وإلى جهد عربي ودولي فاعل نحو إعادة إعمار غزة.

السلام بلا مقاومة يؤدي حتماً إلى الاستسلام

المقام بلا لن يتسع لإجمال ما تقدّم في القمة من كلمات وخطابات القادة العرب المشاركين بها؛ غير أن كلمة الرئيس السوري بشّار الأسد فرضت نفسها بقوة، لما حملته من مضامين ومغازٍ ورسائل سياسية انسجمت إلى حدّ كبير جداً مع تطلعات الشعوب العربية التي انتفضت في شوارع كل العواصم العربية تنديداً بالعدوان على القطاع وبالصمت العربي على السواء.

وبدأ الأسد كملته بالقول “قمتنا هذه على صعوبة عقدها تأتي لتعبر لشعوبنا وللعالم أننا مع أنفسنا لا مع أعدائنا، مع شعوبنا وضد الاحتلال، مع الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ، وقبل كل ذلك مع الأبطال المقاومين في كل مكان”، وتابع متسائلاً “هل من الممكن أن نعزل مشاعرنا عن مشاعر الملايين الذين يؤرقهم الألم لمعاناة إخوانهم والذين يحدوهم الأمل في أن نقوم بواجب التضامن الفعلي لنصرة أشقائهم في غزة؟ وهل يمكن أن نكون على صواب عندما تكون قراءاتنا وتقديراتنا في وادٍ ومشاعر شعوبنا في وادٍ آخر؟”.

وحذّر الأسد من امتداد الحرب الصهيونية على القطاع إذا لم يرق الموقف الرسمي العربي إلى مستوى الحدث؛ حيث قال “المحرقة لم تبدأ فحسب بل هي في طريقها للانتقال إلى المراحل التالية والتي ستشملنا جميعاً كعرب إن لم نخمدها الآن، والرسائل التي تردنا من الجماهير العربية عبر ردة فعل غير مسبوقة تحتم علينا الاستجابة لها بجدية مطلقة، فهي تختلف عن سابقاتها من الرسائل من خلال قراءة عنوانها الذي يقول لنا سيروا معنا لا تسايرونا، ومن خلال فهم مضمونها الذي يعلن أنّ مصير غزة هو ليس مصير أهلها فقط، بل هو مصيرنا جميعاً، وأن معركتها هي معركة كل مواطن عربي”.

كما أوضح الأسد أنّ السلام يقتضي بالضرورة الوقوف إلى جانب المقاومة، وقال “إن المقاومة أصبحت عنصراً أساسياً من عناصر السلام، بل نرد كيف يمكن لمن يريد تحقيق السلام ألا يدعم المقاومة، وهنا يكمن الفرق بين السلام والاستسلام، فالسلام بدون مقاومة مع عدو غاشم ومجرم سوف يؤدي حتما للاستسلام”.

كما دعا الرئيس السوري كل الدول العربية التي لها شكل من أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني إلى قطع هذه العلاقات، لافتاً إلى أنّ “سورية وأعلنت بعد بدء العدوان مباشرة إيقاف مفاوضات السلام غير المباشرة بعد التشاور مع تركيا إلى أجل غير مسمى”، ومعتبراً المبادرة العربية للسلام التي أقرّت في قمة بيروت بحكم الميتة وما تبقى على العرب هو فقط نقل أوراق هذه القمة ” من سجل الأحياء إلى سجل الأموات”.

بيان ارتقى لتطلعات الشعب الفلسطيني

صدر البيان الختامي لقمة غزّة الطارئة حاملاً آلام الشعب الفلسطيني ومنسجماً وما يصبو إليه من أهداف مرحلية تحفظ للشعب حقوقه وكرامته وللمقاومة عنفوانها.

أدان البيان الكيان الصهيوني بشدة وطالبه بالوقف الفوري لجميع أشكال العدوان في قطاع غزة وبالانسحاب الفوري وغير المشروط والشامل لقواته من المناطق التي دخلها مع بداية العدوان.

كما حمّل البيان الكيان الصهيوني “المسؤولية الجنائية الدولية بموجب القانون الدولي على ارتكاب العدوان وجرائم الحرب وإبادة الجنس البشري والمسؤولية المدنية بدفع التعويضات والتأكيد على العزم بالسعي في السياقات القضائية الدولية والوطنية لملاحقة إسرائيل ومسؤوليها تنفيذاً لهذه المسؤولية والتعامل في توفير وسائل الدعم اللازمة لذلك”.

وأكّد البيان على ضرورة “الفتح الفوري والدائم لكافة المعابر للأفراد ومواد المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء والوقود والعلاج الطبي وتوزيعها دون عراقيل في جميع أنحاء القطاع”، كما أكّد “على ضرورة رفع الحصار غير المشروع عن قطاع غزة بما فيه إنهاء كافة القيود على حركة الأشخاص والأموال والبضائع وفتح المعابر والمطار وميناء غزة البحري ودعوة جميع الدول لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات لتحقيق ذلك”.

ودعا البيان جميع الدول إلى “تقديم مواد الإغاثة الإنسانية العاجلة إلى سكان غزة والتأكيد على دعم وحماية منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية والوطنية العاملة في هذا المجال وتحميل إسرائيل أي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني ذات الصلة”، كما دعا “الدول العربية والدول المحبة للسلام لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتشكيل جسر بحري لنقل مواد الإغاثة الإنسانية إلى غزة والسعي لتحقيق أوسع اشتراك ممكن من أعضاء المجتمع الدولي في ذلك”.

كذلك أعلنت القمّة “إنشاء صندوق لإعادة إعمار غزة وتثمين تبرع دولة قطر لهذا الصندوق”.

واللافت للنظر كانت الدعوة التي وجّهتها القمة إلى الدول العربية “لتعليق المبادرة العربية للسلام التي أقرت في القمة العربية المنعقدة في بيروت عام 2002 ووقف كافة أشكال التطبيع بما فيها إعادة النظر في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية”.

كما أشادت القمة بالموقف الذي اتخذته كل من دولة قطر والجمهورية الإسلامية الموريتانية بتجميد علاقاتهما مع إسرائيل كما رحبت بدعوة الرئيس عبد الله واد رئيس جمهورية السنغال الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الإسلامي لعقد قمة طارئة للمنظمة لبحث العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات