الخميس 08/مايو/2025

قراءة في صمت باراك أوباما من الحرب على غزة

قراءة في صمت باراك أوباما من الحرب على غزة

صحيفة العرب القطرية

أيام قليلة ويكون الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، لكن ما يبدو أنه خارج «المألوف السياسي» إنه يلتزم الصمت المطبق إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة رغم ما يشيعه المحيطون به من أن اللياقة الدبلوماسية والسياسية من جانب الرئيس المنتخب تجعله يترك شؤون السياسة الخارجية لجورج بوش، باعتبار أن هناك رئيساً واحداً للولايات المتحدة.

أخذ توقيت الحرب الإسرائيلية على غزة في الحساب عاملين أساسيين: العامل الأول هو أن ولاية الرئيس جورج بوش لم تنته، بمعنى أن “إسرائيل” تطمئن لموقف فريق الرئيس جورج بوش ولسياسته الداعمة ل”إسرائيل”، وبذلك يمكنها أن تتجنب «مفاجآت» الرئيس باراك أوباما، خصوصاً وأن شعاره الأساسي هو «التغيير» الذي يعني في مجال منطقة الشرق الأوسط إعادة التوازن للسياسة الأميركية. والعامل الثاني أعياد الميلاد ورأس السنة والانشغال الذي ينجم عن ذلك بالنسبة للمؤسسات الدولية والأمم المتحدة وأوروبا والرأي العام الدولي.

وإذا كانت فكرة «الحوار» الغالبة على توجّه الرئيس الأميركي باراك أوباما في علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع دول منطقة الشرق الأوسط وملفاتها العالقة، فإن “إسرائيل” يناسبها أن تبقى ركائز السياسة الأميركية على ما كانت عليه خلال السنوات الثماني الماضية. وهكذا تختبر باراك أوباما بشكل مبكر كما تخلق مناخات متوترة في المنطقة تعيق أية مبادرة أميركية لتحريك مسارات السلام فعلاً. فعندما يشترك الطيران الإسرائيلي والقوات البحرية والجوية في قصف غزة بضراوة، ويكون ثلث القتلى من الأطفال لا يعني ذلك بتاتاً أن “إسرائيل” تبحث عن شريك فلسطيني للسلام.. ذلك أن ما قد ينتج عن حرب غزة هو صعود التطرف الفلسطيني الذي قد يتجاوز سقف «حماس والجهاد». فالوضع الحالي عموماً لغزة ينفي إمكانية أن تتعاون أية جماعات فلسطينية في حال أصرّت “إسرائيل” على احتلال غزة والعودة عن نظرية «الانفصال عنها».

«التوازن» في مقاربة الرئيس أوباما لأزمة الشرق الأوسط يجري اختبارها. وهو يحيط نفسه بالغموض. فاللوبي الإسرائيلي الأميركي يتساءل بدوره لماذا لا يعلن الرئيس المنتخب موقفاً؟ خصوصاً أنه كانت له مواقف في شأن الأزمة المالية والاقتصادية، وكذلك مما جرى في مومباي. واللوبي اليهودي الأميركي يريد تأييداً علنياً من باراك أوباما للحرب الإسرائيلية على غزة، علماً أنه ليس هناك ما يوحي بأنه خرج على معادلة دعم “إسرائيل” خلال حملته الانتخابية أو خلال زيارته الأخيرة ل”إسرائيل”، حيث عبّر عن تضامن شخصي قوي مع المستوطنين الإسرائيليين الذين يقعون في دائرة الهجمات الصاروخية لـ «حماس». ومع ذلك فإن هناك شكوكاً إسرائيلية بأن باراك أوباما هو من محبّذي سلام يلحظ الحقوق الشرعية للفلسطينيين، ويقيم دولة غير مجزأة وتملك مقومات الاستمرار.

في فريق الرئيس باراك أوباما هناك متعاطفون بعقلانية مع القضية الفلسطينية. وهؤلاء يستشيرهم الرئيس المنتخب في السياسة الخارجية بشكل عام وفي موضوع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. فمستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر زبينغو بريجينسكي هو مقرب جداً من باراك أوباما، كما أنه من الذين ينتقدون السياسة الإسرائيلية منذ فترة طويلة. كذلك هو وضع المستشار روبرت مالي الخبير بشؤون المنطقة وهو العضو السابق في فريق الأمن القومي للرئيس كلينتون، والذي كان ناقداً لجهود “إسرائيل” خلال المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية في فترة التسعينيات. والسؤال ما هو مدى تأثير كل من بريجينسكي وروبرت مالي على تفكير الرئيس أوباما الأوسطي؟

بالتأكيد لا ينبغي الذهاب بعيداً في الرهان. ذلك أنه أيضاً في فريق الرئيس أوباما هناك متعاطفون بارزون مع “إسرائيل” أمثال راحيم إيمانويل رئيس الموظفين في البيت الأبيض، كما هناك الجنرال جيمس جونز مستشار الرئيس للأمن القومي الذي أمضى الكثير من الوقت في الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين، حيث قدّم نصائحه لوزيرة الخارجية كونداليزا رايس، إنما الجنرال جونز يبدو متعقّلاً في تجربته ومرناً ومستوعباً لفكرة «التغيير» الرئاسية. أما وزيرة الخارجية في فريق أوباما، هيلاري كلينتون، فإنها لن تكون بعيدة عن الخطوط العامة لما طرحه زوجها من أفكار وحلول عندما كان سيد البيت الأبيض. إنما هذا لا يلغي أنها في حملتها الانتخابية كانت داعمة ل”إسرائيل”، وذهبت إلى حد التصريح بـ «إزالة إيران من الوجود إذا هاجمت “إسرائيل”».

الأرجح أن لا تكون سياسة باراك أوباما الأوسطية نسخة عن سياسة جورج بوش. قد تكون أقرب إلى سياسات من سبقوه كجورج بوش الأب وبيل كلينتون، خصوصاً وأن في إدارته الكثير من «المحاربين القدامى» الذين سعوا إلى تهدئة دائمة في الشرق الأوسط وفشلوا. والأرجح أن من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة دفع الرئيس أوباما إلى التردد في القيام بمبادرة للسلام تحول دون الاضطراب السياسي الإقليمي. فوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني تحاول أن تصوّر الحرب الإسرائيلية على غزة بأنها تعبير عن المواجهة بين المعتدلين والمتطرفين في المنطقة. وهي تريد استدراج واشنطن لتكون طرفاً في هذه المواجهة. ولعلّ هذه الحقيقة في جانب منها تفسّر «صمت الرئيس أوباما»، كما تفسّر مخاوف الأردن من أن تكون “إسرائيل” تسعى إلى الخلاص من «المعتدلين والمتطرفين» الفلسطينيين على السواء عبر الدفع باتجاه الوطن البديل.

ومن هنا فإن الهدف من الحرب الإسرائيلية على غزة استناداً إلى ما يذهب إليه المعلق في صحيفة هآرتس تسفي باربل من «استخدام قوة تدميرية هائلة هو ترك الأثر الصاعق على حماس والمواطنين». إنما هذا الهدف سيتبين كما يستنتج الكاتب فشلاً مدوياً بكل المقاييس. فالأثر الصاعق لم يتحقق، كما أن عدوى الروح القتالية الفلسطينية قد تنتقل إلى الضفة الغربية وتُخرج «فتح» من حيادها وتفتح الاحتمالات على تهديد جدي لاستقرار المنطقة. وهذا ما لا يحتمله الرئيس باراك أوباما ولا تحتمله أوروبا… وكل ذلك يفترض «التهدئة» قبل أن يدخل الرئيس الأميركي المنتخب البيت الأبيض ويصبح «ملزماً» بالخروج عن الصمت.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات