الأحد 11/مايو/2025

الإسلام والعروبة.. وإسرائيل.. إلى أين؟

الإسلام والعروبة.. وإسرائيل.. إلى أين؟

صحيفة القدس العربي اللندنية

خلال الفترة منذ وعد بلفور مرّ سكان هذه المنطقة بتحولات خطيرة.. أهمها.. أنهم كانوا جميعاً يخضعون لدولة واحدة، هي الدولة العثمانية، وأنهم كانوا يعتمدون تعريف “الأمة الإسلامية” في المستويات السياسية والاجتماعية وحتى الشخصية..

لذلك كانت الدولة تلك..هي دولة الأمة كلها.. ولا يعتد بالانتماء القومي أو القطري أو الوطني في شغل وظائف الدولة المختلفة.. لكن تحت وطأة الطرقات الهائلة لمسلسل التآمر الخارجي والغرق في حمأة الفساد الداخلي سقطت دولة الأمة الإسلامية.. وعلى غير العادة التاريخية، لم تحلّ محلها دولة إسلامية أخرى بل قوميات عديدة.. العربية والطورانية (تركيا) والفارسية.. إلخ.. كلها بسطت “سجاجيدها” المزركشة بعد أن أحرقت بساط الأمة الأخضر. ومن بين أسوأ القوميات التي ظهرت حالاً بعد الكردية التي لم تتمكن من أي مكان لتبسط فيه “سجّادتها”، كانت القومية العربية التي نادت “بالعروبة” وأطلقت مصطلح “الأمة العربية” كبديل لمصطلح “الأمة الإسلامية”.. فلقد كانت “سجّادة” العروبة تثير الاشمئزاز والشفقة معاً لشدة تمزقها وتشوهها.. كيانات عربية تفصل بينها حدود سياسية، تحوّل بسببها كل المواطنين في أمة الإسلام، الذي حرم أي عمل أو تشريع يؤدي للفرقة (بضم الفاء) بين مسلمين اثنين، إلى أجانب كلّ بالنسبة للآخر بمجرد عبور أي مسلم لأي حدود وفي أي اتجاه.

كانت الأخوّة في “دولة الأمة الإسلامية” هي الأخوّة في الإسلام أو في الله.. لكن، بما أنه لا يوجد شيء اسمه “دولة الأمة العربية”.. فإن مفهوم الأخوّة بين مواطني “الدول الوطنية العربية” لا دخل له في العروبة، إذ كيف يكونون إخوة في العروبة وهم أجانب كما أسلفنا؟

إن الأخوّة المقبولة في هذه الدول هي الأخوّة في الوطن السياسي الجديد (المستقل).. والأعجب من العجب العجاب..أن هذا الجسد المقطع.. مقبول عند النخب أن يكون “أمة العرب الخالدة”.. حتى إن بعضهم يدعو كومة الأشلاء النخرة هذه، دولا إسلامية رغم معرفتهم بحديث الرسول الكريم: “إذا بويع لإمامين فاقتلوا الثاني”.

قرابة 100 عام والشعوب تنادي الدول العربية أن تتحد لكي تنتصر وتزدهر.

بلا فائدة.. كأن العرب هم الذين فرّقوا أنفسهم وكأنهم لا يريدون الوحدة.. يتناسون أعداءهم التاريخيين الذين لم ييأسوا من تجربة كل شيء للإيقاع بهم.. لقد قهروهم وأذلّوهم ثم بعد ذلك أقنعوهم وعلموهم كما تتعلم الببغاء.. أنت مصري، أنت ليبي، أنت سوداني، سوري، أماراتي، كويتي، سعودي.. أسماء ذات وظيفة استعمارية لحدود صنعها الاستعمار، لا قداسة لها “إن هي إلا أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان”، والغريب أن أولاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي نهاهم عن عصبية الجاهلية النتنة اقتنعوا وتشربوا النتن حتى الثمالة، لدرجة أن كل العرب تحالفوا مع جيوش الاستعمار الأمريكي والإنكليزي والفرنسي والإسباني والطلياني، الدول التي أذلّتهم استعماراً وتمتص خيراتهم استثماراَ إضافة إلى نشامى اليهود، لكي يمنعوا تحوّل الكويتيين إلى مخلوقات عراقية بعد احتلال العراقيين العرب للكويتيين العرب!!

إن الذي فرّق العرب هو هذا العدو الذي أسقط دولة الإسلام التي كانت دائماً تهزمه وتخيفه.. وفي ظل هذه الدول (الوطنية) لا مجال للوحدة، ولا بأي اسم، لا إسلام ولا عروبة، لقد أعاد الأعداء الأقوياء أمة الإسلام إلى قبلية الأعراب، يغزو بعضهم بعضاً ويسبي بعضهم نساء بعض.. يستقوون على بعضهم بفرس وروم. لن يتحد العرب أبداً ما داموا عرباً..لأنهم وبكل بساطة، لم يتحدوا في تاريخهم أبداً منذ أن خلقهم الله. إذلال من الشرق ومن الغرب ومن أنفسهم حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم بدين التوحيد فصنع منهم أمة الإسلام وأقام لهم دولة الإسلام التي فتحت التاريخ قبل أن تفتح الآفاق.

100عام.. لم يفعل العرب أكثر من الانهزام والبكاء والتطوع ببعض مال الصدقة.

الدول العربية تؤمن بالشرعية الدولية التي تفرض في قانونها عدم تدخل الدول، بما في ذلك دول العرب و”إسرائيل: في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.. ولأن العرب “أولاد ناس ومحترمون”.. فهم غير مستعدين للخروج على القانون والشرعية كما تفعل “إسرائيل” المجرمة وتاريخهم يشهد بهذا الالتزام.

طيب وبعدين؟ بالبلدي.. إحنا بنحترم القانون والقانون بيحمي “إسرائيل” اللي ما بتحترم لا قانون ولا شرع ولا شريعة ونازلة طالعة تقتّل فينا.. وإحنا مش مستعدين نعمل زيها ونخرق القانون، لا سمح الله لأنو عيب.. كيف ممكن نطلع من ها المصيدة؟ مين بيفهم يحكيلنا كيف راح نحرر فلسطين؟ بشرط ما نخرق القانون؟ وإيش راح نعمل ب”إسرائي”ل؟ مش هيّي دولة مستقلة وزميلتنا في الأمم المتحدة! ليس أمامنا سوى القبول بدولة مستقلة في حدود 1967.

في الحقيقة.. الاستقلال هنا حلال في شرع العرب الذين يعترفون ب”إسرائيل” بشكل غير مباشر من خلال قبولهم بالشرعية الدولية.. وكذلك بشكل مباشر كما هو الحال في مصر والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية وموريتانيا.. وبشكل شبه سري كما هو الحال في دول الخليج. لكن إذا كان الاستقلال حلالاً في شرع العرب فإنه حرام في شرع المسلمين.. لأنه يفرّط في حدود 1948 من فلسطين التي هي وقف يملكه المسلمون جميعاً لا يحق لأحد التصرف فيه. في هذه النقطة بالذات يتصارع منهاجان متناقضان لا يلتقيان.. منهاج العروبة الاستقلالي ومنهاج الإسلام التحرري، لذلك لن تساعد أنظمة العرب في مشروع تحرير فلسطين ولا حتى بالدعاء، لأن ذلك يعني التمرد على المجتمع الدولي (وهذا بعيد عن شنبات العرب جميعاً) وانهيار منظومتهم المستقلة.. لن يساعدوا إلا في مشروع الاستقلال في حدود 1967 جنباً إلى جنب مع “إسرائيل” التي يعترفون بحقها في الوجود، وأن على من يرفض مشروع العرب أن لا يسأل العرب.. وأن لا ينتظر من العرب إلا الإهمال. لقد عايشت المقاومة الفلسطينية في تاريخها كل أشكال الخذلان والخيانات إضافة لحصارات ثلاثة فمنذ الهدنتين الخيانيتين التي قبلت بهما جامعة دول العروبة عام 48، بدأ الحصار العربي التاريخي الأول، حيث رفض العرب المجتمعون في قمة الجامعة ببيروت تزويد المجاهد عبد القادر الحسيني بالذخيرة ليواصل مقاومته للاحتلال وعاد ليستشهد رحمه الله في القسطل، وما زال نفس العرب يجتهدون في منع أي رصاصة أن تقع في يد المقاومة حفاظاً على موقفهم الحيادي ومبدأ عدم التدخل في شؤون “إسرائيل” الداخلية..

الحصار الثاني كان في لبنان وشارك فيه كل الأحزاب اللبنانية والسوريون والأمريكان والفرنسيون وفي النهاية الإسرائيليون وبمساعدة من دول عربية كانت تموّن حزب الكتائب اللبناني بالسلاح، وخروج مصر من معادلة الصراع مع “إسرائيل” بعد أن وقعت معها اتفاقية كامب ديفيد للسلام والصداقة، ونتج عن هذا الحصار خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان.. كل ذلك ليقبلوا بوجود “إسرائيل” ويقبلوا بما تعطيهم إياه الشرعية الدولية بناء على القرارين 242 و338 والمضي في نفس الطريق الذي سلكته مصر كامب ديفيد.

الحصار الثالث.. يجيء لمعالجة نفس العقدة التي كانت تسيطر على فتح وهي رفض حماس ما كانت فتح ترفضه قبل حصار بيروت.. فحماس لا تعترف بشيء تقريباً.. لا ب”إسرائيل” ولا كامب ديفيد ولا أوسلو ولا المبادرة العربية.. لذلك يجد العرب أن من حقهم ترك حماس تلعب كل اللعبة وحدها دون أدنى مساعدة.

إن الرسالة التي تصر الدول العربية على أن توصلها للفلسطينيين عبر الـ100 سنة الماضية هي :

لم نغلب “إسرائيل”.. لن نغلب “إسرائيل”.. لا يوجد دولة واحدة تستطيع غلبة  “إسرائيل”…. لا.. لسنا مستعدين لقبول مغامرات أخرى في هذا المجال.. في نفس الوقت يجب رفض ومقاومة، ولم لا مواجهة مسلسل المغامرات وإنهاء قضية النزاع بين الفلسطينيين واليهود لأن هذا النزاع يشكل عامل عدم استقرار في المنطقة ويعرضها للانفجار بدون فائدة تذكر في مسألة الانتصار على “إسرائيل”. على الفلسطينيين أن يقتنعوا بضرورة التفكير بطريقة أخرى غير السلاح والحرب والمقاومة، لماذا لا يستسلمون للإرادة الدولية؟ إنها مخرج قانوني محترم وحضاري ويحفظ الحد الأدنى من حقوق كل الأطراف، وإلا فإن الطريق الذي تسيرون فيه منذ 100 عام مسدود وغير مجد من جهة، إضافة إلى أن العرب لن يمشوه معكم، وأكثر من ذلك عليكم أيها الفلسطينيون أن تعلموا جيداً بأن أنظمة العرب لن تسمح لكم بمواصلة السير في هذا الطريق على حسابهم لأنه بات يهدد وجودهم خلال تعاطف الشعوب مع المقاومة ضدها واتهامها بالخذلان والعمالة لأمريكا. الرسالة باختصار تقول “إما نحن ومبادرتنا أو أنتم ورفضكم”، وليدافع كل منا عن وجوده فهي حرب مبادئ ويجوز فيها كل شيء.

مرّة ثانية.. لن يساهم العرب في رفع الحصار عن غزة حماس ولن يرفع الحظر القانوني عن جماعة الإخوان في مصر وليبيا وسورية والسعودية.. لن تصفو المياه بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ والحكومة في الجزائر.. لن تتوقف دراكيولا العروبة المنتنة عن إغماد أنيابها الزرقاء في رقبة أمة الإسلام، لتواصل مصّ الدم الحار بشفتين غليظتين ولسان فاحش طويل أبداً ومهما كلف الثمن، فمتى يفهم الإخوان وحماس وكل الإسلاميين؟

* كاتب من فلسطين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....