الأحد 11/مايو/2025

رجال غزة لا يريدون فتاتكم

رجال غزة لا يريدون فتاتكم

صحيفة القدس العربي اللندنية

لا نعرف كم من الأطفال والنساء تحتاج “إسرائيل” إلى قتلهم وتمزيق أجسادهم بقذائف دباباتها وصواريخ طائراتها حتى تروي ظمأها، وتوقف عدوانها الوحشي الحالي على قطاع غزة. فيبدو أن تجاوز رقم الضحايا حاجز الألف شهيد، وخمسة آلاف جريح ليس كافياً، فهناك تعطش للمزيد.

ولا نعرف أيضاً كم سيحتاج الزعماء العرب من الوقت حتى يتحركوا من أجل إنقاذ كرامتهم، أو ما تبقى منها، هذا إذا تبقى شيء، قبل الاستجابة لنداءات الثكالى، وأنين الجرحى، وصراخ الأطفال المرعوبين من القصف الإسرائيلي المتواصل.. ثلاثون يوماً، أربعون يوماً، أم عدة أشهر؟

عشرون يوماً، والحكومة المصرية تتفاوض مع نظيرتها الإسرائيلية على مبادرة مهينة، تحقق للمعتدي كل ما يتطلع إليه من أهداف، ومع ذلك يتدلل، ويطلب المزيد من التنازلات والدماء.

كنا نتطلع إلى قمة عربية حاسمة، تعكس تحركاً عربياً رسمياً يوظّف إمكانات هذه الأمة، وهي كثيرة ومؤثرة، لوقف هذا العدوان، فانتهينا بثلاث قمم، هبطت علينا دفعة واحدة، أولها خليجية انعقدت فعلاً في الرياض أمس، والثانية طارئة بإيعاز من معسكر دول الممانعة، جرى اجهاضها بشكل مؤسف، وكان من المقرر أن تبدأ أعمالها اليوم، وثالثة قادمة ستكون الكويت مسرحها يوم الاثنين المقبل.

دول ليست لها علاقة بالعروبة، ولا تنتمي إلى العقيدة الإسلامية انتصرت لاستغاثات الضحايا في قطاع غزة، وبادرت إلى قطع علاقاتها فوراً مع الدولة العبرية (فنزويلا وبوليفيا)، بينما ما زالت الإعلام الإسرائيلية ترفرف، في استفزاز غير مسبوق، في أكثر من عاصمة عربية.

من يريد أن يتحرك لا يحتاج إلى انعقاد قمم عربية، عادية أو طارئة، فقط يبادر باتخاذ خطوات عملية، كل قدر إمكانياته، حتى يترجم أقواله إلى أفعال، ويبرئ نفسه، أمام الله ومواطنيه، من تهمة التواطؤ مع هذه المجازر التي نتابع تفاصيلها الدقيقة، ساعة بساعة، عبر شاشات التلفزة.

اعتقدنا أن ضخامة الفجيعة في غزة ستكون عامل توحيد للعرب والمسلمين، وكم كنا متفائلين سذج، فقد استخدمها البعض بطريقة بشعة لتعزيز هذا المحور في مواجهة ذاك، أو العكس تماماً، الأمر الذي شجع “إسرائيل” وآلتها الدموية الجبارة على مواصلة عمليات التصفية والتطهير العرقي دون رادع.

السيدة تسيبي ليفني وزيرة خارجية “إسرائيل” قالت إنها تخوض هذه الحرب نيابة عن معسكر المعتدلين العرب، ولخدمة أهدافهم في التخلص من “إرهاب” حركة “حماس” والفصائل الأخرى، ويبدو أنها أصابت في أقوالها هذه، لأن هذا المعسكر هو الذي يعرقل أي تحرك عربي فاعل، ويقوم بعضه بدور الوسيط المنحاز ضد بني قومه.

أهالي قطاع غزة الصامدون لا يريدون أكفاناً يرسلها إليهم أشقاؤهم في عواصمهم المترفة، ولا خبزاً، أو حفنة أدوية، وإنما الأسلحة، والمواقف العملية الرجولية، فماذا سيفعل هؤلاء بالخبز وهم يواجهون الموت في أي لحظة، ويهيم أطفالهم وسط أنقاض البيوت المدمرة يبحثون عن أمهاتهم بين ركامها؟.

الحكام العرب يفضلون شد الرحال إلى قمة الكويت الاقتصادية، للاتفاق حول كيفية استثمار أموالهم وفوائضهم بشكل أكثر ربحية، وتنسيق المواقف لضمان أسعار أفضل لنفوطهم، أما دماء أطفال غزة فتحتل مرتبة متدنية على جدول أولوياتهم، هذه هي الحقيقة المخجلة التي يبتعد الكثيرون عن ذكرها.

العالم الغربي الذي يدعم “إسرائيل”، ويوفر الغطاء الشرعي لعدوانها المتواصل، لا يفهم إلا لغة المصالح. ومصالحه تنحصر في أمرين أساسيين هما أمنه وجيبه، ومن المؤسف أنه لا يوجد أي تحرك عربي أو إسلامي، يهدد أياً منهما، لا من دول الممانعة ولا من دول الاعتدال، فقد تساوى الجميع في حالة العجز المزرية التي نراها حالياً بأم أعيننا.

السيد أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ينتقد عجز الزعماء العرب المعتدلين، مثلنا تماماً ككتاب ومعلقين، ولكننا لا نملك غواصات وصواريخ وحرساً ثورياً مثله، ولا نستطيع إغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة الدولية، فلماذا لا يفعل السيد نجاد وحلفاؤه شيئاً عملياً لتخفيف العدوان على أهل غزة؟ نستجديهم أن يقدموا على أي خطوات عملية، تثبت لنا أنهم مختلفون عن الحكام العرب الآخرين المتواطئين مع العدوان الإسرائيلي.

ندرك جيداً أنهم مستهدفون، وأن العدوان على غزة هو مقدمة لعدوان قادم عليهم، ولا نريدهم أن يقعوا في مصيدة الاستفزاز الإسرائيلي، ولكن لا بد أن هناك أوراقاً في أيديهم يمكن استخدامها بفاعلية لإظهار تميزهم، وتأكيد مشاعرهم الوطنية الطيبة في دعم المقاومة وفصائلها المتعددة في هذه الحرب المصيرية.

من حقنا أن نسأل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز ما إذا كان يشاهد أشلاء أجساد الأطفال في قطاع غزة مثلنا عبر شاشات التلفزة، وإذا كان يشاهدها فماذا ينتظر، وهو خادم الحرمين الشريفين، والحليف الأوثق للولايات المتحدة والغرب، وصاحب مبادرة السلام العربية، وحوار الأديان؟

نوجه السؤال نفسه إلى الرئيس المصري حسني مبارك الذي نعتقد أنه على قناعة تامة بأن دور الوسيط الذي يمارسه حالياً هو أفضل ما في جعبته، ونسي وهو قائد سلاح الطيران أثناء حرب أكتوبر المجيدة، إن دور مصر هو أشرف وأكبر من ذلك بكثير، ولكن يبدو أنه لا يريد أحداً أن يذكره بأبسط واجباته كعربي ومسلم، بل وكإنسان، فقد سدّ أذنيه وأغمض عينيه عن كل هذه المناظر والصور التي تزعج حياته، وتنغّص عليه استمتاعه بها فيما تبقى له من سنوات العمر.

أما السلطة الوطنية في رام الله فقد باتت تتصرف وكأنها أحد كانتونات النظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا، تراقب الأمور من بعيد، وتكتفي بإرسال المعونات الغذائية والطبية إلى القطاع، ومساندة المبادرة المصرية لوقف الحرب. سلطة لم تمارس أي نوع من الضغط على أصدقائها في “إسرائيل”، بل على العكس من ذلك سهلت مهمة عدوانهم بقمعها للمظاهرات الاحتجاجية في مدن الضفة الغربية.

يتحدثون في رام الله عن معارضتهم لفصل الضفة عن القطاع، ويؤكدون أنهم لن يعودوا إلى غزة على ظهور الدبابات الإسرائيلية، فليثبتوا هذا عملياً، وليقدموا على خطوات فعلية تؤكد نواياهم، وليكونوا القدوة الصالحة للعرب الآخرين، من حيث حل هذه السلطة وإعلان موت العملية السلمية التي يراهنون عليها، والعودة إلى خيار المقاومة.

قطاع غزة وقع تحت الاحتلال الإسرائيلي مرتين، وهذه هي المحاولة الثالثة، وقدم الآلاف من الضحايا والشهداء، وخرج في كل مرة قوياً، منتصراً وعنيداً في تمسكه بالمقاومة وثوابته الوطنية، ومن المفارقة أن “حماس” لم تكن موجودة في المرتين الأوليين، وإنما الإدارة المصرية التي آمنت بوحدة المصير، ورفضت الرضوخ للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الغربي، واختارت الانحياز للشهامة والكرامة والقيم العربية والإسلامية العريقة.

الأجيال الفلسطينية المقبلة التي ستنهض من ركام هذا الدمار قطعاً ستكون مختلفة، وقد لا تقبل بما يقبل به الجيل الحالي، وتسعى للانتقام من كل الذين خذلوا آباءها، وتواطأوا مع العدوان، وتتعامل مع هؤلاء تماماً مثلما ستتعامل مع المعتدين، إن لم يكن أكثر. وعلينا أن نتذكر حلم وأمنية اسحق رابين بان يصحو يوماً من النوم ليجد غزة وقد غرقت في البحر واختفت كلياً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....