على من يقرأ مزاميره شمعون بيريز؟

صحيفة الخليج الإماراتية
بعد أن أطل شمعون بيريز من إحدى الفضائيات العربية مبرراً المحرقة “الهولوكوست” الصهيونية في قطاع غزة بأنها “دفاع عن النفس”، عاد في يومها السابع عشر متباهياً يقول: “ما حققناه في غزة خلال 16 يوماً لم يحققه أحد في حربه على الإرهاب خلال 16 عاماً”. والرئيس “الإسرائيلي” يعرف تمام المعرفة حجم المأزق الذي يعانيه كيانه باقترافه جريمة المحرقة في قطاع الممانعة التاريخية والمقاومة الأسطورية. ثم إنه يعلم تمام العلم أن حكومته هي المبادرة بالعدوان حين رفضت عرض حماس بتجديد التهدئة وفق الشروط التي تمت عليها بداية. وذلك ما وثقه “غاريت بورتر” الصحافي الأمريكي المختص بسياسة الأمن القومي الأمريكي، الذي كتب في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري تحت عنوان: “”إسرائيل” ترفض عرض حماس بوقف النار في ديسمبر”. ويذكر استناداً لمصدر أمريكي أن وفداً من حماس يضم موسى أبو مرزوق قدم يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول للوزير عمر سليمان عرضاً بالاستعداد لتمديد وقف إطلاق النار مقابل أن تفتح “إسرائيل” جميع المعابر والامتناع عن مهاجمة القطاع. ويضيف استناداً لمستشار الرئيس كارتر، البروفيسور روبرت باستور أن خالد مشعل أعاد تقديم المقترح عندما التقى الرئيس كارتر ومستشاره يوم 14/12، وأن البروفيسور باستور أبلغ مصدراً “إسرائيلياً” بذلك في اليوم التالي.
وما دامت “إسرائيل” هي التي رفضت عرض تمديد التهدئة فإن ذلك يسقط كل الادعاءات الصهيونية وغير الصهيونية بتحميل المقاومة مسؤولية عدوان أعدت له القيادة الصهيونية وبادرت إليه. أما الإنجاز الذي يتباهى الرئيس “الإسرائيلي” به فإنجاز كبير وعظيم حين يقرأ بموضوعية وليس من منظور الأمنيات الرغائبية والترويج الإعلامي لخطاب المقصود به الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” المأزومة والمراهنون على الإنجاز الصهيوني الذين صدموا بالعجز عن تحقيق ما وعدوا به.
وبالعودة لمشاهد أيام المحرقة العشرة الأولى من الهجوم البري يتضح أن كل ما حققته عملية “الرصاص المتدحرج” إنما كان دحرجة أهداف العدوان من القضاء على حماس إلى الاكتفاء بإيقاف الصواريخ، والتي لم تتوقف وإنما امتد مداها لتصيب أهدافاً على بعد 45 كلم. بل وجرى إطلاقها من الأرض الفضاء التي تقدمت فيها الدبابات الصهيونية. فضلاً عن التصدي الموجع للدبابات وناقلات الجنود المدرعة على محاور القطاع.
ولا أحسب أن الرئيس “الإسرائيلي” لم يدرك أن أخطر ما حققته المحرقة الصهيونية أنها أسهمت في تصويب البوصلة السياسية العربية. إذ بات جلياً إجماع الشارع العربي ما بين المحيط والخليج على اعتبار “إسرائيل” ورعاتها الاستراتيجيين على جانبي الأطلسي هم أعداء الأمة العربية الأوْلى بالتصدي والمواجهة. فالأمة بكل مكوناتها هي اليوم، وبما يقارب الإجماع، مصطفة إلى جانب القوى الملتزمة بالمقاومة خياراً استراتيجياً، بعد أن أكدت المحرقة صحة القول بأن الصراع مع الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني صراع وجود ولا وجود، والسلام معه مستحيل مهما بلغت التنازلات.
ومن إنجازات المحرقة، التي يتباهى شمعون بيريز بما حققته، أنها حفزت التراث العثماني في تركيا الكمالية، وأسهمت في تصويب البوصلة التركية. فالموقف التاريخي لرئيس الوزراء أردوغان، ومظاهرات اسطنبول وأنقرة، والتضامن الشعبي التركي مع الشعب العربي، كل ذلك يؤشر إلى أن تحالف “إسرائيل” منذ قيامها مع بعض القادة الأتراك هو اليوم في مهب الريح، وأن ما كان بين أنقرة وتل أبيب قبل المحرقة مرشح لتغييرات كيفية بعدها.
ومن بين مشاهد التنديد بالمحرقة على الصعيد العالمي الأكثر دلالة على إنجازاتها، مواقف بعض الحاخامات والمفكرين اليهود في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا، الذين عبروا عن استنكارهم للمحرقة الصهيونية. وهم وإن كانوا قلة إلا أنهم يؤشرون لبداية تحول في الموقف اليهودي. وإذا كانت “حرب الأيام الستة” سنة 1967 قد حسمت الخلاف التاريخي فيما بين الصهاينة وخصومهم من اليهود لمصلحة الصهاينة، فالذي يبدو أن المحرقة مرشحة لإحياء ذلك الخلاف بعد أن غدت “إسرائيل” والصهيونية عبئاً وليس رصيداً استراتيجياً في نظر اليهود وغير اليهود.
وليس من شك أن التظاهرات المتوالية في المدن الأوروبية المستعدة والأمريكية والأسترالية عمودها الفقري الجاليات العربية والإسلامية في تلك المدن، وإن شارك فيها غير يسير من أصحاب الضمائر الحية من الأوروبيين والأمريكيين والأستراليين، إلا أن سقوط حاجز الخوف عند الجاليات العربية والإسلامية في المهجر، وبروزها كقوى مؤثرة في الشارع إنجاز تاريخي للمحرقة التي يتباهى بها شمعون بيريز.
وفي تعدد لجان حقوق الإنسان الأوروبية وغير الأوروبية المستعدة لتقديم دعاوى أمام محكمة الجنايات الدولية ضد القادة الصهاينة لممارستهم جريمة التطهير العرقي في قطاع غزة، يغدو مبرراً القول بأنه إذا كانت الهولوكوست النازية قد وُظفت في إقامة “إسرائيل” فالاحتمال الأرجح أن تكون الهولوكوست الصهيونية في قطاع غزة مقدمة العوامل المعجلة بتصحيح الخطأ التاريخي بإقامتها. وليقرأ شمعون بيريز مزاميره مستقبلاً على أطلال المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري المؤكد سقوطه في زمن غير بعيد.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قتلى وجرحى في تفجير مبنى بقوة من لواء غولاني برفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...

الاحتلال يحول الصحافي الفلسطيني علي السمودي إلى الاعتقال الإداري
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام حوّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، الصحافي الفلسطيني علي السمودي من جنين، شمالي الضفة الغربية،...

“موت ودمار لا يمكن تصوره”.. منظمة دولية تطلق نداءً لوقف النار في غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام أطلقت "منظمة أوكسفام الدولية"، نداءً مفتوحًا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، محذّرة من استمرار الكارثة...

شهيد وإصابات برصاص الاحتلال في البلدة القديمة بنابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب، متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحام البلدة القديمة من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية...