السبت 10/مايو/2025

الحرب السابعة: قراءة في مقدمات الحرب وأسبابها ونتائجها المحتملة

الحرب السابعة:  قراءة في مقدمات الحرب وأسبابها ونتائجها المحتملة

يتعرض قطاع غزة منذ يوم السبت 27/12/2008 لعدوان شرس استهدف معظم المؤسسات المدنية والأمنية والوزارات، وحتى المساجد، والجامعات، ومدارس “الأونروا”، وبيوت المواطنين المدنيين الآمنين، محدثاً بذلك مجازر حقيقية على الأرض، فقد وصل عدد الشهداء حتى تاريخ إعداد هذا التقرير إلى قرابة الألف شهيد، والجرحى إلى أكثر من 4500 (45% منهم من الأطفال والنساء)، في الوقت الذي مازال فيه الحصار الظالم على غزة مستمراً منذ نحو عام ونصف العام.

إضاءات لا بدّ منها:

قطاع غزة ذو مساحة جغرافية ضيقة جداً .

أعلى مناطق الكثافة السكانية في العالم.

يخلو من الموارد .

حكمته الاتفاقيات السابقة بأن تكون “إسرائيل” هي الممون الرئيس للماء والكهرباء والوقود والبضائع التجارية

منطقة مكشوفة أمنياً وساقطة عسكرياً.

لا عمق جغرافي لها ولا عمق عسكري.

معزولة عن محيطها من البر والبحر والجو.

لا وجود لقوات جوية أو بحرية للمقاومة ولا وجود للأسلحة الثقيلة .

عدم وجود حليف عسكري أو سياسي للمقاومة .

تدمير كافة المقرات والمكاتب القريبة من المقاومة في كافة المجالات.

النصر عند المقاومة يرتبط بالصمود بينما النصر عند الصهاينة مرتبط بتحقيق الأهداف المعلنة.

خلفيات ومقدّمات:

أولاً: فشل جهود التمديد للتهدئة بعد انتهائها والتي استمرت ستة أشهر، فقد سعت القاهرة ورام الله إلى دفع حماس للموافقة على التمديد للتهدئة بمعزل عن التزام الاحتلال بشروطها. فمن المعلوم أن الاحتلال وطوال الستة أشهر الماضية من عمر التهدئة استمر في إغلاق المعابر بشكل عام أمام حركة الأفراد والبضائع التجارية والمحروقات ..، إضافة إلى استمراره في العدوان المتقطع على المدنيين في غزة، ضارباً بذلك استحقاقات وشروط التهدئة بعرض الحائط، محاولاً بذلك فرض معادلة جائرة على المقاومة والفلسطينيين عنوانها التهدئة مقابل التهدئة أو الغذاء مقابل المقاومة ..، بقصد تجميد المشهد الفلسطيني المقاوم، ليتسنى للاحتلال الاستفراد بالضفة والقدس لمصادرة المزيد من الأراضي، وتسمين المستوطنات، واعتقال المجاهدين بالتنسيق مع أجهزة أمن عباس الذي ما زال يتاجر بالقضية الفلسطينية في بازار المفاوضات السياسية التي تحولت بالتدريج إلى غطاء فاضح لاستمرار الاحتلال في عدوانه وانتهاكاته بحق الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

إذن فشل تمديد التهدئة بواقعها المذل، كان يعني عودة المقاومة إلى المشهد الفلسطيني واستلامها لزمام المبادرة، وبالتالي إحراج كل الذين يحاولون التخفي وراء سراب المفاوضات العبثية، ومن جهة أخرى عودة مشهد الرعب إلى الجانب الصهيوني الذي كان يسعى من وراء استمرار التهدئة بمشهدها السابق إلى التخلص من عبء مواجهة المقاومة، وبالتالي عزلها، مقابل تحريك ملهاة المفاوضات إلى ما لا نهاية لإفساح المجال لاستكمال مخططات الاحتلال الاستيطانية.

ثانياً: غضب القيادة المصرية على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، برفضها التمديد لولاية الرئيس عباس المنتهية ولايته في 9 كانون / يناير 2009، برفضها الحضور للقاهرة الراعية للحوار الفلسطيني، طالما لم يتم الاتفاق على كل ملفات الخلاف السياسي التي أدت لانقسام المشهد السياسي الفلسطيني الداخلي كرزمة واحدة بما فيها ملف ولاية الرئيس عباس..

ثالثاً: ممانعة حركة حماس وفصائل المقاومة وبرفضها التهدئة المذلة، وتمسكها بخيار المقاومة وعدم التراجع في الموقف السياسي، شكل حاجزا ومانعا لاستمرار مسار المفاوضات العبثية، كما كشف سياسات بعض الأنظمة العربية كمصر المشاركة في الحصار، والتي حاولت زج القضية الفلسطينية في بازار السياسة الإقليمية والدولية، في مسعىً منها لنيل رضا الإدارة الأمريكية.

رابعاً: استمرار تمسك الحركة بموقفها السياسي وحقوق الشعب الفلسطيني، في ظل تعاظم حالة الصمود الأسطوري للفلسطينيين في الضفة وغزة على وجه الخصوص، أصبح يؤرق بعض النظم العربية، وبعض القوى الدولية التي باتت مكشوفة أمام الرأي العام، الأمر الذي أدّى إلى حراك متصاعد ملحوظ من أجل رفع الحصار عن غزة، ما يعني المزيد من الحرج والضغط على المشاركين في الحصار.

خامساً: تطور المشهد السياسي لدى الكيان الصهيوني، ودخوله في مرحلة الإعداد لانتخابات قادمة، جعل العدوان على غزة أداة من أدوات التنافس على صوت الناخب الصهيوني، خاصة وأن التنافس بين كبار قادة الصهاينة أصبح متفاقماً منذ حرب تموز 2006 على لبنان.

تلك العوامل وغيرها دفعت الصهاينة وبتنسيق مسبق مع أطراف فلسطينية وعربية إلى التحالف في توجيه ضربة قوية لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية وللإرادة الفلسطينية الشعبية الصامدة للتخلص دفعة واحدة من مشهد الصمود والمقاومة في غزة الذي بات يؤرق ذلك الحلف الذي لم يخف موقفه المعادي لحركة حماس ومشروع المقاومة، وذلك من خلال تسويق مبررات للعدوان الصهيوني وبتحميل لحركة حماس مسؤولية الحرب، وبأنها رفضت التجديد للتهدئة بشروطها وواقعها المذل، والتي كان يراد لها أن تقبل بمقايضة المقاومة بشحنات غذائية مشبعة بالذل للفلسطينيين.

في (25/12/2008) شهد العالم وسمع تصريحات وزيرة خارجية الاحتلال تسيبي ليفني بصحبة أحمد أبو الغيط من القاهرة، عندما توعدت “بتغيير الوضع في غزة بالقضاء على حركة حماس هناك”، دون أي اعتراض من أبو الغيط أو من القيادة المصرية التي نقل عن وزيرها رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان تهديده لقيادة حماس وتوعده إياها بالعقاب.

 

الحرب على القطاع الأسباب الحقيقية.. الظاهر منها والمخفي:

تحفظ الاحتلال على تحديد أهدافه من الحرب والعدوان على غزة في ضوء تجربتهم في الحرب على لبنان 2006، عندما أعلنوا عن أهداف كبيرة للحرب، فلم يستطيعوا تحقيقها فكانت هزيمتهم بأن فشلت الآلة العسكرية الضخمة في تحقيق الأهداف السياسية.

في ظل تلك التجربة حافظ الاحتلال على موقف غامض أمام الإعلام فمرة يصرحون ـ كما جاء على لسان تسيبي ليفني من القاهرة 25/12 ـ بأنهم يهدفون إلى تغيير الوضع في غزة وإنهاء حكم حماس، ومرة يعلنون بأنهم يهدفون إلى إضعاف حكم حماس، وصولاً إلى القول والمطالبة ـ كما جاء على لسان وزير الأمن الداخلي آفي ديختر في مقابلة مع فضائية الجزيرة (4/1) ـ بأنهم يهدفون من العدوان على غزة إلى تحقيق: “وقف صواريخ المقاومة قطعياً، ووقف تهريب الأسلحة قطعياً، ومن ثم عقد تهدئة تختلف كلياً عن التهدئة السابقة”، نافياً ومتراجعاً عن الهدف الذي حددته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني من أن هدف العدوان هو القضاء على حركة حماس، معتبراً أن مهمة القضاء على حماس هي مسؤولية ملقاة على عاتق السلطة الفلسطينية في رام الله، وعلى الدول العربية التي ليس لها مصلحة في وجود حركة حماس.

للحرب أهداف إستراتيجية وأهداف تكتيكية، ولها أهداف رئيسية وأهداف فرعية، وهنا ليس بالضرورة أن يكون الإستراتيجي رئيسيّاً، أو التكتيكي فرعياً، بل على العكس يمكن أن يكون الهدف فرعياً لكنه إستراتيجي في ذات الوقت، وأقصد بالأهداف الإستراتيجية ما يعتبر استراتيجياً لدولة العدو الصهيوني أو ما يخص المنطقة والإقليم.

وبناء على ما تقدم فانه يمكن إيجاز الأهداف الصهيونية من الحرب على غزة، حسب الأولوية والترتيب التالي:

القضاء على حركة “حماس” كجزء أساس من حالة المقاومة ومشروعها من جهة، وكجزء من محور الممانعة من جهةٍ أخرى، لإعادة بناء الإقليم بدون حماس تمهيداً لتصفية نهائية أو شبه نهائية للقضية الفلسطينية، خاصة في إطار ما يروج له الآن من قضية عودة الأوضاع إلى ما قبل الـ67 ضمن سياقات متباينة.

القضاء على حركة “حماس” لكونها المعرقل الأساسي لتحقيق اتفاق سلام بالرؤية الصهيونية التي توافق عليها السلطة، وذلك حفاظاً على مشروع التسوية.

كما أن تقرير فينوغراد الصادر بعد الحرب الصهيونية على لبنان عام 2006 كان أحد أهم الدوافع لشن الحرب على القطاع بغية استعادة الجيش الصهيوني لهيبة الردع المفقودة بعد الفشل الذريع الذي لحق به على إثر حربه مع حزب الله، فتوجّه إلى غزّة ظنّاً منه أنها الحلقة الأضعف.

 

ثمّ ينتقل الاحتلال ساعياً إلى تحقيق جملة من الأهداف على أرض الواقع على النحو التالي:

إنهاء خطر الصواريخ الواقع حالياً أو المحتمل مستقبلاً انطلاقاً من غزة.

إرغام حماس والمقاومة قبول تهدئة بشروط الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات