رد الهجمة على غزة مرهون باستعادة وحدة الفلسطينيين

صحيفة الوطن القطرية
قرار مجلس الأمن لم يلجم الهجمة الصهيونية الوحشية على غزة. “إسرائيل” رفضت القرار ووسعت دائرة حربها العدوانية. «حماس» أعلنت أنها غير معنية به لأنه لم يخاطبها أصلاً. المذبحة مستمرة، إذن، فهل من مخرج؟
نعم، ثمة مخرج، بل ثمة ضمانة ليس لوقف المذبحة فحسب بل لإحداث تعديل في موازين القوى السياسية يخدم قضية فلسطين بما هي جوهر قضية العرب.
عنوان المخرج والضمانة هو استعادة وحدة الفلسطينيين بما يؤمن وحدة الصف والموقف والعمل. كيف السبيل إليها في حمأة الحرب وتنازع المصالح والولاءات؟
أزعم أن وحشية الحرب الصهيونية ومذابحها المرعبة وردة فعل الشعوب الغاضبة عليها في العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم الأوسع أحدثت هزةً عميقة متعاظمة في مشاعر وضمائر وعقول أصحاب القرار، لاسيما بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
من شأن هذه الهزة الضميرية أن تساعد في تقريب القلوب وتصويب العقول وإقناع أصحاب القرار بأن “إسرائيل” ما كانت لتقدم على شن حربها العدوانية بهذه الوحشية لولا الانقسام المخزي والمجزي لها صفوف أصحاب القضية، وأن استعادة وحدة هؤلاء كفيلة بإحداث تعديل مؤثر في موازين القوى السياسية، العربية والإقليمية والدولية، سينعكس بالتأكيد على إدارة الحرب كما على علاقات القوى والقرار السياسي لدى دول المنطقة، ومن وراء بعضها بعضُ دول العالم.
إن رفض الإقرار بهذه الحقيقة، حقيقة الأهمية الاستراتيجية لاستعادة وحدة الفلسطينيين، يعني التسليم بأن الخلافات العربية قدر مقدور لا فكاك منه، كما يعني الاستسلام للمخطط الأميركي الصهيوني الرامي إلى تخليد حال الشتات العربي وإحكام الهيمنة على موارد الأمة وإرادتها ومصيرها.
إلى ذلك، فإن ثمة حقائق ومواقف ومخاطر من شأنها تسهيل مساعي استعادة الوحدة بين الفلسطينيين كما بين العرب، نجملها بخمسة بارزة.
أولاها أن «حماس» أكدت أنها لن تنزلق إلى سجال في حمأة الحرب حول شرعية رئاسة محمود عباس وقانونية تمديدها، كما أنها وإن تحفظت على قرار مجلس الأمن 1860، إلاّ أنها أبقت الباب مفتوحاً للأخذ والعطاء في ضوء ما سيتأتى عن مباشرة الاتصالات لتنفيذ القرار على الأرض.
ثانيتها أن قرار مجلس الأمن خاطب الفلسطينيين من خلال السلطة الفلسطينية الأمـر الذي يفرض، من الناحية الواقعية، الحاجة الماسة إليها لضرورات تنفيذ القرار، وهي حقيقة تفرض بالضرورة أيضاً الحاجة إلى «حماس» والتنظيمات المتحالفة معها على الأرض وفي الحرب. وهل بإمكان محمود عباس وفريقه ومن يسانده بين دول العرب تجاهل حقيقة راسخة هي أن «حماس» وحليفاتها فريق أساس في الشعب الفلسطيني وشريك فاعل في السلطة الفلسطينية ومؤسساتها؟
ثالثتها أن التحدي المصيري الذي كشفته حرب “إسرائيل الوحشية على غزة يتجاوز مطلبها بسحق «حماس» وحليفاتها إلى سحق المقاومة العربية كلها وبالتالي إلغاء كل إمكانية وفرصة لقيام دولة فلسطينية بين النهر والبحر، بل يؤدي تالياً إلى تهجير فلسطينيي المناطق المحتلة سنة 1948 لتأمين قيام دولة يهودية صافية وقادرة على بسط وجـودها ونفوذها من الساحل الشرقي للبحر المتوسط إلى الساحل الشرقي للخليج العربي.
رابعتها أن من شأن وعي النخبة العربية القيادية، ولاسيما أصحاب القرار في المستويين السياسي والشعبي، الخروج من حال العمى السياسي الراهن والمصالح الذاتية الخانقة والجبن السياسي المخزي إلى رحاب النظر الاستراتيجي إلى أبعد من الأنوف القبلية والمذهبية والمحلية، وبالتالي إلى توحيد إرادة العمل في سياق اجتراح السياسات والمخططات والآليات الكفيلة بمواجهة الهجمة الأميركية الصهيونية الهادفة إلى الهيمنة على موارد المنطقة، وفي مقدمها النفط والغاز، ومحاولة اقتسامها، بالإغراء والخداع والمكر، مع القوى الإقليمية الصاعدة المتمثلة بإيران وتركيا.
خامستها أن مركز مصر الاستراتيجي يؤهلها لأن تلعب دوراً مركزياً في الحرب كما في السلم، لاسيما من حيث جيرتها الجغرافية وهويتها ومصالحها القومية حيال فلسطين عموماً وقطاع غزة خصوصاً ومعبر رفح على وجه الخصوص. كل ذلك يسمح لمصر بل يملي عليها أن تغادر موقف الوسيط في الحرب الدائرة بين المقاومة و”إسرائيل” لتتخذ جادةً موقف الحليف الضمني أو العلني للمقاومة من حيث هي قوة سياسية وميدانية فاعلة وحليف طبيعي لمصر في الصراع الدائر. ذلك أن خسارة المقاومة في غزة، لا سمح الله، سيفضي لاحقاً إلى إلحاق القطاع، بكل أثقاله وأعبائه وآلامه، بمصر. كما ستؤدي إلى إفقاد مصر هامشاً كبيراً من حرية الحركـة والمناورة، وإلى سجنها داخل حدودها، وقد تعرضها أيضاً لخطر استلاب مياه النيل – وهي هبته الخالدة – لإرواء المجتمعات العطشى، وفي مقدمها “إسرائيل”.
اعتقد، مخلصاً ومستبشراً، بأن فريقاً فاعلاً من قادة العرب، في السلطة والمعارضة، لاسيما الفلسطينيون والمصريون بينهم، يعي هذه الحقائق والمخاطر والاحتمالات، وأنهم سيتحركون من أجل تحقيق ما حرصوا على المناداة به والدعوة إليه وهو وحدة الفلسطينيين أمام التحديات الماثلة. فما هي المعادلة أو الصيغة التي يمكن اعتمادها لتحقيق الهدف المنشود؟
أرى للصيغة العملية الكفيلة بتحقيق وحدة الصف والموقف والعمل الفلسطينية ركائز ثلاثاً:
الأولى، الاعتراف بشرعية رئاسة محمود عباس للسلطة الفلسطينية وقانونية تمديدها لغاية إجراء انتخابات رئاسية في تاريخ محدد، وذلك عملاً بمبدأ «لا فراغ في السلطة»، خصوصاً في الظروف الاستثنائية.
الثانية، الاعتراف بشرعية حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة من اتفاق مكة المكرمة بين الفصائل الفلسطينية جميعاً، وبالتالي التسليم بضرورة إحيائها لتعود إلى تحمل مسؤولياتها بسرعة وفعالية.
الثالثة، تكريس صيغة المصالحة والتشارك بين القوى الفلسطينية في تحمل مسؤوليات السلطة والمواجهة وذلك من خلال قمة عربية طارئة وعاجلة لإضفاء صدقية وفعالية قومية واستراتيجية عليها.
من الممكن، توخياً لتحقيق مزيد من التوحيد والتنسيق، تعديل تركيبة حكومة الوحدة الوطنية لتضم جميع الفصائل والشخصيات الفاعلة والراغبة شريطة أن تبقى الغالبية فيها من حق حركة «حماس» وحليفاتها لكونها صاحبة الأكثرية في المجلس التشريعي المنتخب والقائم من جهة، ومن جهة أخرى لكونها ناهضة بمهمات المقاومة والدفاع عن الشعب والأرض والمصير في الحرب الدائرة مع العدو الصهيوني في هذه الآونة.
إن مقتضيات مواجهة الأخطار والتحديات والاحتمالات المصيرية السلبية الماثلة لا تسمح لأي فريق فلسطيني أو عربي بتقديم أي حجة أو دعوى أو ذريعة للتهرب من إلزامية العمل لتحقيق وحدة الصف والموقف والعمل الفلسطيني بلا إبطاء. أما إذا تعذر ذلك، لا سمح الله، ولأي سبب من الأسباب فإني، وغيري كثيرون، يسمحون لأنفسهم بمناشدة القوى الحية بين القيادات والكادرات الفلسطينية والعربية في فلسطين والوطن العربي والعالم، المبادرة فوراً إلى الاضطلاع بالمهام المطلوبة والآيلة إلى تحقيق الهدف المنشود. لسنا مغالين ولا متطرفين إذا ما دعونا، فوق ذلك، إخوتنا في حـركة «فتح»، التنظيم المؤسس للمقاومة الفلسطينية في التاريخ المعاصر، إلى أن يكونوا البادئين في الاضطلاع بهذه المهمة الجلل وذلك بأن يعلنوا، تنظيمياً مجتمعين أو افرادياً متضامين، استقلالهم عن قيادة السلطة الفلسطينية، رئيساً وحكومة، وانضمامهم إلى جبهة المقاومة الوطنية الجامعة والمقاتلة في غزة، ليشكّلوا مجتمعين، في الحاضر والمستقبل، نواةً تأسيسية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية واستعادة مركزية القضية في الحياة العربية. وهل من إحراجٍ وتطلّب زائد إن نحن دعونا الأخ مروان البرغوثي إلى أن يصدر من سجنه نداءً إلى إخوته المناضلين في «فتح» يناشدهم فيه الاستجابة لدعوة الاستقلال عن «حزب السلطة» بغية تجديد المقاومة وتفعيلها؟
إن الاستشهاد في سبيل الحق والقضية، كما يجري اليوم في غزة، إن هو إلاّ الشرط الأفعل للسمو إلى مستوى القضية ولتحقيق أهدافها العليا. فهل إرادة التخلي عن الأنانيات والمصالح والجبن السياسي أصعب اجتراحاً وأغلى ممارسةً على أهل القيادة والسياسة من إرادة الاستشهاد بإقبالٍ وشغف لدى آلاف المقاومين الأبطال على أرض فلسطين وفي أحياء غزة الشهيدة؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

اتحاد نقابات عمال النرويج يقرر فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام قرر الاتحاد العام لنقابات عمال النرويج (LO) فرض المقاطعة الشاملة على الاحتلال الإسرائيلي، وحظر التجارة والاستثمار مع...