الخميس 08/مايو/2025

سجال مع كتّاب أتراك

سجال مع كتّاب أتراك

صحيفة الشرق القطرية

لفت كثيراً الموقف المشرّف والعظيم لرئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان من مذبحة العصر التي نفّذتها “إسرائيل” في غزة وأسفرت حتى الآن عن أكثر من ثمانمائة شهيد ثلثهم من الأطفال إن لم يكن أكثر.

ويُظلم أردوغان إن اعتبر البعض موقفه قوياً فقط بالمقارنة مع موقف بعض الحكّام العرب. بل إن موقف أردوغان قوي بمبدأيته وأخلاقيته بمعزل عن مواقف هذا الحاكم أو ذاك في العالم العربي أو العالم عموماً.

غير أن ما يحزّ في النفس أن تبادر أقلام تركية للتشكيك ليس في مواقف أردوغان الأخيرة بل في مجمل الدور التركي في المنطقة مطلقة مغالطات لا تعكس الواقع والحقيقة وتريد لتركيا أن تبقى غريبة عن محيطها الحضاري والجغرافي والتاريخي وأن تبقى ذليلة وتابعة ل”إسرائيل”.

دعا بعض الكتّاب الأتراك، وهم قلة على أي حال، إلى أن يميّز أردوغان بين حركة حماس وبين الشعب الفلسطيني واعتبروا أن موقفه خاطئ لجهة الدفاع عن حماس كما لو أنها هي الشعب الفلسطيني.

في الواقع إن اعتبار حماس شيئاً والشعب الفلسطيني شيئاً آخر هو عين ما تسعى إليه “إسرائيل” لتبرير هجمتها الوحشية على غزة والشعب الفلسطيني. وإذا كانت “إسرائيل” تريد معاقبة حماس فلماذا كل هذه المجازر ضد المدنيين التي رآها العالم بأم العين؟ ألا يدرك هؤلاء أن معارك “إسرائيل” كانت دائماً عبارة عن مجازر تلو مجازر؟ وعندما حدثت مجزرة جنين وقبلها صبرا وشاتيلا وغيرها الكثير ألم يكن ياسر عرفات هو القائد للشعب الفلسطيني؟ وألم تكن حماس غير موجودة في الأساس؟.

لطالما تستر الغرب و”إسرائيل” بشعارات الديمقراطية. وعندما فازت حماس بأول انتخابات ديمقراطية في فلسطين ألم يكن يعني ذلك أنها أصبحت تمثل الشعب الفلسطيني؟ وماذا كان موقف الغرب و”إسرائيل”؟ ألم تصبح الديمقراطية في خبر كان ولم يعترفوا بنتائج الانتخابات؟ إن المستهدف من مجازر غزة ليس حماس بل كسر روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني والشعوب العربية أيضاً. وهي مجازر عمرها من عمر الحركة الصهيونية وليس فقط من عمر الدولة العبرية ولا تميز بين حماس وفتح أو أي فصيل فلسطيني آخر.

أما النقطة الثانية فهي قول بعض الكتّاب الأتراك أن موقف أردوغان الأخير المدافع عن الشعب الفلسطيني والمندد بشدّة ب”إسرائيل” يفقد الوساطة التركية أهم عناصر قوتها وهي الحياد وعدم الانحياز لطرف دون آخر وقد يطيح بها.

وهنا نقول لهؤلاء الكتّاب إن أردوغان انتفض لكرامة تركيا وشرفها عندما حاول إيهود أولمرت أن يوحي بزيارته الخادعة إلى تركيا والتي سبقت العدوان على غزة بأيام قليلة بأن تركيا على علم مسبق بالعدوان وأنها تغطيه بل ربما شريكة فيه. وهذا ما لا يمكن لأي تركي شريف أن يقبله وهو ما فعله أردوغان بالضبط بمواقفه ضد العدوان الإسرائيلي.

ثم إذا كانت العلاقات الجيدة مع كل الأطراف هي التي تمنح أي دور وسيط حظاً من النجاح فهذا لا يعني أبداً إلا تنتصر تركيا لقيمها وأخلاقها وألا تكون مع المظلومين.

لقد طلع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً علينا ولعشرات السنين بأن سرّ قوته يكمن في قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان التي يحملها ولا سيما الجيل المؤسس للولايات المتحدة. ورغم أن هذا الغرب يمارس خلاف ما يرفعه من شعارات ويرتكب المجازر والإبادات في كل مكان، فإن قوة بلد ما ليس في القوة العسكرية أو القدرة المالية أو النفطية ولا في موقعه الجغرافي بل في قوة قيم الحق والعدالة ودفاعه عنها وتجسيدها في ممارساته. ورغم أن تركيا عموماً ولا سيما الأيديولوجيا التي سادت خلال العقود الماضية لم تمارس سياسة عادلة تجاه أبنائها جميعا لكن موقف حزب العدالة والتنمية من القضية الفلسطينية ومن الإبادة الحاصلة في غزة كان انتصاراً لقوى الحق والعدالة والإنسانية وكان موقفاً أخلاقياً بامتياز يمنح تركيا قوة لا متناهية على الصعيد الدولي. وهو ما قد يجر إلى تعميم هذا الموقف على قضايا أخرى داخلية في تركيا في ما خص الأكراد والمسألة الأرمنية. بل حتى يمكن القول إنه إذا خيّرت تركيا بين موقف الانحياز إلى القيم الأخلاقية وخسارة دور الوسيط وبين الوقوف على الحياد من العدوان على غزة واستمرار الدور الوسيط فعلى تركيا ألا تتردد في الوقوف مع القيم الأخلاقية. علماً أن موقفها في الدفاع عن غزة وانتقاد “إسرائيل” لا يعني انتهاء الدور الوسيط. فأهمية الموقف التركي أيضاً أنه نابع من أن تركيا بلد قوي ويملك قادته الإرادة السياسية. وكما قد تحتاج في ملفات محدودة جداً إلى “إسرائيل” أو الغرب، فإن الغرب و”إسرائيل” هم أكثر احتياجاً إلى تركيا في عدد كبير من الملفات. وبالتالي فإن الخوف على تراجع الدور التركي الوسيط في ظل موقفها المنتقد بحدة ل”إسرائيل” ليس في محله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات