الإثنين 12/مايو/2025

هل تريدون أن تعرفوا سر صمود غزة؟!

هل تريدون أن تعرفوا سر صمود غزة؟!

صحيفة الشرق القطرية 9/1/2009

عرف أهل غزة نوعاً من الألم أكبر من طاقة البشر على التحمل.. إنه ألم عبقري لا يتحمله إلا من يمتلك طاقة إنسانية متميزة وقلباً تعلق بالله فمنحه الله القدرة على الثبات والصمود.

هل يمكن أن تتحمل أن ترى ابنتك تموت ببطء أمام عينيك والدم ينزف من عينيها الجميلتين؟ أرجوك لا تسرع بالإجابة فذلك اختبار لن تجتازه إلا برحمة الله وفضله.

هل يمكن أن تثبت وتصبر وأنت تستخرج أشلاء ابنك من بين أنقاض بيتك الذي انهار على أسرتك؟

هل يمكن أن تنام وأنت تنتظر الطائرات التي ستحول بيتك إلى حطام، والأبناء إلى أشلاء؟

ترى كيف يمكن أن تمضي ليلة، وأنت تسمع أطفالك يتضورون جوعاً، وأقصى ما يمكن أن تتمناه رغيف خبز وبعض الزعتر.

قبل أن تحاول الإجابة.. اسأل الله السلامة، وأعلم أنك ستقف أمام الله وسيسألك: ماذا فعلت وقد شاهدت أهل غزة يصمدون رغم كل هذا الألم ماذا قدمت لهم؟ اعتقد أنك يومئذ ستشعر بألم يفوق الألم الذي يعانيه الآن أهل غزة!

علم جديد

على أية حال تلك ليست قضية ذلك المقال، فالسؤال الذي شغل عقلي هو كيف صمد أهل غزة وواجهوا هذا النوع المتميز من الألم؟. وعندما لم أجد إجابة لدى العقل.. هرعت أسأل القلب والوجدان والضمير وذهبت أبحث عن إجابة في التاريخ والحضارة.

ولأنني أعتقد أن الصراعات الكبرى لا تحسمها الأسلحة مهما بلغت قوتها، ولكن تحسمها المميزات الحضارية الكامنة في أطراف الصراع، فلقد كانت الإجابة على ذلك السؤال تشكل بالنسبة لي أهمية خاصة. وعندما يشغلني البحث عن إجابة لأسئلة من ذلك النوع فإنني لا أعتقد أنني أضيع الوقت والجهد أو أن ذلك ترف فكري، فالبحث في الجوانب الحضارية والثقافية للصراعات لا يقل عن دور الجنرالات في صياغة استراتيجيات القتال.

إن هذا يعني أنني أحاول أن استخرج من تجربة أهل غزة في الصمود بعض العوامل التي يمكن أن تحقق النصر، وتبني النهضة، وتشكل الدورة الحضارية الإسلامية القادمة.

والسؤال جدير بالبحث عن إجابة له.. ذلك أن تجربة أهل غزة سيتعرض لها الكثير من الشعوب ولابد أن نستعد لأن نعيش تلك التجربة ولا يظن أحد أنه بعيد عن مؤامرات الطواغيت، إلا إن كان يظن أنه خارج الجغرافيا والتاريخ.

البحث عن إجابة للسؤال تعني بناء إستراتيجية الصمود والكفاح وبناء النهضة وتحقيق الاستقلال الشامل.

هذه تجربة تستحق الدراسة من منظور حضاري وبجرأة علمية حتى نتعلم منها فنون المقاومة. والحياة… وهذه الدراسة تعني أننا يمكن أن نقوم بصياغة استراتيجية حضارية لإدارة الصراع وتحقيق النصر، وهي استراتيجية لا تقل أهمية عن الإستراتيجية القتالية التي تستثمر في بنائها مواهب القادة العسكريين والخبراء بالمعارك والحروب.

الكثير من الدول دخلت الحروب باستراتيجيات قتالية تتميز بقدر كبير من الكفاءة، وصاغها جنرالات عباقرة، ولكنها انهزمت في النهاية لأنها لم تدخل الصراع باستراتيجية حضارية وثقافية وهذا واضح جداً في التجربة الأمريكية في العراق وأفغانستان، وواضح جدا في التجربة الإسرائيلية منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 حتى الآن.

لذلك فإن بناء استراتيجيات حضارية وثقافية قد يكون أكثر أهمية من صياغة الاستراتيجيات العسكرية خاصة في الصراعات طويلة المدى، فهي صراعات معقدة تتشابك فيها العوامل، وقد تنجح استراتيجية عسكرية يوما ثم يصبح تكرارها بعد سنوات قليلة كارثة.

لذلك فإنني أدعو إلى بناء علم جديد هو إدارة الصراعات حضارياً وثقافياً، ونحن يمكن أن نتميز في هذا العلم ونبني مدرسة عربية فلدينا تجربة تتميز بالثراء ويمكن إذا درسناها بعمق أن نستخرج منها علماً جديداً نستخدمه في بناء المستقبل وتحقيق النهضة وتحرير فلسطين.

أغلى من الحياة

الآلام التي واجهها شعب فلسطين ليست جديدة.. إنها ممتدة منذ عام 1936 حتى الآن، فهناك قدر من تراكم الخبرة في مواجهة الكوارث والمآسي والجوع.. ومع أهمية تراكم الخبرة إلا أنها تشكل أحد العوامل، أما العامل الحاسم فهو يرتكز على الثقافة التي شكلتها الحركة الإسلامية في فلسطين. أي أن هذا الصمود هو نتيجة إنجاز ثقافي إسلامي، إنه عامل تتفرد به الحضارة الإسلامية ولا يمكن تحقيق هذا الصمود بمعزل عن هذه الحضارة.

من المؤكد أن الحياة غالية، وأن كل إنسان لا يمكن أن يصبر في الظروف العادية إذا حرم من مقومات الحياة إلا إذا كان هناك ما هو أعز على نفسه وأغلى من الحياة عينها.

والإنسان لا يمكن أن يتحمل مشهد أطفاله وهم يعانون آلام الجوع، أو يتعرضون للموت خاصة أمام عينيه لا يمكن أن يتحمل إلا إذا كان هناك ما هو أعز منهم على نفسه.

لو بحثنا طوال التاريخ لن نجد ما يمكن أن يكون أعز وأغلى على نفس الإنسان من حياته وأولاده وماله وبيته إلا العقيدة.. وبشكل محدد لم يظهر ذلك بوضوح إلا في ظل الحضارة الإسلامية، حيث تجلت قوة العقيدة الإسلامية في بناء شخصية إنسانية تتميز بقدرة كبيرة على مواجهة الخطوب.

ببساطة فإن عقيدة المسلم أغلى على نفسه وأعز من الأهل والدار والأبناء والحياة. وهو ينجب الأبناء ويعدهم لحماية العقيدة والدفاع عنها.

قد تضعف العقيدة في نفوس المسلمين زمنا فيتعرضون للهزائم. ثم تعود الأمة في فترة تالية لتبني نفسها ثقافيا، وتعيد للعقيدة مكانتها المتميزة في النفوس.

ومن ثم تحقق الأمة انتصارات كبرى، وهذا ما حدث في حالة صلاح الدين الأيوبي وتجربة الصراع مع الصليبيين، كما حدث في مواجهة التتار، وفي حالة فتح القسطنطينية.

لذلك فإن الأمة تبدأ رحلتها نحو النصر والنهضة عندما تعود للعقيدة مكانتها في النفوس وتصبح أغلى على الإنسان من نفسه وولده وماله وأهله. وفي هذه الحالة تتجلى قوة الإنسان في مواجهة كل الخطوب والكوارث، وفي الكثير من الأحيان يعتقد المسلم أنه ليس أمام كارثة أو مصيبة ولذلك تفرح النساء باستشهاد أبنائهن.

لأنهم لا يفهمون!!

خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى لفتت تلك الظاهرة الغريبة أنظار بعض مراسلي وسائل الإعلام الغربية فكيف يمكن أن تفرح أم عندما يصلها خبر استشهاد ابنها ولذلك فسروا تلك الظاهرة بأن الأمهات الفلسطينيات يكرهن أبناءهن!!

العقل الغربي المادي لم يستوعب هذا الأمر ولذلك لجأ إلى التفسير الساذج..

حقيقة الأمر أن تلك الأم التي فرحت باستشهاد ابنها قد بلغت درجة من الحب لهذا الابن لم تبلغها أم أخرى… فتلك الأم قد تحررت من أنانيتها في أن يكفلها الابن ويرعاها وتتمتع برؤية وجهه الوسيم وأحبت هذا الابن حبا يفوق قدرة العقل المادي على التصور، فهي تؤمن إيمانا راسخا بأن روحه تصعد للجنة بمجرد استشهاده وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. وأن موضع سهم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وهي تؤمن أن غاية المسلم من الحياة هي الفوز برضا الله ودخول الجنة. هذا هو الذي يمكن أن يفسر موقف الأمهات في الحضارة الإسلامية منذ غزوة بدر حتى الآن، فهن يفرحن باستشهاد أبنائهن حبا.. إنه الحب الذي خلصهن من الأنانية.

هذا موقف حضاري متميز لا يعرفه إلا المسلمون ولا يعرفه إلا من امتلأ قلبه بالإيمان..

وأصبحت غاية الحياة هي إرضاء الله سبحانه وتعالى.

أما الذين تكون الحياة نفسها هي الغاية بالنسبة لهم فإنهم لم ولن يفهموا هذا الموقف ولن يذوقوا حلاوة الإيمان.

ثم إن الحياة بطبيعتها مليئة بالأحزان والآلام، السعادة فيها مجرد وهم لا يبلغه أحد.. فقد تظن أنك ستكون سعيدا عندما تمتلك مالاً فينقلب المال نقمة، ويثير الخوف عليه الأسى أو قد تنفقه بحثا عن دواء لمرض. لذلك فإن تعلق النفس بالسعادة الحقيقية في الجنة يهون عليها مواجهة مصائب الدنيا. ويجعل الإنسان أقوى على مواجهة كل ألوان الألم.

في ضوء ذلك يمكن أن نفهم كيف واجهت غزة الصدمة الأولى التي بنيت عليها الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية وهي تكرار لإستراتيجية الجيش الأمريكي في العراق.

لقد ظنت “إسرائيل” أن تلك الصدمة سوف تشكل رعباً وهلعاً وذعراً لأهالي غزة، فإذا بهم يستوعبونها بصبر، ويواجهونها بشجاعة وشموخ وإباء وصمود.. حسنا إنهم يؤمنون أن شهداءهم في الجنة.. وقتلى “إسرائيل” في النار، وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

إنه موقف حضاري متميز.. ولن تفهم “إسرائيل” هذا الموقف ولذلك فإن الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية سوف تفشل على المدى البعيد، وستنتصر الإستراتيجية الحضارية الإسلامية، سيشيع أهل غزة شهداءهم، ويصمدون ويقاومون ويقاتلون ويثقون في نصر الله.

و”إسرائيل” ستستمر في ارتكاب جرائم حرب حتى يكرهها البشر.. والصراع ممتد والمعارك متواصلة حتى تنهار “إسرائيل” وتحرر فلسطين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....