الأحد 11/مايو/2025

غزة… سقوط رهان إسرائيل

غزة… سقوط رهان إسرائيل

صحيفة الاتحاد الإماراتية

القوى المتصارعة نوعان: قوى مادية وقوى معنوية. الأولى كم، والثانية كيف. الأولى عتاد والثانية إرادة. وقد تنتصر القوة المعنوية على القوة المادية كما يشهد بذلك تاريخ الحروب وحركات التحرر الوطني العديدة عبر التاريخ. وهو نموذج الحرب الدائرة الآن بين قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. عدم تكافؤ القوتين الماديتين، قوات الاحتلال والغزو طائرات في الجو، ودبابات وعربات ومدافع ميدان في البر، وزوارق حربية في البحر. يواجهها ناشطون أفراد بمدافع هاون ورشاشات خفيفة وببعض الصواريخ محلية الصنع، مداها حوالي ثلاثين كيلومتراً. أما لجهة القوى المعنوية فهو صراع الحق ضد الباطل، والمقاومة ضد الاحتلال، والشعب ضد الجيش المحتل، والمظاهرات الشعبية في العالم كله التي يتصدى اليمين الإسرائيلي لبعضها في فلسطين المحتلة سنة 1948. ولم نسمع بخروج مظاهرات شعبية في العالم كله، من أقصاه إلى أقصاه، تؤيد العدوان الإسرائيلي بأي شكل. ولم يؤيده من الدول الغربية إلا أميركا والتشيك التي اعتبرت أن العدوان “دفاع عن النفس”، وكأنه لا فرق بين الضحية والجلاد، وإن كانت سعت لتصحيح هذا التصريح فيما بعد.

وهي بكل المقاييس حرب إبادة. إذ لا تفرق قوات الغزو الإسرائيلي بين مدني ومقاتل. تتعمد إرهاب المدنيين وتجنب مواجهة النشطاء المسلحين، وقتل النساء والأطفال والمسنين، وهدم المنازل، وضرب عربات الإسعاف وشاحنات الإغاثة والمراسلين المحليين والأجانب. وتكرر ما حدث في الجنوب اللبناني في حرب يوليو 2006 عندما تجنبت مواجهة المسلحين اللبنانيين على الأرض، واعتمدت على سلاح الطيران للعدوان على المدنيين، هدم المنازل، وقصف الكباري من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، من صيدا إلى طرابلس. فواجهها المقاتلون بإطلاق الصواريخ بعيدة المدى على المدن الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة حتى يافا. وكانت تل أبيب في مرماها أيضاً. وعندما قررت توسيع الغزو البري على الأرض واجهوها من كمائنهم وصدوها. وانتهت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، والحرب الخاطفة، حرب الساعات الست أو الأيام الستة. واستمر مقاتلو المقاومة اللبنانية شهراً بأكمله في مواجهة العدوان. وتريد “إسرائيل” هذه المرة أن تنقذ سمعة جيشها من عار الهزيمة في لبنان والعودة إلى الأسطورة القديمة.

وعلى رغم أن الطبيعة الجغرافية الجبلية في جنوب لبنان مخالفة للطبيعة السهلية في قطاع غزة، الأولى تسمح بإخفاء الصواريخ، وحرب العصابات التي تقوم على الكر والفر، إلا أن الثانية لديها الكثافة البشرية والقدرة على التخفي داخلها. وعلى رغم أن صواريخ المقاتلين اللبنانيين أبعد مدى وأكثر تأثيراً فإن الأزمة استطاعت أن تبعث الرعب في القرى الفلسطينية المحتلة على حدود القطاع، التي أصبحت بلدات إسرائيلية ومستوطنات. وعلى رغم أن المقاتلين اللبنانيين أكثر عدداً من مقاتلي غزة إلا أن القطاع أقل مساحة من جنوب لبنان. ويلجأ كلاهما إلى المخابئ تحت الأرض والأنفاق ونصب الكمائن للسيطرة على الأرض من تحتها في مقابل السيطرة عليها من الجو.

وكما صمد جنوب لبنان في تموز 2006 مع طول المدة، ما يزيد على الشهر ضد نظرية الحرب الخاطفة والمواجهة بين جيشين نظاميين، فإن غزة في أسبوعها الثاني وما زالت صامدة. لم تخترق قوات الغزو المدن الفلسطينية في القطاع حيث الكثافة السكانية. وما زالت القوة الفلسطينية في أسبوعها الثاني سليمة في مجملها، تقاوم، وتمتد المواجهة عبر الحدود إلى المدن الفلسطينية المحتلة إلى أبعد مدى في أشدود وعسقلان وبير السبع وعلى أكبر معسكرات الجيش الإسرائيلي. وانتصار غزة على قوات الاحتلال الإسرائيلي هو إفشال لأهداف الغزو: القضاء على قوة غزة، تدمير البنية التحتية لها، المدنية والعسكرية، التنظيمية والقتالية، ووضع اليد على القطاع.

ويُضاف حال غزة إلى الانتصارات السابقة في الصراع العربي/ الإسرائيلي، حرب السويس في 1956، حرب الاستنزاف في 1968-1969، حرب جنوب لبنان في 1982، حرب يوليو في 2006، وحرب غزة في 2008-2009. فقد ذاق العرب حلاوة النصر، وعرفوا كيف يواجهون جيوش العدو التي لا تقاتل إلا من وراء حصون مشيدة، وتخشى المواجهة، وتهرب منها. ولن يستعيد الجيش الإسرائيلي الثقة بالنفس والعودة إلى أسطورة التفوق. فقد عرف العرب كيفية مواجهته.

والانتصار الأكبر بعد فشل الغزو العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة هو تصاعد المد الشعبي، وانطلاق المظاهرات من المحيط إلى الخليج بل من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، من الرباط إلى جاكرتا، ومن الشمال إلى الجنوب، من إسطنبول إلى الخرطوم، بل في قلب العواصم الغربية، لندن وباريس وبروكسل وبرلين وواشنطن ضد العدوان الإسرائيلي دفاعاً عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال. وكلما طالت مدة المواجهة تصاعد المد الشعبي، ونزلت الجماهير إلى الشوارع.

إن الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية قادمة. فقد استهدفت “إسرائيل” خيار المقاومة مثلما استهدفت خيار السلام. فلم يأخذ الطرف الفلسطيني شيئاً منذ مدريد وأوسلو وحتى أنابوليس. بل زاد الاستيطان في الضفة والقدس، ولم يقل العدوان على الشعب الفلسطيني. وزاد عدد الشهداء. ولقد طلبت موريتانيا سحب سفير “إسرائيل” من نواكشوط. كما هددت الحكومة الأردنية بإعادة اختياراتها بالنسبة للاتفاقات التجارية والمعاهدات السياسية منذ اتفاق وادي عربة.

وتتوحد السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع. وتعود مصر كجبهة مساندة أولى بعد أن خاضت خمس حروب من أجل فلسطين. وتتوحد دول المواجهة أو دول الطوق كجبهة مساندة ثانية للقضية الفلسطينية. وتتحرك الجامعة العربية بدلاً من فرقتها وشللها عن الحركة، وتكون معبراً عن نظام عربي موحد الأهداف، تحرير فلسطين. وتذهب إلى الأمم المتحدة وهي تعبر عن قوة العرب وثقل شعوبها. وتنعقد القمة العربية الطارئة تدعيماً لقوة العرب وتوحيد أصواتهم.

ليست القضية الآن فتح معبر أو إرسال إغاثة، غذاء ودواء، أو فك حصار عن مليون ونصف من الفلسطينيين بل هي إنهاء الاحتلال، ليس فقط في غزة بل في كامل التراب الفلسطيني منذ 1948. وتعود القضية الفلسطينية إلى أصلها الأول وهو الاحتلال، وإحلال شعب مكان آخر، بدلاً من تجزئتها وتقليصها في معبر أو قطاع. فالصراع العربي الإسرائيلي ما زال مستمراً لا يتوقف بالسماح بمرور شاحنة. فلن ترضى “إسرائيل” بحل الدولتين لأن دولة فلسطين تذكر بجسم الجريمة. ولن ترضى بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية لأنه قضاء على العنصرية اليهودية وأسطورة “شعب الله المختار” وخوف من التكاثر السكاني الفلسطيني على الأمد الطويل. لن تقبل بأقل من فلسطين كلها، تهجير سكان غزة، والتخلص من سكان الضفة أو بقائهم في محميات عربية مثل فلسطينيي 1948. لن ترضى “إسرائيل” إلا بأن تحل محل دول المنطقة كمركز ثقل في المحيط العربي، وأن تكون بديلاً عن القومية العربية، وأداة لـ”تحديث” المنطقة، ومجالاً حيوياً لها، المحيط الأوسع، لصالح لقمة العيش.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....