الجمعة 09/مايو/2025

«الرصاص المتدفق» لإعدام شعب وتصفية قضية!

«الرصاص المتدفق» لإعدام شعب وتصفية قضية!

صحيفة العرب القطرية

المذبحة التي بدأت فصولها الجديدة منذ ظهر يوم السبت الأسود الدامي، لم تكن حدثاً مفاجئاً واستثنائياً، بل كانت كل المقدمات تؤكد حصولها القريب. والجميع كان يتوقع شرارتها بين لحظة وأخرى، منذ أن نعقت مجرمة الموساد «ليفني» أثناء مؤتمرها الصحافي في مصر مع أبوالغيط، بعد لقائها مع الرئيس حسني مبارك، بصوت الخراب القادم «كفى.. كفى» وهي توجه سمومها اللفظية للمقاومة في غزة، وذلك قبل بدء المجزرة بـ48 ساعة.

تنفيذ المجزرة الجديدة تجاه القطاع لم يكن وليد لحظة انتهاء تلك المذبحة «الهادئة والسلسلة» المسماة بالتهدئة، لأن برنامج عمل الطواقم الحربية على مدى عدة أشهر، كان سحق قوى المقاومة، ودفعها للاستسلام السياسي الكامل. وقد تجلى هذا السحق من خلال الصواريخ والإغلاق والحصار. لكن الموقف الوطني بعدم تجديد تلك التهدئة الخاضعة للشروط الصهيونية، واقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي للبرلمان الصهيوني في فبراير القادم، شكل عوامل تحفيز جديدة للبدء في المذبحة. فكلما امتلأ صندوق الاقتراع بالأشلاء والجثث الفلسطينية، اقترب المرشحون الأكثر دموية من الفوز بمقاعد أكثر. ولهذا يتبارى قادة الجيش والأحزاب أمام الإعلام بالتصريحات المرعبة عن الإبادة الجماعية، والتي تأتي معبّرة تماماً عن العقيدة اليهودية الصهيونية على مدى عشرة عقود.

إن الحديث الذي أدلى به اللواء «دان هرئيل» نائب رئيس الأركان في اليوم الثاني للمذبحة أمام أحد المؤتمرات يلخص تلك الوحشية: «بعد انتهاء مهمة جيشنا في غزة… لن تجدوا بناية واحدة واقفة». لكن التصريحات المتتالية لقادة العدو خلال الأيام الماضية تشير إلى أن الهدف الاستراتيجي يتحدد في إنهاء الوجود المقاوم في القطاع. حاييم رامون يقول: «سنوقف الحرب على غزة إذا استلمت جهة أخرى غير حماس زمام الأمور». أما ليفني فتتحدث بلغة أكثر دبلوماسية و«حضارية!»: «نقوم بالعملية العسكرية من أجل بناء عالم حر وتأمين السلام للجميع». إنها استنساخ للعبارات اللزجة التي أطلقتها كونداليزا رايس أثناء العدوان على لبنان صيف 2006 حين بشرت بولادة عالم جديد أكثر حرية وديمقراطية!.

رغم توقعات قوى المقاومة باقتراب ساعة الهجوم، فإن عدة إشارات أرسلت لقيادة «حماس» كانت كفيلة بتحقيق بعض النجاحات لسياسة الخداع المبرمجة التي توزعت أدوارها وأشكالها على أكثر من جهة، من خلال تسهيل مرور بعض الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية قبل يوم واحد من العدوان، أو التطمينات التي نقلتها اتصالات بعض الشخصيات المكلفة بالملف الفلسطيني من داخل الحكومة المصرية، لبعض القيادات داخل غزة، بأن الضربة العسكرية ما زالت بعيدة نسبياً، في خطة مدروسة ومتفق عليها، أطلقت عليها صحف العدو مصطلح «عملية التمويه». بالإضافة لاعتقاد «البعض» الواهم أن يوم السبت برمزيته الخاصة عند اليهود، لن يكون مناسباً للتحرك العسكري! وهو ما وفر لبعض المسؤولين فرصة الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من ضباط الشرطة، والتي أدهشت بتوقيتها -في ظل التهديدات والتحركات العسكرية المعادية منذ عدة أيام- كل المراقبين، بل وأبناء الشعب الفلسطيني. لقد قام العدو وحسب الخطة المقررة، بتوجيه ثمانين طائرة هجومية، مقاتلة وقاذفة لتستبيح سماء القطاع، قامت 64 طائرة منها، وفي وقت واحد، بإلقاء أكثر من مئة طن من المتفجرات على عشرات المقرات والمؤسسات الأمنية والخدماتية في القطاع، بهدف تحقيق نسخة حديثة من «الصدمة والترويع» الصهيونية، المستوحاة من العقيدة العسكرية الإجرامية التي مارسها العدو الأميركي في غزو العراق عام 2003، تعيد إنتاج الدمار الرهيب الذي شهدته مربعات «الضاحية الجنوبية» لبيروت أثناء عدوان يوليو 2006.

بعد مرور عدة أيام على الجريمة، ومع اتساع رقعة القصف الجوي والبحري لتشمل عدة أهداف مختارة من «بنك المعلومات»، والتي تشير بعض المعلومات الخاصة إلى وجود أكثر من 400 هدف محدد للتدمير، معظمها يخص قوى المقاومة في القطاع «مؤسسات أمنية-خدماتية، تشكيلات مقاتلة، مراكز إعلامية، أفراداً»، كانت حكومة العدو قد كشفت عنها لأطراف محلية وإقليمية «موثوقة» و«مرتاحة» و«مؤيدة» لتنفيذ المهمة العدوانية القذرة. وهذا يقودنا إلى التأكيد، استناداً إلى الخطاب الإعلامي، والتحرك السياسي الرسمي لبعض الحكومات العربية وسلطة رام الله المحتلة، على التواطؤ المكشوف، بل والمشارك، عبر تحميل قوى المقاومة الدور الأساس في التشجيع على العدوان، أو من خلال الصمت والتعطيل لأي جهد رسمي «متواضع» يناقش التطورات في غزة، بعد استشهاد أكثر من 400 شهيد، وسقوط أكثر من 1800 جريح، وتدمير عشرات المقرات الرسمية، ودور العبادة، والمراكز العلمية، والعديد من الأنفاق، وقوارب الصيد، بالإضافة إلى مئات البيوت السكنية.

إن ملامح الخطة النازية الصهيونية بدأت تتضح على أرض المجزرة ذاتها. فالانتقال من مرحلة قصف المؤسسات الرسمية والخدماتية، إلى مرحلة «القنص الجوي» لمنزل المقاتل بقنبلة فراغية أو ارتجاجية، يشير إلى نشر شعاع المناطق المدمرة والمحروقة إلى نقاط جديدة، بهدف تحقيق الأهداف المرجوة من الصدمة. لكن قوى المقاومة استطاعت امتصاص الصدمة بسرعة لم يتوقعها «الصديق!» قبل العدو، بل إن الرد المدروس والممنهج بالصواريخ وقذائف الهاون على تجمعات الجيش، ومستعمرات ومدن الغزاة في دائرة قطرها 50 كيلومتراً، يقطنها أكثر من 300 ألف من المستعمرين، مما أدى لسقوط أكثر من 20 قتيلاً وجريحاً في صفوفهم، يؤكد قدرة كتائب وسرايا ولجان المقاومة على التعامل مع الموقف بقدرة عالية من المسؤولية والصلابة، تتطلب العمل الجاد من أجل تشكيل قيادات ميدانية مشتركة تخضع لخطة عمل سياسية وقتالية موحدة، لتكون صمام الأمان لاستمرار المواجهة وحماية المجتمع، الذي تشير كل المعطيات على الأرض إلى انهيار خطة تفكيكه، من خلال ترويع المواطنين وإرعابهم، بهدف تأليبهم وتحريضهم على المقاومة «ثقافة وسلاحاً ومؤسسات وأفراداً».

أمام كل ذلك، تنبئ تحركات الدبابات وناقلات الجند حول القطاع، واستدعاء الآلاف من جنود وضباط قوات الاحتياط، على أن التوغلات البرية ستكون الخطوة التالية، والتي ستكون حينها أرض غزة -كما عودتنا دائماً- مقبرة لأشلاء جنوده. فالعدو يعتقد واهماً بقدرته ليس فقط على تقطيع أوصال القطاع الصامد، بل وعلى وصول قواته إلى اعتقال الآلاف من كوادر المقاومة وزجها في معتقلاته النازية، لإسقاط هيبتها ومكانتها المادية والمعنوية أمام الشعب. لكن حلف الأعداء سيفاجأ بعشرات الآلاف من المقاتلين والمناضلين المتمرسين الذين سيلحقون بقواته أقسى الضربات، كما مئات الآلاف من المتظاهرين في الوطن العربي والعالم دفاعاً عن الشعب ومقاومته. إن دلالات التحرك المتنوعة «تظاهرات، اعتصامات، عمليات بالسلاح الأبيض» في الضفة الفلسطينية، وسقوط شهيدين وعشرات الجرحى برصاص المحتل أمام عيون شرطة السلطة، بل وتصديها للمتظاهرين في رام الله والخليل، تكشف مجدداً عن الشرخ الكبير بين الشعب والسلطة. كما أن التظاهرات والنشاطات الكفاحية السلمية لأهلنا في المناطق المحتلة منذ عام 1948، المترافقة مع ما شهدته المخيمات والمدن العربية من تحركات غضب واضحة، تدلل على أن الحركة الشعبية العربية على أبواب مرحلة جديدة من النهوض.

إن تطوير أشكال الكفاح في الضفة الفلسطينية، وتنفيذ عمليات عسكرية نوعية ضد تجمعات العدو، مع الحفاظ على رشقات الصواريخ، سيدفع بالغزاة وحلفائهم إلى إعادة حساباتهم مجدداً. فالمقاومة عصية على الكسر رغم حجم التضحيات وشراسة الحلف المعادي.

ما بين رقص اليهود الصهاينة على نزف دماء الشهداء والجرحى، وتوجيه الإنذارات «العربية الرسمية» للمقاومة، التي يستحق أصحابها الشكر على دورهم الرائد! ترتسم ملامح الولادة لمرحلة جديدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...