من أعطى إسرائيل ترخيصاً للقتل؟

صحيفة الاتحاد الإماراتية
تحدثت “إسرائيل” عن جرائمها في غزة وكأنها تمتلك تفويضاً عربياً ودولياً للقتل بدم بارد وبلا أي رادع أخلاقي أو سياسي. لم تكن الأخلاقيات يوماً جزءاً من حساباتها، فهي دولة جرائم الحرب، لكن من أين لها هذا “التفويض”، إذا وجد أصلاً؟ إنه ببساطة، قراءة خاصة وخاطئة، لكنها مفيدة للحال العربية وللحال الفلسطينية، وكذلك للوضع الدولي الراهن.
قرأت “إسرائيل”، وربما أصابت أن الانقسام العربي أنشأ معسكرين، أحدهما يضم حكومات وأنظمة لا تحبذ توجهات حركة “حماس” ولا تبالي بمصيرها بل سئمت من نهجها، والثاني يضم حكومات وأنظمة لا تهتم بأمر “حماس” إلا بمقدار ما تستطيع استثمار دمها واستخدام ممانعتها لا من أجل القضية الفلسطينية وإنما لأغراض شتى يتعلق بعضها بمساومات خاصة لا علاقة لها بالضرورة بمبادئ “حماس” وأهدافها وطرق عملها.
وقرأت “إسرائيل”، وربما أصابت، أن المساعي المصرية لإقامة حوار فلسطيني – فلسطيني، تمهيداً لمصالحة، فشلت بفعل مماحكات عربية – عربية. فبعد اندفاع مذهل نحو ذاك الحوار، الذي نال قبل أن يبدأ مباركات لافتة من دول وجهات في معسكر الممانعة، راحت الفقاعة تتلاشى تدريجياً، إلى أن اتضح أن الضوء الأخضر لانطلاق الحوار لم يُشعل، ثم تعقّد الموقف واستدعى اجتماعاً استثنائياً لوزراء الخارجية العرب، الذي شكل مناسبة لاحتكاك سوري – مصري. وبعد ذلك تعثرت وتعذرت كل المساعي، وما لبثت أن توقفت عملياً. وفي الآونة الأخيرة كان الوسطاء يقصدون دمشق ولا يقصدون “حماس”، اختصاراً للوقت والجهد، ولم يوفقوا، بل قيل إن العقدة بروتوكولية تتمثل في إقامة النديّة بين الرئيس الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”.
وقرأت “إسرائيل”، وربما أصابت، أن ما يسمى المجتمع الدولي ومعظم الحكومات والأنظمة العربية لا تعترف إلا بالسلطة الفلسطينية، وليست مستعدة للتعامل مع سواها. لكن هذه السلطة ضعفت بسبب الانقسام ما بين ضفة وقطاع، وما بين “فتح” و”حماس”، وما بين “خريطة طريق” تفرض عليها “مكافحة الإرهاب” ومفاوضات وفقاً لتوصيات أنابوليس كان يفترض أن تتوصل إلى اتفاق يعيد إليها بعضاً من الهيبة، ويعزز بعضاً من شرعية مترنحة، ما يستتبع أن هذه السلطة، والجهات الخارجية المعترفة بها، تريد ضمناً إنهاء الانفصال الذي فرضته “حماس”، أي إنهاء حكم “حماس” على القطاع. هنا اعتبرت “إسرائيل” أنها وحدها القادرة والمدعوة إلي هذه المهمة، ولكن طالما أنها ليست الوحيدة صاحبة المصلحة فيها فقد اقتضى تفويضها، وربما التمني عليها، بل توفير الغطاء لها. لكنها لم تكتف بما يُقال خلف الأبواب المغلقة، بل شرّعت لنفسها وخاصة أن تبلغ مجلس الأمن الدولي بأنها ذاهبة إلى المهمة القذرة.
الذريعة هي الصواريخ الحمساوية، وقد دأب اللغو الدبلوماسي العقيم والمبتذل على مساواة الحصار التجويعي والإذلالي بهذه الصواريخ التي توقفت خلال ما سمي “التهدئة”، لكن “إسرائيل” لم تعترف ولا تعترف بأن التهدئة أو حتى “اتفاقات السلام” الموقعة تمنعها من الاستمرار في إجرامها. فباسم تلك الاتفاقات وتحت غطائها، قامت بعشرات الاغتيالات والاجتياحات والغارات ووسعت الاستيطان، وأفسدت كل أنواع التهدئات والهدنات حتى أجهزت على قدرات السلطة وتتفرغ الآن للإجهاز على “حماس”.
إنه سيناريو صيف 2006 نفسه حين أطلقت “إسرائيل” العنان لوحشيتها متسلحة بتفويض أميركي شبه معلن. ولاشيء ينبئ بأن ما أخفقت فيه ضد “حزب الله” يمكن أن تنجح فيه ضد “حماس”. ففي حساباتها أن الأمر لن يكلفها أكثر من بضع إدانات، معظمها متوقع ولا يعني شيئاً.
الفارق بين لبنان وغزة أن الأخيرة ليست فيها حكومة معترف بها، وليست هناك حكومة مخولة بالتفاوض عنها لوقف إطلاق النار، بل على العكس تهدف “حماس” إلى نزع شرعية السلطة وحكومتها.
لابد أن “التفويض” الذي اعتقدت “إسرائيل” أنها تمتلكه ملتبس جداً. وإذا كان هناك من أعطاها التفويض حقاً فلابد أنه تناسى وحشيتها المفرطة، أو أنه يجهل أن طبيعتها لا تؤهلها لمهمة لا يمكن أن تنجز إلا بالسياسة. ها هي المجازر قد أعادت الجميع إلى الحقيقة والواقع، لكن بكلفة بشرية ثقيلة جداً، وبجريمة حرب واضحة المعالم.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...